رفع الإسلام من شأن المرأة، وساوى بينها وبين الرجل في كثير من الأحكام، حيث أوضح عدد من علماء المسلمين أنها مأمورة مثله بالإيمان والطاعة، ومساوية له في جزاء الآخرة، ولها حق التعبير، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتدعو إلى الله، ولها حق التملك، تبيع وتشتري، وترث، وتتصدق وتهب، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها، ولها حق الحياة الكريمة، لا يُعتدى عليها، ولا تُظلم ولها ذمتها المالية المستقلة.
أحمد مراد (القاهرة) - من يقارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى حتى الحديثة يعلم حقيقة مكانة المرأة في الإسلام، حيث لم تكرم تكريماً أعظم مما كرمت به في الإسلام، ووفقاً ما أوضحته الباحثة الإسلامية الدكتورة خديجة النبراوي صاحبة أول موسوعة لأصول الفكر السياسي والاجتماعي في الإسلام، أن الإسلام الحنيف أول من أرسى حقوق المرأة المادية والمعنوية معاً، والتي تمثل واجبات الرجل نحوها، وذلك في توازن عجيب يحقق للمرأة كمخلوق عاطفي كل ما تصبو إليه من حب وعطف ورعاية، كما أوجب الإسلام على المجتمع ككل وأولى الأمر حقوقاً للمرأة تتمثل في الرعاية الاجتماعية والاقتصادية والعاطفية أيضاً، وهي حقوق لا يوجد لها مثيل في أي قانون في العالم، بحيث لو اطلعت عليها نساء العالم لحسدن المرأة المسلمة على ما تتمتع به من حقوق كفلها لها الإسلام.
مكانة مرموقة
وعن طريق تعامل الإسلام مع المرأة، تقول الدكتورة خديجة: ما أدل على مكانة المرأة المرموقة في الإسلام من رقة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع النساء، حيث كان رفيقاً بهن، معتنياً بأحوالهن، فلم يكن للمرأة وضع في الجاهلية ولكن محمداً، صلى الله عليه وسلم، بدا أصيلاً في صحبته لزوجاته ومعاملتهن بحب وبعاطفة، وكان لعائشة رضي الله عنها مكانة دينية كبيرة، فقد اعتمد عليها النبي، صلى الله عليه وسلم، في علاج بعض الأمور، خاصة ما يتعلق بشؤون النساء المسلمات، وعندما كان يغيب عن المدينة كان يطلب من المسلمين استشارة عائشة في حالة وجود مشاكل دينية، وقد أصبحت بعد موته مرجعاً مهماً عن حياة النبي، وأعماله، وممارساته الدينية، وقد نُسب إليها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث نبوية.
حفظ الحقوق
وتضيف: الإسلام منح المرأة مكانة مرموقة في المجتمع، وصان كرامتها وحقوقها، فأخرجها من ظلم الجاهلية التي كان أهلها لا يحترمون المرأة، ولا يراعون حقوقها، بل ويعتبرونها سلعة أو مملوكة للرجل، فجاء الإسلام بتعاليم واضحة تحفظ حق المرأة وتصون كرامتها وتحدد واجباتها وما لها في الميراث وفي أحكام الزواج والحقوق المدنية والاجتماعية، كما أعطى الإسلام المرأة الحق في إدارة أعمالها وأموالها، وحفظ له حقها في التملك ومنحها حق التعلم. كما وضح واجب المرأة كأم وزوجة، بحيث لا يتعارض نشاطها أو أعمالها مع القيام بدورها الأساسي في الحياة، وهو التربية وتنشئة الأجيال الصالحة.
وبخصوص حقوق المرأة، تشير إلى أن وضع المرأة الآن في معظم مجالاتها ليس الوضع الأمثل الذي يريده الإسلام، فالإسلام أعطى المرأة حقوقها بالكامل، ورفع من شأنها بشكل كبير جداً، وركز على بيان أهم وظائف المرأة وهي تربية الأجيال، إضافة إلى حقوقها الأخرى المشروعة مثل الحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية وما أشبه ذلك، ولكن إلى الآن لم نصل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى الوضع الأمثل والمناسب للمرأة.
