هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار أبو عمرو الهمداني الشعبي، ولد وعاش في الكوفة، واختلف المؤرخون في تحديد سنة ولادته، فقيل إنه ولد سنة 16 هـ، وقيل سنة 20 هـ، وقال خليفة بن خياط: ولد الشعبي والحسن البصري في سنة 21 هـ، وقال الأصمعي: ولد في سنة 17 هـ، وتنقل بين عدة أقطار لطلب العلم، وتتلمذ على يد أعلام الفقه الإسلامي، وأخذ عن 500 صحابي، حيث تقول أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الدكتورة إلهام شاهين: أدرك الإمام الشعبي كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقى عنهم علوم الفقه والحديث، وكان من بينهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وابن عباس، وابن عمر، وأسامة بن زيد، ومن النساء: عائشة، وأم سلمة، وميمونة، أمهات المؤمنين، وأم هاني، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت قيس، وفي هذا الشأن قال الشعبي: أدركت خمسمئة من الصحابة أو أكثر»، وروى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن مسروق، وعلقمة، والأسود، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، ويحيى بن طلحة، وعمر بن علي بن أبي طالب، وسالم بن عبدالله بن مسعود، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبي بردة بن أبي موسى.
وقال عنه ابن شبرمة: سمعته - أي الشعبي - يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي وقال: لو شئت لأمليتكم شهراً لا أعيد، وقال أبو أسامة: كان عمر في زمانه، وكان بعده ابن عباس، وكان بعده الشعبي وكان بعده الثوري ثم قال الصفدي: وعلى الجملة فكان متسع العلم. وقال الذهبي: كان إماماً حافظاً فقيها متفنناً ثبتاً متقناً، وقال ابن حجر: ثقة مشهود فقيه فاضل. وقال ابن سيرين: قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة والصحابة يومئذ كثير.
أهل الكوفة
وقال الزهري: العلماء أربعة: ابن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام. وعن عاصم بن سليمان، قال: ما رأيت أحداً كان أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي، وكان أبرز مؤلفات الإمام الشعبي كتاب «الكفاية في العبادة والطاعة»، كما كان له تلاميذ صاروا فيما بعد أعلام الفقه الإسلامي، حيث روى عنه الحكم، وحماد، وأبو إسحاق، وداود بن أبي هند، وابن عون وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الأحول، ومكحول الشامي، ومنصور بن عبدالرحمن الغداني، وعطاء بن السائب، ومغيرة بن مقسم .
وحكى الشعبي قائلاً: أرسلني عبدالملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت إليه جعل لا يسأل عن شيء إلا أجبته، وكانت الرسل لا تطيل الإقامة عنده، فحبسني أياماً كثيرة حتى استحثثت خروجي، فلما أردت الانصراف قال لي: أمن أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا، ولكني رجل من العرب في الجملة، فهمس بشيء، فدُفعت إلي رقعة، وقال لي: إذا أديت الرسائل إلى صاحبك فأوصل إليه هذه الرقعة، صقال: فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك وأُنسيت الرقعة، فلما صرت في بعض الدار أريد الخروج تذكرتها، فرجعت وأوصلتها إليه، فلما قرأها قال: أقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك؟ قلت: نعم، وخبرته بسؤالي وجوابي، ثم خرجت من عند عبد الملك، فلما بلغت الباب رددت، فلما مثلت بين يديه قال: أتدري ما في الرقعة؟ قلت: لا، قال: اقرأها، فقرأتها، وإذا فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره، فقلت: والله لو علمت هذا ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك. قال: أفتدري لم كتبها؟ قلت: لا، قال: حسدني عليك وأراد أن يغريني بقتلك؛ قال: فتأدى ذلك إلى ملك الروم فقال: ما أردت إلا ما قال.
مزح للشعبي
ويقال إن الحجاج سأله يوماً، فقال له: كم عطاءك في السنة؟، فقال: ألفين، فقال: ويحك كم عطاؤك؟ فقال: ألفان، فقال: كيف لحنت أولاً؟ قال: لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت، وما يلحن الأمير فأعرب، فاستحسن منه ذلك وأجازه.
وكلم الشعبي عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين في قوم حبسهم ليطلقهم فأبى، فقال له: أيها الأمير، إن حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم، وإن حبستهم بالحق فالعفو يسعهم، فأطلقهم، قيل له من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد وصبر كصبر الحمار وبكور كبكور الغراب. وقال أيضاً: ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل لكان به عالما. ومن كلماته الخالدة: «ما ترك أحد في الدنيا شيئاً لله إلا أعطاه الله في الآخرة ما هو خير له»، «تعايش الناس بالدين زمناً طويلاً حتى ذهب الدين، ثم تعايش الناس بالمروءة زمناً طويلاً حتى ذهبت المروءة، ثم تعايش الناس بالحياء زمناً طويلاً حتى ذهب الحياء، ثم تعايش الناس بالرغبة والرهبة، وأظن أنه سيأتي بعد هذا ما هو أشد منه»، «ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها»، «من زوج كريمته من فاسق، فقد قطع رحمها».
وتوفي الشعبي سنة 103 هــ، ولما علم الحسن البصري بوفاته قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، إن كان لقديم السن، كثير العلم، وإنه لمن الإسلام بمكان.
ساحة النقاش