تم اعتماد شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام ليكون شهراً عالمياً لتسليط الضوء على مرض ألزهايمر وباقي أمراض الخرف، تتجدد في هذا الشهر الدعوة إلى وسائل الإعلام لتعزيز جهود توعية أفراد المجتمع بحاجات وحقوق هؤلاء المرضى، كذلك بحاجات وحقوق ذويهم.
يقدر عدد أفراد هذه الفئة من أبناء المجتمع التي تعاني من الخرف أو العته نحو أربعين مليون إنسان في العالم، سوف يتضاعف هذا العدد خلال العقود القليلة القادمة، ليصل إلى ثلاثة أضعاف بحلول العام 2050، وتقدر كلفة رعايتهم السنوية بأكثر من ستمائة مليار دولار، وفق تقرير منظمة ألزهيمر العالمية. هذا وتفتقر معظم بلدان العالم إلى الخطة الوطنية الاستراتيجية لمواجهة أمراض الخرف والتي ينبغي أن تتضمن برامج التوعية المجتمعية في مستويات عدة، إلى جانب تعزيز الخدمات الطبية في الكشف والتشخيص والتدبير، ودعم الجهود البحثية، وغيرها في المجالات الاجتماعية والتشريعية والإنسانية.
كيف يتطور المرض؟:
لمرض ألزهيمر أو قاتل الذاكرة، مراحل ودرجات مختلفة، ففي الحالات المبكّرة جدا، يحدثُ فقدان جزئي في الذاكرة، مع نقص في التركيز، أما الفعّاليات الأخرى اليومية فيزاولها المريض بشكلٍ عادي تقريباً، ومع تطوّر المرض يزداد الشرود ونقص الذاكرة مما يسبب للمريض تراجعا في فعالياته الذهنية والاجتماعية، إذ يصعب عليه القيام بعمله (كالعمل الإداري والفكري)، ويصعب عليه معرفة المكان، أو الذهاب إلى مكان يعرفه سابقا..وفي مراحل أكثر تقدما يعجز عن القيام بالأعمال الذهنية البسيطة، حتى يصل إلى درجة يفقد معها قدرة التعرّف إلى أقرب الناس إليه. وهكذا يمتد الخلل فيصيب التوجه، واللغة، والوظائف الحياتية الأساسية.
في الحالات المبكّرة يصعب كشف المرض، إذ يختلط مع أمراض أخرى كالاكتئاب الذي يحدث عند بعض كبار السّن، وقد استطاع الأطباء النفسيون أن يطوّروا اختبارا لغويا مبسّطا لكشف هذا المرض وتفريقه عن بعض حالات الاكتئاب، حيث يعطى للمريض أسئلة بسيطة، وتتدرّج في صعوبتها، فالشخص المصاب بمرض ألزهيمر لا يستطيع التجاوب مع ازدياد صعوبة الأسئلة وتعقيدها. يسأل الفاحص المريض عن العمر، الوقت، العام، تاريخ الحرب العالمية، ويعطيه عنواناً ما، ثم يسأله عنه في نهاية الاختبار، كذلك يطلب منه إجراء العد التنازلي من 20 إلى 1. ويعطي للمريض نقطة عن كل جواب صحيح وكلما كانت إجاباته خاطئة كلما كانت الإصابة متقدمة. وهكذا يعتمد تشخيص ألزهيمر على القصة السريرية والفحص الفيزيائي الاستقصائي والذي يظهر عدم وجود أي مرض آخر قد يلتبس مع داء ألزهيمر ويسبب الخرف.
وهكذا فالخرف أو العته يتميز بحدوث تغير في الشخصية، واللامبالاة والانطواء على الذات، وعدم القدرة على القيام بمهام الحياة اليومية. هذا ويعتقد الباحثون أن نمط العيش الصحي النشط فيزيائياً وفكرياً (التشيخ النشط)، والبيئة الصحية، وعلاج وتدبير الأمراض المزمنة بشكل جيد يسهم وإلى حدَّ كبير في تقليل فرص الإصابة بالأمراض المسببة للخرف.
مدخل إلى الكشف المبكر:
يمكن كشف علامات الإنذار وهي عبارة عن ملاحظات تساعد عند كشفها في البدء باستقصاء هذه الحالات واستكمال الاختبارات السريرية والشعاعية والسريرية لتأكيد التشخيص، ويساعد الكشف المبكر أيضاً على البدء في تقديم العلاج والتدبير المناسبين، وتدريب وتأهيل ذويه لتقديم الرعاية اللازمة، كما يتيح الكشف المبكر للمريض اتخاذ بعض الإجراءات الشخصية والعائلية، لمن لا يزال مؤهلاً قانونياً، لتسوية ممتلكاته وأوضاعه الاجتماعية في وقت مناسب. من هذه العلامات نذكر:
1- ضعف الذاكرة تجاه الأحداث القريبة التي مرت به، ونسيان تواريخ وأحداث مهمة في حياته (ميلاده، عام زواجه وغير ذلك)، أو حياة مجتمعه أو بلده (حرب، استقلال..)، تكراره السؤال نفسه بعد قليل من تلقيه الإجابة عنه، والحاجة إلى تذكيره بأشياء بديهية، بينما ضعف الذاكرة المألوف لدى كبار السن العاديين يستطيع فيه الشخص التذكر لاحقا.
