منظر عام لقصر الحمراء في إسبانيا
السائح الذي يختار التوجه إلى غرناطة مهد الحضارة الأندلسية وحاضنة قصر الحمراء أعظم القصور المعمرة، لا يمكن إدراجه ضمن فئة المسافرين بقصد الترفيه والاستجمام وحسب، فهذه المدينة الاستثنائية في الجنوب الإسباني تكشف عن روعة العمارة الإسلامية التي تعود أدراجها إلى 8 قرون، وهي كفيلة بجعل الإقامة فيها ولو لأيام تجربة ثقافية تنقش في الذاكرة زخرفات مستقاة من قباب التاريخ وفناءاته.
نسرين درزي - لم يخطئ من قال إن غرناطة هي قصر الحمراء. والمعنى في قلب من التمس عظمة هذا المجتمع المعماري القائم بنفسه والسابق لعصره. فهو بلا منازع المعلم الأعرق في شهادته على بطولات المسلمين منذ تشييده في القرن الثامن بهندسة أسطورية تتيح إطلالات خيالية من أعلى قمم المدينة. لكن ومع كل مناطق الجذب التي يحتلها هذا القصر البديع الذي يستقطب سنوياً مليوني سائح من مختلف أقطار العالم، غير أنه من الظلم إنكار بقية المباني التاريخية التي تكلل الزيارة إلى غرناطة. ومن ضمنها عشرات المواقع التراثية التي يتوسط معظمها المدينة العتيقة وأسواقها، والتي أقل ما يقال فيها إنها نافذة مفتوحة على الجدران الأثرية، والأرضيات المدموغة بخطوات الأقدمين من الشعوب التي توافدت عليها لأغراض التجارة والاستلهام والتأمل. وتحتفظ مدينة غرناطة بأمانة بعلامات ماضيها الإسلامي المخبأ في طيات الطراز الأندلسي الذي أبهر العالم ولا يزال، والذي يصفه خبراء روائع الحضارات بالعصر الذهبي للدولة الإسلامية في القرون الوسطى.
حلقات التاريخ
زائر غرناطة لا بد أن يكون من عشاق السياحة الثقافية، حيث يجد ضالته في البحث عن رموز تكمل حيزاً واسعاً من حلقات التاريخ المفقودة لديه. وقبل توجهه إلى هذه المدينة المكتظة بروايات فنون العمارة، لا بد له أولاً من الاطلاع على أقصر الطرق للوصول إليها. وعند السفر من الإمارات، إما عن طريق مدريد أو برشلونة، فإن القطار هو وسيلة التنقل المثلى باتجاه غرناطة، حيث تستغرق الرحلة نحو 4 ساعات. ولتسهيل الأمر، يمكن حجز تذاكر القطار قبل السفر، وذلك إما عبر الإنترنت أو عن طريق المكاتب السياحية، وبذلك يتيح المسافر لنفسه فرصة الاستمتاع بمشاهدة الأراضي الزراعية والقرى الريفية المنتشرة على طول الطريق. ولزيارة أكبر عدد من المعالم الأثرية في المدينة بأقل وقت، وانطلاقاً من الوسط التجاري، حيث الأحياء العتيقة، فإن اختيار موقع الإقامة يشكل مفصلاً مهماً لضمان ذلك كله. ويعتبر فندق “ميليا جرانادا” موقعاً مناسباً للسائح الذي يرغب في عيش تجربة نبض الشارع الأندلسي، حيث يمتاز بقربه من مختلف الأيقونات المعمارية، وهو يتصدر قائمة المنشآت التي يفضلها المسافرون من الشرق الأوسط، بما يوفره من خدمات تضمن خصوصية الإقامة وترتيب الجولات السياحية برفقة أدلاء يجيدون اللغة العربية.
