طالب الشحي
الحديث عن الجنة وما فيها من النعيم السرمدي وما أعد الله فيها من أنهار وجنان وقصور وما لا رأت عين أو سمعت أذن أو خطر على قلب بشر. يجعل النفس تتشوف لنيله والتسارع لتحصيله فكيف إن كان الحديث عن أعظم ما يجده أهل الجنة من النعيم رؤية وجه الله تبارك وتعالى قال سبحانه: “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ”.
روى مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم، فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية “للذين أحسنوا الحسنى وزيادة”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك” رواه مسلم.
فهذا النعيم هو الذي تتشوف النفوس المؤمنة لنيله والسعي إلى تحصيله وبذل كل ما يمكن من أجل تحقيقه.
ومع هذا النعيم نرى بالمقابل التحذير من بعض الأعمال والأقوال التي تحرم هذا الفضل والشرف فياخسارة من حُرم النظر إلى وجه الله الرحمن الرحيم.
وسنذكر هنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا بعض الأعمال التي تمنع نعمة النظر إلى وجه الله تعالى.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ. فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا”، رواه البخاري.
فالأول: مَنعَ من انقطعت به السبل من فضل مائه فعوقب المانع لسوء فعله وقبح تصرفه وانعدام الرحمة من قلبه.
وأما الثاني: فهو غادر خائن متصف بأرذل الصفات وأقبحها قد نقض العهد وخالف أمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في طاعة ولاة الأمور.
وأما الثالث: فهو المنفق سلعته بالأحلاف الكاذبة،”ليأكل أموال الناس بالباطل فعوقب لسوء وقباحة نيته وفعله.
فاللهم إنا نسألك النظر إلى وجهك العظيم.
ساحة النقاش