أحمد شعبان

خلق الله تعالى خلق الناس متفاوتين في الرزق، والمسلم الحق يجب أن يؤمن بأن الآجال والأرزاق مقسومة ومعلومة، فمنهم من وسع عليه رزقه، ومنهم المتوسط، ومنهم من ضيق عليه، وذلك لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، حيث أوضح علماء الدين أنه ربما كان الغنى شراً والإنسان لا يدري وكان الفقر أصلح لحاله وأدعى لاستقامته والتزامه بشرع الله، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة».

حول تقسيم الأرزاق ونظام خلق الله لعباده، يقول أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الدكتور شعبان محمد إسماعيل «إن الفقر ربما كان أصلح لحال العبد وأدعى لاستقامته على الجادة والتزامه بشرع الله تعالى»، كما في قوله: (إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا)، «سورة الإسراء الآية 30»، والمتأمل في ختام هذه الآية الكريمة: (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) يدرك الحكمة الإلهية التي ينبغي للمسلم أن يسلم بها لأنه سبحانه وتعالى أعلم بحال عباده وما يصلح شأنهم فهو الحكيم العليم وهو اللطيف الخبير وكذلك المتأمل لقوله تعالى: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير)، «سورة الشورى الآية 27»، فقد أختتمت بنفس ختام الآية السابقة فالمسلم الحقيقي يرضى بما يقسمه الله له بعد أن يسعى بقدر طاعته في اكتساب رزقه من الطرق المشروعة، ثم يوقن بعد ذلك بأن ما يفعله الله تعالى هو الخير، وأن الغنى ليس بكثرة المال وإنما في الرضا والقناعة.

الكبر والخيلاء

 

وأشار إلى الحديث القدسي الذي ورد عن الله عز وجل حيث قال: «إن من عبادي كمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي كمن لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه»، وسئل نبي الله عيسى عليه السلام عن المال، فقال: لا خير فيه قيل ولم يا نبي الله؟ قال: لأنه يجمع من غير حل قيل فإن جمع من حل؟ قال: لا يؤدى حقه قيل: فإن أدى حقه؟ قال: لا يسلم صاحبه من الكبر والخيلاء قيل: فإن سلم؟ قال: يشغله عن ذكر الله قيل: فإن لم يشغله؟ قال: يطيل عليه الحساب يوم القيامة»، فتأملوا هذه العقبات الخمس وقليل من يتجاوزها سالماً، وذلك لأن الأغنياء يحاسبون على أموالهم من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها، ولذلك يجب على المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بالدعاء بأن يرزقه الحلال الطيب وأن يرضيه بما رزقه وأن يجنبه الزلل.

 

كتاب الرزق

وحول حدود الرزق، أوضح أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر الدكتور السيد أبو الحمايل أن الله تعالى حدد الرزق للإنسان وكتب الآجال والأرزاق، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء»، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسم الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد». وأضاف: الإنسان ينال ما كتبه الله له من الرزق لقوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين)، «سورة هود الآية 6»، وقوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون* فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)، «سورة الذاريات الآيتان 22 - 23»، وما كتب للإنسان من رزق وأجل لا بد أن يستكمله قبل أن يموت لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت».

وعن طبيعة السعي إلى الرزق، لفت إلى أن المسلم الحق يجب أن يؤمن بأن الآجال والأرزاق مقسومة ومعلومة لا يجلبهما حرص حريص ولا يردهما كراهية كاره وأن هذا لا يمنع فعل الأسباب التي شرع الله لعباده الأخذ بها وأن يسعى الإنسان في طلب الرزق الحلال وأن يجتنب المكسب الحرام والأسباب المؤدية إليه ولا يطلب الرزق بجشع وحرص وليستحضر قوله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له».

الاستقامة

وحول الأسباب التي تستجلب بها الأرزاق يقول أستاذ التفسير بجامعة الأزهر الدكتور عبد الفتاح عاشور: من بين هذه الأسباب التوكل على الله تعالى لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً»، والاستقامة على شرع الله عز وجل قال تعالى: (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)، «سورة الجن الآية 16»، وقوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب)، «سورة الطلاق الآيتان 2-3»، وقوله تعالى: (ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)، «سورة الأعراف الآية 96»، والمتابعة بين الحج والعمرة قال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب».

غلبة الدين

ونبه إلى أهمية أن يسعى المسلم في طلب الرزق ولا يتكاسل ولا ييأس من رحمة الله في طلب الرزق حتى يرزقه الله تعالى من حيث لا يعلم ويسد عنه دينه ويذهب عنه همه، حيث دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فرأى فيه رجلا من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة»، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟».

قلت: بلى يا رسول الله قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 96 مشاهدة
نشرت فى 23 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,707