ميليا جرانادا
ويتحدث طوماس رويز مدير عام “ميليا جرانادا” عن حرص الفندق على تقديم أفضل الاستشارات للسائح العربي الذي يزور غرناطة بقصد التعرف إلى ماضيها العريق. ويقول إن أول ما يسأل عنه الرواد هو كيفية الوصول إلى قصر الحمراء الذي لا يبعد أكثر من 15 دقيقة عن الفندق، وهي فقط المسافة باتجاه أعلى قمم المدينة، حيث يمتد بناء القصر. ويكون ذلك برفقة حافلة خاصة تنطلق من الفندق مباشرة وتضمن كل الترتيبات لقضاء يوم كامل في ربوع القصر المعروف باسم “ألامبرا”. ويضيف طوماس رويز إن هذه الزيارة لا تقتصر على الجولة الميدانية وحسب، وإنما تكون بتوصية من الفندق، حيث يطلع الزائر على تفاصيل لم يقرأ عنها من قبل في الكتب، ويتلمس من قرب عظمة الحضارة الأندلسية التي لم تترك باباً من أبواب الهندسة العبقرية إلا وطرقته، الأمر الذي حير العلماء على مر العصور وترك لديهم دائماً الفضول لاستحضار أسطورة العمارة الإسلامية بزخارفها ونقوشها المتصابية على الرغم من تعاقب الأزمنة. ويشير طوماس رويز مدير عام الفندق، إلى الخدمات المخصصة للزوار المسلمين داخل “ميليا جرانادا”، والتي تتمثل بتوفير سجادة صلاة داخل كل غرفة مع بوصلة لتحديد اتجاه القبلة، ويلفت إلى أن مطاعم الفندق تلحظ تحضير أطباق حلال لزوارها بحسب الطلب، وهذا ما يجذب السائح القادم من الدول العربية والخليجية. ويطل فندق “ميليا جرانادا” على جماليات المدينة من طبقاته العليا التي يكشف من خلالها روعة قباب قصر الحمراء، والتي يمكن مشاهدتها من الطرف الغربي لواجهة الغرفة أثناء احتساء فنجان القهوة وكأنها لوحة مزدانة بحمرة القرميد والحجر الخمري وملتفة بالأخضر الريان. أما من الطرف الشرقي، فتظهر تدرجات المباني القديمة والتي لا تزال محتفظة بشرفاتها الضيقة ونوافذها متفانية الصغر وكأنها منسوخة عن كتاب قديم يتباهى بأوراقه الصفراء. والناظر من فوق باتجاه الأحياء الهاربة من تلاصق المباني المتراكمة فوق بعضها البعض، لا يمكنه أن يزيح عينيه عن مشهد المقاهي التقليدية. والتي تقدم أطباق “التاباس” الشعبية على منصات ومقاعد خشبية مرتفعة تجسد أسلوب الضيافة الإسبانية، وكل ذلك ولا يزال الزائر يتأمل مشهد المدينة من غرفته داخل الفندق، وكأن ما يراه يزيده حماساً للترجل باتجاه ألبوم مواقعها التاريخية.
جولة سياحية
الجولة السياحية التي ينظمها فندق “ميليا جرانادا” تتخذ أكثر من برنامج يمكن تقسيمه على 3 أيام أو حتى يومين بحسب الوقت المتاح للسياح، ومن كان منهم على عجالة ويفضل أن يختصر ذلك كله بيوم واحد، فيكون له ما يريد تسهيلاً لانتقاله إلى المدن الأندلسية المجاورة، ومنها قرطبة وإشبليا و”ملقا”. وهنالك نوعان من الرحلات، إحداهما مخصصة لقصر الحمراء عبر باص ينقل الرواد إلى الموقع برفقة مشرف سياحي إما طوال النهار أو لساعات. والثانية عبر حافلة من طبقتين مكشوفة على شوارع المدينة، تعرفتها 18 يورو للكبار وتنطلق يومياً من أمام مبنى البلدية عند ساحة “ديل كارمن”. وتطوف بالزائرين على مدى ساعتين متنقلة عبر أهم معالمها، مثل حي “البايزين” العربي، الكاتدرائية، مبنى “كارتوخا”، ساحة الثيران، متحف “لوركا” وقصر المؤتمرات، وصولاً إلى قصر الحمراء. وتتيح للركاب الراغبين بالاطلاع على التفاصيل التاريخية، التوقف عند محطات عدة تخولهم العودة إليها من جديد كل 10 دقائق. ويورد المرشد السياحي ماركو ميلاس أن أهم نصيحة يقدمها دائماً لزوار غرناطة هي تخصيص وقت كاف من الرحلة للسير مشياً على الأقدام والتجول في أحياء البلدة القديمة. ويقول إن غرناطة التي اشتهرت بقصر الحمراء على مر العصور تحتضن الكثير من الروايات واللوحات المعمارية الأثرية التي تستحق أيضاً التوقف عندها، وبينها شارع اسمه “كالديريريا نويفا” الذي تنتشر في أرجائه اليوم أسواق شمال أفريقيا. وتعرض متاجره المفتوحة على الأرصفة العتيقة الملابس والمفارش التقليدية من دول المغرب العربي.
ويتحدث المرشد عن ساحة “باب الرملة” وسط المدينة، والتي تمثل أهم معالم غرناطة وفنونها، والتي تضم متاحفها آلاف الكتب العربية التي تم جمعها بعد سقوط غرناطة عام 1492. ويشير إلى سوق “القيسرية” الذي يحتفظ باسمه العربي وهو يتمثل في انتشار المحال التجارية المبنية على الطراز العربي والتي كانت أيام الحكم الإسلامي المركز الاقتصادي للمدينة. وتقع على مقربة منه مدرسة الدراسات العربية التي أسسها السلطان يوسف أبو الحجاج عام 1349، وكذلك جامعة غرناطة وعدد من المتاحف، أهمها متحف الحمراء داخل القصر، والمتحف الأركيولوجي، وفيهما الكثير من التحف والآثار العربية القديمة. ويذكر ماركو ميلاس أن “خان الفحم” الذي لا يزال محافظاً على رونقه، يعتبر من أهم المقاصد السياحية في غرناطة، وهو يقع في شارع “ماريانا بينيدا” وكان مقراً ونزلاً لاجتماعات كبار التجار أيام الحكم العربي، وتعرض فيه اليوم بعدما تم ترميمه، الأعمال الثقافية مثل المسرحيات والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية ورقصات “الفلامنكو”.
