الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:-

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، «سورة لقمان، آية 17».

من المعلوم أن الصَّلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين لقوله - عليه الصلاة والسلام-: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»، (أخرجه الشيخان)، فالصلاة من أهم أركان الدين، لذلك فمن أوجب واجبات (رب الأسرة) أن يأمر أبناءه وأهل بيته بالصلاة خاصة، وبطاعة الله بصفة عامة لقوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصَّلاةِ وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، «سورة طه، آية 132»، وقد جاء في تفسير هذه الآية: (أي وأمر يا محمد أهلك وأمتك بالصلاة، واصبر أنت على أدائها بخشوعها وآدابها)، «صفوة التفاسير للصابوني 2/252»، وكلمة اصطبر أقوى في مدلولها من اصبر، لأن اصطبر تفيد الصبر مع الصبر فهي صيغة من صيغ التأكيد، والرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»، (أخرجه الشيخان)، ويقول: «مُرُوا صبيانكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع»، (أخرجه الدارقطني).

 

وقد ورد في كتب السيرة والحديث أن الابن يمسك بأبيه يوم القيامة طالباً من الله محاسبته، لأنه لم يأمره بطاعته سبحانه وتعالى، لذلك جاء الخطاب القرآني للمؤمنين بقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة)، «سورة التحريم، آية 6»، وجميل ما نراه في هذه الأيام من بعض الآباء الذين يصطحبون أبناءهم إلى بيوت الله.

 

أهمية الصَّلاة

الصَّلاة صلة بين العبد وربه، صلة بين العبد الضعيف، وبين الإله القوي، صلة بين العبد الفقير، وبين الربِّ الغني (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، «سورة الفاتحة آية 5»، صلة يستمد منها القلب قوة، وتحس فيها الروح طمأنينة، وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد؛ لذلك كان الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام - إذا اشتدت به الأمور لجأ إلى الصَّلاة، وكان يخاطب مؤذنه قائلاً: «أرحنا بها يا بلال»، (أخرجه الإمام أحمد).

◆ والصلاة عمود الدين، كما جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصَّلاة»، (أخرجه الإمام أحمد).

◆ وهي أول فريضة فرضها الله على العباد بعد التوحيد، وكانت هدية السماء إلى الأرض في ليلة الإسراء والمعراج «فُرِضت الصَّلاة على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمساً، ثم نودي يا محمد: إنه لا يُبَدَّل القول لديَّ، وإن لك بهذه الخمس خمسين»، (أخرجه الترمذي).

◆ وهي آخرُ وصية وَصَّى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته عند مفارقته الدنيا حين حضرته الوفاة: «الصَّلاة وما ملكت أيمانكم»، (أخرجه ابن ماجه) أي احرصوا على الصَّلاة والزموها ولا تُفرِّطوا فيها.

◆ وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوُّع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك»، (أخرجه الترمذي).

◆ وهي أكبر عون للعبد على أمور دينه ودنياه قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابرِينَ)، «سورة البقرة آية 153»، فبمداومة العبد على الصَّلاة تقوى رغبته في الخير، وتسهل عليه الطاعات، وتهون عليه المشاق، وتسهل عليه المصائب، وييسر الله له أموره، ويبارك له في ماله وأعماله.

فضل الصَّلاة

ومن المعلوم أن فضل الصلاة عظيم وخيرها كثير، وإقامتها من أكبر علامات الإيمان، وأعظم شعائر الدين، وأظهر آيات الشكر لله على نعمه التي لا تُحصى.

◆ وبالصلاة يمحو الله الخطايا لقوله - عليه الصلاة والسلام-: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، فذلكم الرباط»، (أخرجه مسلم)، ولقوله - عليه الصلاة والسلام-: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»، (أخرجه مسلم).

أثر الصلاة على الفرد والمجتمع

للصلاة آثار عديدة على الفرد والمجتمع منها:

◆ أنَّ الصَّلاة تغرس في الإنسان معنى الطاعة والعبودية لله عز وجل في جميع الأحوال، لأن المُصَلِّي يأخذ جرعات إيمانية خمس مرات في اليوم والليلة، فتظل صلته بالله مستمرة.

◆ كما أن في الصَّلاة راحة نفسية، وطمأنينة روحية لقوله - عليه الصلاة والسلام-: «حُبِّبَ إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وَجُعِلت قرة عيني في الصَّلاة»، (أخرجه الإمام أحمد)، فالمؤمن يناجي ربه ويستمدُّ منه القوة.

◆ ومن آثار الصَّلاة أنها تدفعنا إلى الطهارة والنظافة لأنه لا صلاة بغير وضوء، والمسلم لا يَصِلُ إلى القرب من الله إلاّ إذا تطهر من الرذائل وسائر الصفات السيئة، والصلاة مدرسة خُلُقية تأمر بكلِّ خُلُق طيب وتنهى عن الرذائل والمنكر (وَأَقِمِ الصَّلاة إِنَّ الصَّلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر)، «سورة العنكبوت آية 45».

عقوبة تارك الصَّلاة

عقوبة تارك الصلاة وخيمة لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)، «سورة مريم آية 59»، وقوله سبحانه وتعالى أيضاً: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)، «سورة غافر آية 60»، كما حذر- صلى الله عليه وسلم - من تركها فقال - عليه الصلاة والسلام-: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصَّلاة»، (أخرجه مسلم)، وقال - عليه الصلاة والسلام-: «عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أُسِّسَ الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم، شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان»، (أخرجه أبو يعلى).

الدكتور يوسف جمعة سلامة

خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 119 مشاهدة
نشرت فى 16 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,705