عمرو أبوالفضل (القاهرة)- كان التيجاني في طليعة الرحالة العرب والمسلمين الذين جابوا العالم، واشتهر بيقظة الملاحظة، وعمق الإدراك، وبراعة التعبير عن كل ما صادفه في البلاد التي رحل إليها، ونسبت إليه أقدم رحلة في بلاد أفريقيا.

ويقول الدكتور أحمد فؤاد باشا المفكر الإسلامى : ولد أبو محمد عبدالله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبو القاسم التيجاني، في مدينة تونس، واختلف في سنة مولده ورجحت المصادر التاريخية انها ما بين عامي 670-675 هـ، وقيل إن أسرته هبطت المدينة في جيش الموحدين في أواسط القرن السادس للهجرة.

حفظ القرآن

 

وأضاف: نشأ في بيت علم وأدب، فقد كان جده ووالده وأعمامه وأبناء عمومته من الأدباء والعلماء والفقهاء، وتعهده أبوه بالتعليم وحفظ القران الكريم، وتعلم علوم العربية والتفسير والحديث والفقه والكلام والأدب على مشاهير العلماء منهم أبو بكر بن عبدالكريم العوفي، والشيخ أبوالقاسم بن أبي محمد الكلاعي، وأبوالحسن علي، وأبو علي عمر بن الشيخ أبي اسحاق، وأبو علي عمر بن محمد بن علوان التونسي.

 

وعن حياة أبو القاسم التيجاني، أوضح الدكتور أحمد فؤاد باشا المفكر الإسلامي المعروف أنه عكف منذ نعومة أظفاره على دراسة التاريخ وأخبار البلدان والثقافات، وأظهر براعة في الأدب والكتابة، والتحق بديوان الإنشاء بقصر السلطان محمد في بداية القرن الثامن، وأتيح له ملازمة كبار العلماء ورجال الدولة والأدباء ومنهم أبو إبراهيم ابن حسينة، وأبو زيد عبدالرحمن بن نزار، وأبو عبدالله محمد الهواري، ومحمد بن ابي زالي البلوي، ومحمد بن يعيش، وأحمد الرصافي وغيرهم، وتوثقت علاقته بهم خلال جلسات العلم، التي كشفت عن نبوغه ونجابته، فاختاره أبو يحيى زكريا بن اللحيائي وقرب منزلته منه وجعله من خواص كتابه، وحين عزم أبو يحيى بن اللحياني على الخروج للحج ولم يرد أن يفصح عن ذلك وتظاهر بأنه يريد تفقد شؤون الدولة اختاره في سنة 706 هـ، لمصاحبته وفوض اليه الإشراف على رسائله، وأمضى في رحلته عامين وثمانية أشهر.

حب العلم

ويتابع: قد عرف بحب العلم والشغف بالقراءة والدراسة والتصنيف والاهتمام الفائق بالكتب في كل المعارف وامتلك ثقافة موسوعية ظهرت بوضوح في مؤلفاته القيمة في الفقه والتاريخ والأدب والتراجم والحديث والأدب النسائي وأهمها “أداء اللازم في شرح مقصورة حازم”، و”الوفاء ببيان فوائد الشفاء”، و”الدر النظيم”، و”تقييد على صحيح مسلم”، و”تقييد على المسند الصحيح للبخاري”، و”نفحات النسرين في مخاطبة ابن شيرين”، و”علامة الكرامة في كرامة العلامة، و”تحفة العروس ونزهة النفوس”.

مجالس العلماء

ويعد كتابه “تقييد الرحلة” الذي عرف بـ”الرحلة التيجانية” من أهم المصنفات التي كتبت في أدب الرحلات وتضمن معلومات وافية عن البلاد الأفريقية في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن، ووصفا شاملا لمدنها وربوعها والتعريف بعمرانها وسكانها وقبائلها وأحوالها كافة، وحرص فيه على عرض أخبار المدائن والقرى التي يمر بها كل واحدة بانفرادها، مع التعريف بالنابغين من أبنائها، من فقهاء وقادة، وأدباء، وصلحاء قدامى ومعاصرين، وبين أسماء الأوطان والنواحي، ومن يسكنها من القبائل، وما يتفرع عن كل قبيلة من بطون وأفخاذ من البدو الرحل، فيميز بين أصولها وفروعها، وينسب كلا منه إلى ان ينتهي إلى مشهور الأصل الجامع، وعني بالتحدث عن العلماء والفقهاء الذين التقى بهم في رحلته، فلم يكتف بترجمة حياتهم وذكر مصنفاتهم وحسب، بل حرص على حضور دروسهم ومشاركتهم مجالسهم والاستماع اليهم، ووصف بعمق حلقات أهل الحديث وأئمة الفقه في زمانه ذاكرا أسانيدهم وطرائق رواياتهم، وامتد اهتمامه الى ذكر أنباء رحلته في البلاد التونسية والليبية بتقييد زاخر بالفوائد، ومفعم بالأخبار الجغرافية والتاريخية والأدبية والاجتماعية، قلما اجتمعت في سجل للرحالة، كما تضمنت المراسلات الأدبية التي تبادلها من أقرانه وشيوخه وعرضت للقضايا الأدبية والفكرية التي كانت سائدة في ذلك العصر، ومنها مراسلاته مع الفقيه والأديب ابن شبرين، وزخرت بوصف حركات التحرر والثورات ضد الظلم والعدوان في زمانه.

واختتم الدكتور أحمد فؤاد باشا كلامه، مشيراً إلى تميز التيجاني بأسلوب جميل وعبارة أنيقة، بعيدة عن الغموض والسجع والتكلف، وتجلى جمال أسلوبه وعذوبته في وصفه للمدن التي مر بها في طريق رحلته التي بدأها من تونس وانتقل بعدها الى سوسة، ثم اتخذ طريقا أوصله الى صفاقس وخرج منها إلى قابس، ثم دخل طرابلس التي طوف بمدنها وربوعها وتنتهي بعودته إلى تونس.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 142 مشاهدة
نشرت فى 8 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,406