2-ضعف القدرة على القيام بالأعمال الحسابية العادية المألوفة كجمع قيم المشتريات والحاجة إلى تركيز كبير عند القيام بذلك، بينما قد يهفو الشخص العادي كبير السن في بعض عمليات الجمع والطرح العادية لكنه سرعان ما يصححها من تلقاء نفسه.
3- صعوبة القيام بالأعمال المألوفة في المنزل أو العمل أو أثناء التسلية والتنزه، مثل صعوبة العودة بالسيارة إلى مكان مألوف اعتاد العودة إليه، كذلك صعوبة تذكر قواعد الألعاب العادية كالنرد أو الشطرنج أو الورق وغيرها.
4- صعوبة تعقب التواريخ والمواسم (ربيع، صيف..)، والتسلسل الزمني وربما معرفة المكان (البيت، السوق..)، الموجود فيه الآن، وكيف وصل إليه.
5- صعوبة تقدير المسافات (قريب، قريب جداً، بعيد وبعيد جداً)، تحديد الألوان ودرجة اللون (غامق فاتح)، وفي حالات خاصة عندما ينظر إلى المرآة قد يتعذر عليه معرفة نفسه في المرآة !!.
6- صعوبات في المحادثة والكلام، يمكن أن تتظاهر بالتوقف المفاجئ أثناء الحديث، وعدم القدرة على استكماله، أو إعادة آخر جملة أو كلمة دون مبرر، كذلك صعوبة إيجاد الكلمة المناسبة للتعبير، (البحث أو التنقيب عن الكلمات)، كذلك قد يستبدل كلمات بكلمات أخرى مختلفة وغير متوقعة، كأن يطلق كلمة جهاز على السيارة، أو الورق على الكتاب، وهكذا.. بينما الإنسان العادي كبير السن يعاني من صعوبة أحيانا في إيجاد كلمة ما، لكنه يجدها بعد قليل، أو لاحقاً.
7- يضع الأشياء في غير مكانها، أو لا يتذكر أين وضعها، فقد يأخذ في البحث عن نظارته، وهي فوق رأسه، أو على كرسي، ومع تكرار فقدان الأشياء من حوله، قد يشعر بأن هناك من يخفيها ويسرقها، الأمر الذي يدفعه إلى الظن بالآخرين وربما اتهامهم بذلك.
8- ضعف المحاكمة واتخاذ القرار، كأن يستخدم مبلغاً كبيرًا، أو قطعة نقدية كبيرة لشراء قطعة حلوى صغيرة، أو العكس، كأن يستخدم قطعة نقدية صغيرة جداً في شراء قطعة أثاث أو بدلة، كما أنه لا يكترث بمظهره الخارجي، فيهمل نظافته الشخصية بشكل ملحوظ، ويرتدي ملابسه بطريقة فوضوية، وفي حالات أشد يخرج بملابس النوم إلى العمل أو إلى الزيارات الاجتماعية.
9- يميل تدريجياً إلى الانعزال، وتحاشي المناسبات العائلية والاجتماعية، ويبتعد عن ممارسة عاداته السابقة الاجتماعية والرياضية والترفيهية، وهوايات متابعة الأخبار الرياضية والسياسية والاجتماعية وغيرها.
10- يعاني من تبدلات ملحوظة في المزاج والشخصية فيصبح شديد التقلب، سريع الانفعال والشك والخوف، كثير التبدل العاطفي، وسرعان ما تضطرب علاقاته العائلية والاجتماعية، بينما يعاني الشخص العادي كبير السن أحيانا من سرعة انفعال لا تلبث أن تتبدد فيقوم بإصلاح ما أفسد.
الشهر عربياً
في هذا الشهر العالمي للتوعية بأمراض الخرف وحقوق وحاجات المرضى لابد أن نتوجه إلى وطننا العربي الذي يعاني فيه أكثر من نصف مليون شخص من الخرف، فنكرر الدعوة إلى المشاركة في هذه الجهود العالمية، ومن أبرز الخطوات التي ينبغي اتخاذها هي وضع استراتيجية وطنية وإقليمية، تسعى إلى تعزيز برامج الكشف المبكر والتشخيص النوعي، وبرامج حماية ورعاية من فقد الذاكرة من ذوينا.
د. غسّان شحرور
طبيب وكاتب، "اليرموك للإعلام الخاص"
ساحة النقاش