مساندة الشريعة
أما الداعية الإسلامية الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فأشارت إلى أنه لا توجد شريعة من الشرائع وقفت ضد ظلم المرأة مثلما وقفت الشريعة الإسلامية، وتاريخ المرأة في الإسلام يشهد بذلك، وحينما نلاحظ الآيات القرآنية التي وردت بشأن تنظيم شؤون الأسرة المسلمة، وتحديد شكل العلاقة بين الرجل والمرأة، وإقرار حقوق الزوجات نجد أنها جاءت مقرونة بتحذير الزوج من ظلم زوجته، فلم ترد آية من هذه الآيات إلا وكانت نهايتها قول الله تعالى “تلك حدود الله”، أو قوله تعالى “اتقوا الله”، كما حثت السنة النبوية الرجال على مراعاة زوجاتهم وحسن معاشرتهن، فقد سأل أحد الصحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما حق زوجتي عليّ يا رسول الله؟.. فقال رسول الله: “ان تطعمها مما طعمت وأن تكسوها مما اكتسيت وألا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت”، وذلك تنفيذاً لدعوة القرآن الكريم “وعاشروهن بالمعروف”. كما أن القرآن الكريم منح المرأة الحقوق الإنسانية نفسها التي منحها للرجل، فقال الله تعالى “ولهن مثل الذي عليهن”، والمثلية هنا لا تعني أن المرأة تقوم بمثل الدور الذي يقوم به الرجل، ولكن المثلية هنا تعني المثلية في المشاعر الإنسانية؛ ولذلك يقول عبدالله بن عباس في تفسيره لهذه الآية: إنني لأتزين لزوجتي كما تتزين هي لي، وما أحب أن استنزف كل حق لي عليها حتى لا تستنزف هي كل حق لها عليّ.
وحول العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام، فقالت إنها علاقة تكاملية متعاقبة الأدوار، فالرجل يعمل ويكدح ويشقي من أجل أن ينفق على أسرته وزوجته، ثم يأتي إلى البيت ليجد السكن والمودة والرحمة التي تخفف عنه هذا الشقاء، وهذا هو دور المرأة الذي لا يقل شأناً عن دور الرجل. وفيما يتعلق بقوامة الرجل على المرأة فإنما المقصود منها هي قيادة الرجل للأسرة حتى تنتظم أمورها وشؤونها باعتبارها المجتمع الصغير الذي يقوم على أساسه المجتمع الكبير، وقد جاءت قوامة الرجل على المرأة بعد أن خلقه الله تعالى على خصائص تمكنه من القيام بمسؤوليات وواجبات هذه القوامة لقيادة شئون الأسرة وتيسير أمورها فقال الله تعالى: “الرجال قوامون على النساء”، والقوام من القيام، ولم يقل الله تعالى “قائمون” والتي تعني مستبدين ومسيطرين، ولكنه قال “قوامون” أي من قيامهم بمسؤولية رعاية الأسرة، ومن ثم فإن القوامة ليست استبداداً بالمرأة أو تحكماً في شؤونها، وقبل أن يضع الإسلام القوامة في يد الرجل، وضع أسس للتعامل بين الزوج والزوجة داخل البيت تقوم على التشاور والتناصح والمعاشرة بالمعروف وعدم الضرر بالمرأة.
تكريم
ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: لقد كرم الإسلام المرأة تكريماً عظيماً، حيث كرمها باعتبارها “أما” يجب برها وطاعتها والإحسان إليها، وجعل رضاها من رضا الله تعالى، وأخبر أن الجنة عند قدميها، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف، وجعل حقها أعظم من حق الوالد، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: “وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً”، وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة، ما دام قادراً مستطيعاً.
ويضيف الدكتور كريمة: وكرم الإسلام المرأة زوجةً، فأوصى بها الأزواج خيراً، وأمر بالإحسان في عشرتها، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج، إلا أنه يزيد عليها درجة، لمسؤوليته في الإنفاق والقيام على شؤون الأسرة، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملاً مع زوجته، وحرم أخذ مالها بغير رضاها، ومن ذلك قوله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”.
ساحة النقاش