أحمد مراد

كفل الإسلام الحنيف للإنسان حرية التعبير، وهي من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان، حيث جعله بهذه النعمة معبراً عن نفسه ومبيناً عما يدور في فكره وخلده، هذا ما أشار إليه علماء الدين، مشيرين إلى أن الحرية في الإسلام تتحقق من خلال الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهين لحقيقة واحدة لأن الحقوق من دون أن تقيد بالواجبات سيصبح الفرد فيها غير مرتبط بالآخرين وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه.

حول الضوابط التي وضعها الإسلام الحنيف لحرية الرأي والتعبير، أوضح علماء الدين أنه وضع لها ضوابط وحدوداً حتى لا تخرج عن مسارها الصحيح، فالحرية بلا قيود ولا ضوابط عقلية وخُلقية ودينية لا يصلح بها أمر الإنسان والمجتمعات أبداً، فالحكمة تقتضي أن لكل شيء حدوداً وقواعد إذا غابت يُضحي وجود الحرية عبثاً، حيث قال الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر فضيلة الشيخ عبدالحميد الأطرش، إن حرية الرأي والتعبير من أعظم الحريات التي كفلها الإسلام للإنسان، وهي من نعم الله تعالى عليه حيث جعله بهذه النعمة معبراً عن نفسه ومبيناً عمّا يدور في فكره وخلده، ومنحه القدرة العقلية على تصور ما يدور حوله، ثم الحكم عليه بما يصل له من خبراته وتجاربه، ويقول الله عز وجل تأكيداً لذلك المعنى (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، فالله تعالى خلق الإنسان وأكرمه وأنعمه بنعمة العقل والإدراك، وعلمه البيان ليُعمل عقله ويفصح عما يدور في عقله بحرية مبنية على احترام الحق الفطري.

واستخدام نعمة الإدراك والبيان هي دعوة إلى تحقيق التعاون على البر والتقوى، والتطلع إلى تكوين المجتمع المسلم الذي يقوم على المشاركة الإيجابية في تحقيق الإخاء والمساواة والأمن والعدل.

 

الضوابط الشرعية

 

وعن أهمية الضوابط الشرعية في ذلك أشار إلى أنه إذا كان الإسلام الحنيف قد كفل حرية الرأي والتعبير للإنسان، فإنه في الوقت ذاته وضع لها ضوابط حتى لا تخرج عن مسارها الصحيح، وأول هذه الضوابط أن يكون الرأي مشروعاً ليس فيه تعال على الله ولا على شرعِه، وليس فيه التفاف لتحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، كذلك ألا يكون الرأي فيه كلام في الدين أو في غيره مما تتعلَّق به مصالح الناس بالظنون، فإما أن ينطق بعِلم، أو أن يسكت بحلم، كما أن الحفاظ على هيبة الشريعة، والحفاظ على وِحدة الصف، وإبعاد الناس عن الترهات والسخف من الدعوة إلى العصبية، والطعن في أحساب الناس وأنسابهم، وعدم إثارة الإشاعات التي تتسبب في الفوضى كل هذه مقتضيات يجب أن تُراعى في أمانة الكلمة والرأي.

ونبه إلى ضرورة مراعاة الصدق في الأقوال والآراء، والعدل في الأحكام، فإن المسلم مسؤول عمّا يخرج من فمه، ونقل الأخبار والمعلومات غير الصادقة وبناء الرأي عليها نوع من التدليس الذي لا تأذن به الشريعة، بل هو تغرير يعاقَب عليه صاحبه بحسب ما يؤول فعله وفعلُ من صدقَه إليه، داعياً كل صاحب رأي أو علم إلى أن يراعي حال المخاطَبين، وهو أمر له تعلق بضابط مراعاة فائدة الكلام ومصلحته، فليس كل ما كان حقا وصحيحاً مناسباً أن يخاطبَ به كل أحدٍ من الناس، فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت محدثٌ قوماً حديثاً لا تبلُغُه عقولُهم إلا كان لبعضهم فتنة».

مكانة الإنسان

ويرى وكيل الأزهر الأسبق، فضيلة الشيخ محمود عاشور، أن حرية التعبير عن الرأي في الإسلام تعود إلى معرفة مكانة الإنسان في الإسلام، ثم معرفة الحوار وضوابطه عن طريق احترام الإنسان الآخر الذي نتعامل معه كائنا من كان، فلا بد من الاعتراف به أولاً، ثم صيانته لنصل إلى حرية التعبير والرأي، وقد قرر الإسلام الحرية للإنسان وجعلها حقاً من حقوقه، واتخذ منها دعامة لجميع ما سنه للناس من عقيدة وعبادة ونظم وتشريع، وتوسع الإسلام في إقرارها ولم يقيد حرية أحد إلا فيما فيه مصالح الناس المعتبرة واحترام الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم وإلحاق الضرر بهم، لا في أعراضهم ولا في أموالهم ولا في أخلاقهم ولا في أديانهم ومقدساتهم وغير ذلك.

مواجهة الفوضى

والحرية في الإسلام لا تعني الفوضى وارتكاب الموبقات والمنكرات واستباحة محارم الله والانغماس في الشهوات المحرمة، وهو ما أكده محمود عاشور، موضحاً أن الحرية التي تبيح هذه المحظورات فوضى، وتصور خاطئ للحرية، وقد صحح الإسلام هذا التصور الخاطئ وقرر حرية الناس منذ ولادتهم، وأنه لا يجوز استعبادهم كما لا يجوز تقييد حرياتهم، وكل حق لهم يقابله واجب عليهم، ليكون هناك توازن في الحياة، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه النعمان بن بشير، قال سمعت رسول الله يقول: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً».

وعن اعتبار حرية الرأي والتعبير حق فطري، تقول أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الدكتورة آمنه نصير إن التعبير عما في الضمير فطرة فُطِر عليها الإنسان، والأصل أن لكل إنسان أن يقول ويحاور ويناقش ولا يمسكه عن ذلك إلا وازع الدين بأن لا يقول لغوا أو ينطق باطلا، فالأصل في حرية القول هو الصدق في الإخبار، وتتبع الحق واتباعه، فقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ).

ومن منظور إسلامي، ترى أن الحرية بلا قيود ولا ضوابط عقلية وخُلقية ودينية فساد كبير ولا يصلح بها أمر الإنسان والمجتمعات أبدا، فالحكمة تقتضي أن لكل شيء حدوداً وقواعد إذا غابت يُضحي وجود الحرية عبثا، ومن ثم أحكم الإسلام قواعد الحرية للإنسان أفراداً ومجتمعات، بأن جعل إطاراً معقولاً وصحيحاً لحرية الفكر وحرية القول، وحرية العمل، هو عدم الإضرار بالنفس وعدم الإضرار بالآخرين، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الضرر قائلاً: «لا ضرر ولا ضرار»، مشيرة إلى أن حرية التعبير الحق هي التي تحافظ على حقوق الآخرين، وأما التصرفات التي تصدر دون مراعاة حقوق الآخرين فهي الفوضى التي تؤدي إلى اختلال التوازن في موازين الحياة، واحترام الآخر، واحترام حقوقه لا يتأتى إلا من حرية التعبير التي تعتمد مبادئ الأخلاق وآداب الإسلام مما يعني عدم مصادرة آراء الآخرين وإيذائهم.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 23 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,171,191