أحمد محمد - «الصبور» سبحانه لا يعاجل العصاة بالنقمة، بل يعفو أو يؤخر، يقابل الجفاء بالعطاء، يسقط العقوبة بعد وجوبها، يلهم الصبر لجميع خلقه، وصبر الله تعالى مع كمال علم وقدرة وعظمة وعزة، والصبور وحده سبحانه القادر على أن يصبر على من يؤذيه ويكفر وعلى تعذيب أنبيائه وأوليائه، يحب الصابرين ويجزيهم بغير حساب، وهذا هو عين الصبر والصفح الجميل من الله.
فالله تعالى لا يأخذ الإنسان بذنبه مباشرة، ولكنه يعطيه الفرصة للتوبة، وهذا دليل على رحمة الله، لأنه عز وجل إذا عاقب كل إنسان على ذنبه لاستحق الجميع العقوبة، لأن البشر من طباعهم التقصير والمعصية.
السنة
واسم الصبور لم يرد في القرآن الكريم وإن ثبت في السنة، ولكن وردت دلالاته كثيراً في الكتاب العظيم، فالصبور هو الذي لا يعجل بالعقوبة لمن عصاه، فهو يمهل ولا يهمل، وقد وردت آيات كثيرة جداً تتحدث عن مدلول هذا الاسم، قال تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا)، «فاطر، 45»، وقوله: (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى)، «طه 129»، وقال تعالى: (ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب)، «الرعد، 32»، وقوله: (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا)، «الكهف، 58».
قال ابن القيم: «أشكل هذا الاسم على كثير من العلماء، وقالوا لم يأت في القرآن، فأعرضوا عن الاشتغال به صفحاً، ثم اشتغلوا بالكلام في صبر العبد وأقسامه، ولو أنهم أعطوا هذا الاسم حقه لعلموا أن الرب أحق به من جميع الخلق، كما هو أحق باسم العليم والرحيم والقدير والسميع والبصير والحي وسائر أسمائه الحسنى، من المخلوقين، وأن التفاوت الذي بين صبره سبحانه وصبرهم كالتفاوت الذي بين حياته وحياتهم، وعلمه وعلمهم، وسمعه وأسماعهم، وكذا سائر صفاته، أما الصبر، فقد أطلقه عليه أعرف الخلق به وأعظمهم تنزيهاً له بصيغة المبالغة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله عز وجل يدعون له ولدا وهو يعافيهم ويرزقهم»».
وقال السعدي، الصبر الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله، لا مثيل له من الصبر، فهو صبر في كمال قوة وحكمة وحلم وعظيم القدرة والبطش، في مقابلة غاية الإساءة والأذية من الخلق، الذين نواصيهم بيد الله، وليس لهم خروج عن قدرته، وأقواتهم وأرزاقهم وجميع ضروراتهم وحاجاتهم متعلقة بالله، ليس لشيء منها حصول إلا من جوده وخزائنه، ومع ذلك، فهو يعافيهم ويرزقهم، ولا يقطع عنهم بر في جميع اللحظات، ومع ذلك يفتح لهم أبواب التوبة، ويسهل لهم طريقها، ويدعوهم إليها، ويخبرهم أنهم إن تابوا محا عنهم الخطايا العظيمة، وأدر عليهم النعم الجسيمة، فسبحان الحليم الصبور.
مدلول الصبور
وقال ابن تيميه: «وكل الذين يؤذون الله ورسوله هو الذي مكنهم، وصبر على أذاهم بحكمته، فلم يفتقر إلى غيره، ولم يخرج شيء عن مشيئته، ولم يفعل أحد ما لا يريد.
وتأخير العقوبة هو مدلول اسم الصبور، وتعني الآيات أنه كان لزاماً أن ينزل الله بالعصاة أشد العقاب، وأن ينهيهم ويبيدهم، ولكن كلمة سبقت من الله عز وجل هي التي تجعل العقوبة متأخرة، هذه الكلمة هي «إن رحمتي سبقت غضبي»، كأن الله عز وجل يعطي الناس فرصة ليتوبوا، وليرجعوا وينيبوا ليصححوا ويستغفروا، فتأخير العقاب مدلول اسم الصبور.
والصبور يملي ويمهل، وينظر ولا يعجل ولا يعاجل، ولا يسارع إلى الفعل قبل أوانه، وينزل الأمر بقدر معلوم، ولا يؤخره عن أجله.
وأما صبره سبحانه، فمتعلق بكفر العباد وشركهم وأنواع معاصيهم وفجورهم، فلا يؤدي ذلك كله إلى تعجيل العقوبة، بل يصبر على عبده ويمهله ويستصلحه ويرفق به ويحلم عنه حتى إذا لم يبق فيه موضع للصنيعة ولا يصلح على الإمهال والرفق والحلم، ولا ينيب إلى ربه ويدخل عليه، لا من باب الإحسان والنعم ولا من باب البلاء والنقم، أخذه أخذ عزيز مقتدر بعد غاية الأعذار إليه وبذل النصيحة له ودعائه إليه من كل باب.
ساحة النقاش