"سلام مستدام من أجل مستقبل مستدام" هو شعار "يوم السلام العالمي" للعام 2012، هذا اليوم العالمي الذي أعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر من كل عام لتؤكد، أن السلام أكبر وأشمل من انتهاء حرب أو معركة، أو نزاع هنا وهناك، وأن الحاجة متزايدة إلى بذل المزيد من الجهود من أجل تحقيق السلام في كل أنحاء العالم.
إن السلام المستدام يحتاج أولاً إلى تنمية مستدامة تلبي حاجات الإنسان الأساسية في مكافحة ثالوث الجهل والفقر والمرض الذي يفتك بالمجتمع الإنساني في أكثر من مكان، ولاشك أن حجر الزاوية في مواجهة هذه التحديات لا يكون إلا في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتمثلة بتعزيز التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ومكافحة الفقر.
في هذا اليوم، ينظم المجتمع المدني في عواصم العالم الكبرى، حملته العالمية بالدعوة إلى نشر ثقافة السلام، والعدل، والمساواة، واحترام مباديء وقرارات الأمم المتحدة، ويسلط الضوء أيضاً على نزع السلاح والحد من الإنفاق العسكري، هذا الإنفاق الذي يتزايد يوماً بعد يوم على حساب حاجات المجتمع الإنساني الأساسية إلى التنمية المستدامة، والتي تقتطع من قدرات بلدان العالم الثالث على تلبية هذه الحاجات علماً أن الإنفاق العالمي هذا العام قد اقترب من ألفي مليار دولار، مرتفعاً بشكل خاص في بعض الدول الآسيوية، بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
كثيراً ما يشوب هذا الإنفاق فوضى الأولويات، وألاعيب السياسة، والصفقات المشبوهة التي تكدس المليارات في جيوب حفنة من شركات السلاح لا يعرف تاريخها غير الإثراء مهما كان الثمن الإنساني الباهظ الذي تدفعه الشعوب من قوت أطفالها ومستقبلهم.
لا بد في هذه المناسبة أن أكرر أنه في الوقت الذي تدوي فيه وسائل الإعلام الغربية وهي تتحدث عن دروس ورسائل هذا اليوم إلى العالم، ويرتفع فيه صوت المجتمع المدني الغربي، رافضاً ومحتجاً هنا وهناك في عواصم صناعة السلاح وساحات إمبراطوريات تجارها، وشركاتها، يكاد يغيب هذا اليوم عن ساحات ضحاياها في بلدان العالم النامية، بينما تكتفي وسائل الإعلام فيه، في أفضل الأحوال، بنقل خبر من هنا، وخبر من هناك.
إن الشعار الذي صمم لاستخدامه رمزاً ليوم السلام العالمي هو للبريطاني هولتوم الذي استلهمه من تطلع الإنسان إلى عالم خال من الأسلحة النووية، وصنعه من مخلفات سلاح نووي جرى إبطاله والتخلص منه، يؤكد هذا تطلع كل محبي السلام والمستقبل المستدام إلى التخلص من الأسلحة النووية في كل مكان، لأنها وبكل بساطة تهدد، وفي كل لحظة، البنية التحتية للحياة على وجه الأرض، فقد تنفجر بسبب حرب، أو خطأ فردي، أو كارثة طبيعية كالزلازل والأعاصير والفيضانات، التي يمكن أن تحدث هنا وهناك، في الأرض أو البحر، بل يمكننا القول أن هذه الأسلحة النووية قد منحت الإنسان، ولأول مرة، القدرة على تدمير نفسه بنفسه، وخلال ساعات معدودة.
نعم.. استخدمت المنظمات الإنسانية والحقوقية، لاسيما الحملة العالمية للقضاء على الأسلحة النووية (آيكان) هذه الحقائق المتعلقة بالآثار الإنسانية الكارثية والمأساوية لاستخدام الأسلحة النووية في "هيروشيما" و"ناجازاكي" في الدعوة للتوصل إلى اتفاقية دولية تحظرها وتعمل على التخلص منها، مؤكّدة أن بقاء هذه الأسلحة أشد خطراً من أي كارثة أخرى، كما أن الاستنزاف الهائل للموارد الاقتصادية والذي يزيد عن 105 مليار دولار تنفق سنوياً على صيانتها وتحديثها، يمكن توجيهها لتحقق الكثير للإنسان والمجتمع العالمي في مواجهة الفقر والجهل والمرض، وفي بناء بيئة مستدامة تنعم بها البشرية، وتقود العالم إلى سلام مستدام ومستقبل مستدام.
وهكذا أثمرت هذه الرسائل الإنسانية في تعزيز موقف الرأي العام تجاه هذه القضية من أجل حث حكومات العالم على التوصل إلى الاتفاقية المنشودة التي استجابت لها أكثر من 146 دولة. نعم إنها رسائل الضمير الإنساني، وتطلعات تستحق أن نبذل لتحقيقها كل ما نستطيع، فالإنجازات العظيمة تبدأ دائماً بخطوات صغيرة.
لا يسعنا في هذا اليوم، "يوم السلام العالمي" إلا أن نطالب منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، ووسائل الإعلام، والحكومات أن تعمل معاً على دعم جهود حظر هذه الأسلحة عالميا لأنها الخطر الحقيقي الذي يهددنا جميعاً، وتأييد إطلاق مفاوضات دولية لإنجاز اتفاقية شاملة تحظر تصنيع وحيازة واستخدام الأسلحة النووية، وتضمن التحقق والالتزام الكامل قانونيا بتفكيك وإنهاء الأسلحة النووية من قبل جميع دول العالم، لأن التخلص منها هو الأمن الحقيقي للبشرية جمعاء، وهو الطريق من أجل سلام مستدام ومستقبل مستدام.
***
د. غسان شحرور
ساحة النقاش