كان الإمام إبراهيم الحربي إماماً في العلم، ورأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث، وكان تلميذاً للإمام أحمد بن حنبل، ومنه أخذ الفقه والزهد والورع. يقول أحد علماء الأزهر الداعية الإسلامي الدكتور منصور مندور: هو إبراهيم بن اسحق بن إبراهيم بن بشر بن عبدالله بن ديسم الحربي، ولد سنة 198 هجرية، تتلمذ على يد عدد كبير من العلماء والأئمة من بينهم الإمام أحمد بن حنبل وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم، وعبدالله بن صالح العجلي، والإمام أحمد، وروى عنه أبو بكر بن أبي داود وأبو بكر الأنباري، وأبو بكر النجاد، وأبو عمر الزاهد.

درس في الزهد

ويقول الحربي عن حياته: ما شكوت إلى أمي ولا إلى أختي ولا إلى امرأتي، ولا إلى بناتي حُمّى قط وجدتها. الرجل هو الذي يدخل غمه على نفسه، ولا يغم عياله، وكان بي شقيقة خمساً وأربعين سنة، ما أخبرت بها أحداً قط، ولي عشرون سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحدا قط. وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعاً عطشاً إلى الليلة الثانية، وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني به امرأتي أو إحدى بناتي أكلته، وإلا بقيت جائعاً عطشاً إلى الليلة الأخرى، والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة، إن كان بَرْنياً، أو نيفاً وعشرين إن كان دَقَلاً، ومرضت ابنتي فمضت امرأتي، فأقامت عندها شهراً، فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف، ودخلت الحمام واشتريت لهم صابوناً بدانقين فقامت نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف.

 

وقال أبو عثمان الرازي عن زهد الحربي: جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد، يسأله عن أمير المؤمنين أن يفرق ذلك، فرده، فانصرف الرسول، ثم عاد، فقال: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك، فقال: عافاك الله، هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه، فلا نشغلها بتفرقته، قل لأمير المؤمنين: إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك.

 

وقال أبو القاسم بن الختلى: اعتل إبراهيم الحربي علة أشرف فيها على الموت، فدخلت عليه يوماً. فقال لي: يا أبا القاسم، أنا في أمر عظيم مع ابنتي. ثم قال لها: قومي اخرجي إلى عمك، فخرجت. فألقت على وجهها خمارها، فقال لها إبراهيم: هذا عمك كلميه. فقالت لي: نحن في أمر عظيم، لا في الدنيا ولا في الآخرة: الشهر والدهر ما لنا طعام إلا كسراً يابسة وملحاً، وربما عدمنا الملح. وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر ألف دينار، فلم يأخذها. ووجه إليه فلاناً وفلان فلم يأخذ منهما شيئاً، وهو عليل. فالتفت الحربي إليها وتبسم، وقال: يا بنية، إنما خفت الفقر؟ قالت: نعم. قال لها: انظري إلى تلك الزاوية، فنظرت، إذا كُتب، فقال: هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب، كتبته بخطي، إذا مت فوجهي في كل يوم بجزء تبيعينه بدرهم. فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم ليس بفقير.

كتب

وصنف الحربي كتباً كثيرة، منها: غريب الحديث، وكتاب الحمام، وسجود القرآن، وذم الغيبة، والنهي عن الكذب، والمناسك، وكتاب اتباع الأموات، وكتاب إكرام الضيف، وكتاب الأدب، وكتاب التميم، وكتاب القضاة والشهود، وكتاب المغازي، وكتاب الهدايا والسنة فيها، وله سبعة وعشرون مسنداً من كبار الصحابة.

وتتلمذ على يد الإمام إبراهيم الحربي عدد من كبار العلماء والأئمة والمحدثين منهم أبو محمد بن صاعد، وأبو عمر بن السماك، وأبو بكر النجاد، وأبو بكر الشافعي، وعمر بن جعفر الختلي، وأبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، وعبد الرحمن بن العباس والد المخلص، وسليمان بن إسحاق الجلاب، ومحمد بن مخلد العطار، وجعفر الخلدي، ومحمد بن جعفر الأنباري، وأبو بحر محمد بن الحسن البربهاري.

الأدب والحديث

وأشاد العلماء بفقه وورع الحربي، فقال عنه ثعلب: ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحو أو لغة خمسين سنة، وقال عنه عبدالله بن أحمد بن حنبل: كان أبى يقول أمض إلى إبراهيم الحربي حتى يلقي عليك الفرائض. وقال محمد بن صالح القاضي: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب والحديث والفقه والزهد. وقال الدارقطني: أبو إسحاق الحربي إمام مصنف عالم بكل شيء بارع في كل علم وصدوق. ذكر أبو عبدالرحمن السلمي أنه سأل الدارقطني عن إبراهيم الحربي، فقال: كان إماماً وكان يقاس بأحمد بن حنبل في علمه وزهده وورعه، وكان الحربي يقول عن نفسه: ما أخذت على علم قط أجراً ولا مرة واحدة، فإني وقفت على باب بقال: فوزنت له قيراطاً إلا فلساً، فسألني عن مسألة فأجبته، فقال للغلام: أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئاً فزادني فلساً.

ومات الحربي سنة 285 هجرية، وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي في شارع باب الأنبار، وكان الجمع كثيراً جداً، وكان يوماً في عقب مطر ووحل ودفن في بيته.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 154 مشاهدة
نشرت فى 9 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,406