يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، «سورة لقمان، الآية 14».

ذكر الشيخ الصابوني في كتابه صفوة التفاسير في تفسير الآية السابقة: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ) أي أمرناه بالإحسان إليهما لا سيما الوالدة (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) أي حملته جنيناً في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف، من حين الحمل إلى حين الولادة، لأن الحمل كلما ازداد وعظم، ازدادت به ثقلاً وضعفاً (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) أي وفطامه في تمام عامين (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) أي وقلنا له: اشكر ربك على نعمة الإيمان والإحسان، واشكر والديك على نعمة التربية (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي إِلىَّ المرجع والمآب فأجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، قال ابن جزي: وقوله (أَنِ اشْكُرْ) تفسيرٌ للوصية، واعترض بينها وبين تفسيرها بقوله (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) ليبيّن ما تكابده الأم بالولد مما يوجب عظيم حقها، ولذلك كان حقهما أعظم من حق الأب»، (صفوة التفاسير للصابوني 2/491-492).

إن الإحسان إلى الوالدين من أفضل القربات، فقد أوجب ديننا الإسلامي برّ الوالدين والإحسان إليهما في حياتهما وبعد مماتهما، فالإحسان إلى الوالدين هو وصية الله سبحانه وتعالى لعباده، كما في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ)، «سورة العنكبوت، الآية 8»، كما جعل سبحانه وتعالى الإحسان إليهما بعد الأمر بعبادته وحده لا شريك له، كما في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، «سورة الإسراء، الآية 23»، كما قرن سبحانه وتعالى شكر الوالدين بشكره، فقال سبحانه وتعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، «سورة لقمان، الآية 14».

 

فضل بر الوالدين

 

برُّ الوالدين له فضل عظيم، وأجر كبير عند الله سبحانه وتعالى، فقد جاء الأمر الإلهي بطاعتهما بعد الأمر بعبادته سبحانه وتعالى، في أكثر من موضع في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

إن برَّ الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الأعمال وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، كما رُوي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاةُ على وقتها»، قلتُ: ثم أي؟ قال: «برُّ الوالدين»، قلتُ: ثم أي؟ قال: «الجهادُ في سبيل الله»، (متفق عليه).

لذلك يجب على الأبناء أن يحرصوا على برِّ الوالدين ورعايتهم وأداء الحقوق إليهم، كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: أقبلَ رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أُبايعُك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجرَ من الله تعالى، فقال: «فهل مِنْ والديك أحدٌ حَيٌّ؟ «قال: نعمْ بل كلاهما، قال: «فتبتغي الأجرَ من الله تعالى؟»، قال: نعم، قال «فارجع إلى والديك، فأحسنْ صُحْبتهما»، (متفق عليه)، وفي ورواية: «جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أَحَيٌّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»، (متفق عليه).

ومن برّ الوالدين ما اختص به الوالد، فجعل بره سبيلاً إلى أوسط أبواب الجنة، كما جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فاحفظ وإن شئت فضيِّع»، (أخرجه الترمذي)، ومن البرِّ ما اختصت به الوالدة، فجعلها أحق الناس بحسن الصحبة وكريم الرعاية، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: مَنْ أحقُّ الناس بحُسْن صحابتي قال: «أُمُّك»، قال: ثمَّ مَنْ؟ قال: «أُمُّك»، قال: ثمَّ مَنْ؟ قال: «أُمُّك»، قال: ثمَّ مَنْ؟ قال: «أَبُوك»، (متفق عليه)، كما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنة تحت رجليها، كما جاء في الحديث عن معاوية بن جاهمة؛ (أن جاهمة) جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: «يا رسول الله، أردتُ الغزوَ وجئْتُك أستشيرك؟، فقال: «هَلْ لَكَ من أم»؟، قال: نعم، فقال: «الْزَمْهاَ، فإنَّ الجنةَ عند رِجْلِهَا»، (أخرجه أحمد).

عقوق الوالدين

حذَّرت شريعتنا الغراء من عقوق الوالدين، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما، وفعل ما لا يرضيهما، لأن ذلك من أكبر الكبائر لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر؟» (ثلاثاً)، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدين...»، (أخرجه البخاري). ومن العقوق أن تجلب اللعنة لوالديك لأن ذلك من كبائر الذنوب، كما جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «من الكبائر شتمُ الرجل والديه!»، قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: «نعم، يسبّ أبا الرجل، فيسبّ أباه، ويسبّ أمه، فيسبّ أمه»، (متفق عليه)، وفي رواية: «إنَّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!»، قيل: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: «يسبّ أبا الرجل، فيسبّ أباه، ويسبّ أمه، فيسب أمه»، (متفق عليه).

ومن أروع ما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف أنه حرّم عقوق الوالدين حتى ولو كانا مشركين كافرين، لما ورد في الحديث عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قالت: (قَدِمَتْ عليَّ أُمّي وهي مُشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فاستَفْتَيْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قلتُ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي راغبة - أي: طامعة فيما عندي تسألني شيئاً - أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قال: «نعم صِلي أُمَّكِ»، (أخرجه الشيخان).

توجيهات للأبناء

بهذه المناسبة فإننا نُذكِّر أبناءنا الكرام بضرورة الالتزام بشرع الله سبحانه وتعالى، ليكونوا من السعداء في الدنيا والفائزين في الآخرة إن شاء الله، وعليهم اتباع النصائح التالية:

◆ خاطب والديك بأدب وتواضع لهما، كما قال تعالى: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، «سورة الإسراء الآية 23-24».

◆ أَطِعْ والديك دائماً في غير معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بي مَا لَيْسَ لَكَ بهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، «سورة لقمان، الآية 15».

الدكتور يوسف جمعة سلامة

خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 67 مشاهدة
نشرت فى 23 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,180,327