قصر الحمراء
زيارة قصر الحمراء هي مما لا شك فيه جوهر السفر إلى دولة الأندلس، وتحديداً إلى مدينة غرناطة التي يتفاخر أهلها على اختلاف انتماءاتهم الدينية بجوارهم لهذا المعلم التاريخي العريق. وتتحدث مديرة القصر ماريا ديلمار فيلافرانكا، عن أن “ألامبرا” هو من أكثر المواقع السياحية التي تتم زيارتها سنوياً في عموم إسبانيا، إذ يتعدى عدد الوافدين إليه على مدار السنة مليوني سائح من أقطار الأرض، وتضيف أن تسمية القصر تعود إما إلى تمثله ببني الأحمر، وهم بنو نصر الذين كانوا يحكمون غرناطة بين عامي 1232 و1492، وإما إلى اللون الأحمر الذي تتميز به التلال التي شيد عليها القصر. وتشير ماريا ديلمار فيلافرانكا إلى أهم معالم القصر والتي تتمثل في كونه أشبه بمجمع للقصور التي تخفي سر العمارة الإسلامية في زمن لم تكن عبقرية الهندسة معهودة على هذا الطراز الفريد، ومن أهم مفرداته الجمالية تبعثر النوافير فيه، وأهمها تلك النافورة التي تتوسط فناءه والتي يتوزع ضمنها 12 أسداً تجسيداً للعظمة. أما الحديث عن جنان العريف فلا يمكن تلخيصه بعبارات تعجز حتماً عن وصف هذه المساحات الشاسعة من الأشجار والأزهار المنثورة بطريقة فنية أجمل من اللوحات، والاستثنائية في هذه الجنان الغزيرة أنها ما زالت على حالها منذ سنوات بناء القصر، لا بل تزداد خيلاء وبهاء مع تعاقب فصول الدهر.
ليلاً ونهاراً
وتقول مديرة القصر ماريا ديلمار فيلافرانكا، إن أحدث الدراسات أشارت إلى أن الأسباب التي تدفع السياح لزيارة قصر الحمراء، هي حرص القصر على التألق رغم تقلبات الأزمنة، إضافة إلى الترويج الدائم للأنشطة الثقافية المقامة فيه. وتذكر أنه على الرغم من السماح بالزيارات الليلية للقصر والتي تكشف عن سحره إضاءته ليلاً وما تلقيه المصابيح من ظلال على مبانيه والحدائق المحيطة، غير أن معظم السياح يفضلون التجوال داخله نهاراً، وهناك خياران لزيارة قصر الحمراء أثناء النهار، بين الساعة الثامنة والنصف صباحاً والسادسة مساء، أما الزيارة الليلية فتكون يومي الجمعة والسبت من الساعة الثامنة وحتى التاسعة والنصف ليلاً. وتقول إن أهم ما في أسطورة القصر الأطول عمراً في تاريخ الدولة الإسلامية والذي امتد على مدى 8 قرون، أنه كان شاهداً على سقوطها دفاعاً عن الكيان العربي ضد جيوش الملكة إيزابيل والملك فرديناندو التي زحفت عبر الجبال والوديان.
زخارف
عدا عن عظمة البناء الخارجي، فإن القصر يتميز بزخارفه الكثيفة التي تغطي جدرانه، والتي عمل على تصميمها أكثر الفنانين إبداعاً في ذلك الحين، والذين توافدوا من مختلف البقاع الإسلامية لجعله تحفة فنية أبدية، ويحمي القصر سور مزدوج يتخلله 27 برجاً، معظمها للحماية والدفاع عن القصر، وبعضها للسكن. ويتخلل السور 4 مداخل هي، باب السلاح وباب العدالة وباب السبع أراض وباب الأرابال. وهو يتألف من 4 أجنحة، جناح القصور الجناح العسكري، جناح المدينة وجناح الحدائق والبساتين.
مسجد ضخم
يشمخ قصر الحمراء الذي أمر بتشييده الأمير يوسف الأول واكتمل في عهد ابنه محمد الخامس، على أعلى قمم مدينة غرناطة الإسبانية، وهو رمز حي لعصر الأندلس الذي امتد من القرن الثامن حتى أواخر القرن الخامس عشر، وقد بني في المدينة مسجد ضخم عام 2003 بتمويل من إمارة الشارقة، وهو يطل على قصر الحمراء التاريخي، ويعتبر نقطة جذب للزوار المسلمين. ويمتد إقليم الأندلس في الوقت الحالي على 20 في المئة من مساحة إسبانيا.
ساحة النقاش