عمرو أبو الفضل

الإمام عبادة بن الصامت أحد نقباء العقبة ومن أعيان البدريين، وكبار الصحابة وأكثرهم حفظاً للقرآن وفقهاً بأحكامه، وكان من الذين شاركوا في جمعة زمن الرسول- صلى الله عليه وسلم.

ويقول الدكتور عبد الله بركات- الأستاذ بجامعة الأزهر- ولد عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف، ولقبه أبو الوليد الأنصاري، بالمدينة في سنة 38 قبل الهجرة، وينتهي نسبة إلى الخزرج، ومن القواقل، وسموا بذلك، لأنهم كانوا في زمن الجاهلية إذا نزل بهم الضيف أو استجار بهم مستجير قالوا له قوقل حيث شئت، أي اذهب حيث شئت، فإن لك الأمان، لأنك في ذمتنا، وأبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام، وتوفي على دين قومه، وأمه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج أسلمت وبايعت الرسول-صلى الله عليه وسلم.

وكان من أوائل أهل المدينة الذين أسلموا في سنة 3 قبل الهجرة، عندما لقوا الرسول- صلى الله عليه وسلم- في مكة بالموسم، وهو أحد نقباء الأنصار الثمانية الذين بايعوا الرسول- صلى الله عليه وسلم- في العقبة الأولى، وفى العقبة الثانية كان أَحد النقباء الاثني عشر، الذين بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره، ولما هاجر الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة آخى-عليه الصلاة والسلام- بينه وبين أبي مرثد الغنوي، ولازم الرسول- صلى الله عليه وسلم- وارتبط به ارتباطاً وثيقاً، ولم يسر-عليه الصلاة والسلام- إلى مكان إلا وكان معه، وشهد بدراً، وأحد، والخندق، والمشاهد والغزوات كلها.

 

جمع القرآن

 

وكان ممن كتبوا للرسول- صلى الله عليه وسلم- الوحي القرآني، وشارك في جمع القرآن في زمن الرسول- صلى الله عليه وسلم- فعن محمد بن كعب القرظي، قال: “جمع القرآن في زمان النبي خمسة من الأنصار، هم معاذ وعبادة وأبي وأيوب وأبو الدرداء”، وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال: “علمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن” وروي عنه أيضاً أنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغَل، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن”.

وكان طويلاً جسيماً جميلاً فاضلاً خيراً ومناقبه كثيرة، واستعمله رسول الله على الصدقات، وقال له: “اتق الله، ألا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثؤاج”. فقال عبادة: فو الذي بعثك بالحق، لا أعمل عمل اثنين. وبايع النبي على ألا يخاف في الله لومة لائم.

وتجلت بطولته العسكرية في المواطن الكثيرة التي شارك فيها، ومنها فتوح الشام وقبرص ومصر، فعندما طلب عمرو بن العاص مدداً من الخليفة لإتمام فتح مصر، أرسل إليه أربعة آلاف رجل، على رأس كل منهم قائد حكيم، وصفهم الخليفة قائلاً: “إني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجل بألف رجل”. وكان عبادة بن الصامت واحداً من هؤلاء الأربعة الأبطال.

عرف بن الصامت بالتقوى والصلاح والشدة في الحق والزهد والابتعاد عن الأعمال المحفوفة بالزهو والسلطان والثراء، وكان من الذين عارضوا سياسة معاوية في الحكم والسلطان، فأغلظ له معاوية في القول، فقال عبادة: “لا أساكنك بأرض واحدة أبداً”، ورحل إلى المدينة. وعن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث، أبوالأشعث. فجلس، فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، في خلافة عمر فغنمنا كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال:” إني سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى”. فرد الناس ما أخذوا. فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيباً فقال: “ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه”. فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله وإن كره معاوية.

ولما عرف أمير المؤمنين عمر-رضي الله عنه- قال:”ما أقدمك؟”، فأخبره، فقال: “ارجع إلى مكانك لا يفتح الله أرضاً لست فيها أنت ولا أمثالك”. وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه.

غضب معاوية

ويحكى أنه كان مع معاوية، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة بتراب في يده، فحثاه في فم الخطيب، فغضب معاوية، فقال له عبادة: إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بالعقبة، على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في أفواههم التراب”.

ورفض في خلافة عمر-رضي الله عنه- تولي المناصب التي تصرفه عن العلم والعبادة، وعكف على تعليم الناس وتفقيههم في الدين، وأورد البخاري في تاريخه أن يزيد بن أبي سفيان كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب يقول قد احتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن الكريم ويفقههم في أمور دينهم، فأرسل معاذاً وعبادة وأبا الدرداء، فأقام عبادة بحمص، ومضى إلى فلسطين، وملأها علماً وفقهاً ونوراً، واستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح عندما سار لفتح “طرطوس” ففتحها. وكان أول من ولي قضاء فلسطين من قبل عمر بن الخطاب. وروي له عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- مئة وواحد وثمانون حديثاً، وروى عنه كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وفضالة ابن عبيد وجماعة من التابعين.

وفاته

وتوفي-رحمه الله- سنة 34 هـ، بمدينة الرملة في فلسطين، وقيل إنه توفي في بيت المقدس، ويروى أنه يوم وفاته قال: “أخرجوا فراشي إلى الصحن، واجمعوا لي موالي وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل علي”. فجمعوا له، فقال: “إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا، وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء، والذي نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة، وإن كان أحد منكم في نفسه شيء من ذلك فليقتص مني قبل أن تخرج نفسي”. فقالوا: بل كنت مؤدياً. قال:” اللهم أشهد”، ثم قال: “أما لا، فاحفظوا وصيتي: أحرج على إنسان منكم يبكي علي، فإذا خرجت نفسي فتوضأوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم المسجد فيصلي ثم يستغفر لي ولنفسه، فإن الله تبارك وتعالى قال: “واستعينوا بالصبر والصلاة” البقرة 45. ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تتبعني نار، ولا تضعوا تحتي أرجوانا”.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 166 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,308,421