أحمد محمد (القاهرة) - يحفظ الله خلقه وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات، ولطف بهم في الحركات والسكنات، وأحصى على العباد أعمالهم حفيظ لمخلوقاته وكل الموجودات. و«الحفيظ» من أسمائه الحسنى ويدور معناه على العلم والإحاطة، والصيانة والرعاية، وورد كثيرا في القرآن الكريم كما في قوله تعالى
: «وربك على كل شيء حفيظ « «سبأ:21»، وقال: «والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل» «الشورى:6»، وقوله: «وكنا لهم حافظين» «الأنبياء:82»، وعلى لسان هود عليه السلام لقومه: «فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ» «هود:57».
الفاعل الحافظ
والحفيظ في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الحافظ، و«الحفيظ» هو الموكل بالشيء يحفظه، ومن ذلك الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى: «له معقبات من بين يديه ومن خلفه» «الرعد:11».
قال الخطابي والله الحفيظ يحفظ السماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائها، فلا تزول ولا تندثر، وهو الذي يحفظ عبده من المهالك والمعاطب ويقيه مصارع السوء، ويحفظ على الخلق أعمالهم ويحصي عليهم أقوالهم، ويعلم نياتهم وما تكن صدورهم، ولا تغيب عنه غائبة ولا تخفى عليه خافية، يحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم عن مكايدة الشيطان، ليسلموا من شره وفتنته.
والحفيظ سبحانه وتعالى هو العليم والمهيمن، لا تغيب عنه لا شاردة ولا واردة مثقال ذرة في ملكه الرقيب على خلقه وهذا الاسم من أقرب الأسماء الحسنى للمؤمن والله يحفظ للإنسان صحته وماله، وأهله وإيمانه ويحفظ أعمال المكلفين، من حركات وسكنات ويحفظ على عباده أسماعهم وأبصارهم وجلودهم.
ويحفظ من يشاء من الشر والأذى والبلاء، يحفظ أهل الإيمان والتوحيد ويعصمهم من الهوى وشبهات الشيطان ويحول بين المرء وقلبه من الوقوع بالعصيان ويهيء الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة والإيمان.
حفظ الضعفاء
وقد ثبت من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك». ويحفظ الله المؤمنين المتقين من كيد الحاقدين الكافرين، ومن تربص الخائنين المنافقين، «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا» «النساء:141» وحفظ الضعفاء من الأقوياء، والأخيار من الأشرار، والأتقياء من الفجار، والنبات من الحشرات وسائر الآفات، والأجساد من الأمراض الفاتكات. وحفظ القرآن العظيم من كل تبديل وتغيير وتحريف، وصانه عن كل تأخير وتقديم وتصحيف، «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» «الحجر:9»
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله إن الحفظ الإلهي على وجهين، الوجه الأول إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها، الشيء الموجود يعني محفوظا، والحفظ يعني البقاء، والله عز وجل أبقى الشمس شمسا، والقمر قمرا، والنجوم نجوما، وأبقى الماء ماء، والهواء هواء، والمعادن معادن وأعطاها خواصها الثابتة.
حفظ أوليائه وأصفيائه
فما من شيء، وما من حركة أو سكنة إلا وهي محفوظة عند الله تعالى، قال عز وجل: «وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر» «القمر52و53». وحفظ الله لعباده نوعان حفظ عام لجميع مخلوقاته، إنسها وجنها، حيها وجامدها، مؤمنها وكافرها، برها وفاجرها.
وحفظ خاص بأوليائه وأصفيائه يحفظهم عما يضر إيمانهم، أو يزلزل يقينهم من فتن الشبهات أو الشهوات، ومن كيد أعداء الجن والإنس.
ومن سعة رحمته تعالى أنه يشملهم حفظه لهم إلى يوم خروجهم من هذه الدنيا: «يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل اهله ما يشاء» «إبراهيم:27» ويبقى حفظه لهم إلى يوم لقائه: «لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون» «الأنبياء:103». لذلك ثبت عن السلف قولان في تفسير الحفيظ الأول الرقيب، قاله ابن عباس رضي الله عنه، وهذا يقتضي حفظ العباد والثّاني المحاسب، قاله السدي وابن قتيبة، وهذا يقتضي حفظ الأعمال والأقوال.
ساحة النقاش