زيادة استفادة الجسم من الغذاء
إن من آثار الصيام أن يغرس في النفس العطف على الفقراء والمحتاجين، حيث يربي ملكة الرحمة في النفس، ويجعلها ملازمة للشخص.
كذلك يساوي بين الغني والفقير، وقد فرضه الله على الجميع بنظام واحد ووقت واحد لإله واحد، لهذا كان نظاماً عملياً من أقوى الأنظمة، يقول الله تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد/ فاطر آية/ 15)، لأنه امتناع عما تشتهيه النفس رغم وجوده.
كما أن الصوم فيه تربية لقوة الإرادة، وإضعاف لسلطان العادة، حتى يتمكن صاحبها من التحكم فيها، وقد بلغ سلطان العادة بكثير من الناس إلى تمكينها من نفوسهم، الطعام ثلاث مرات، وكثرة المكيفات من قهوة وشاي وغيرها ليس بخاف على أحد، والصوم يهيئ نفوس الصائمين لتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
إن الصائم موكول إلى نفسه وضميره حيث لا رقيب عليه إلا الله، وهذا هو مكمن الإيمان في قلب الإنسان، وفيه باب كبير من أبواب مراقبة العبد لله سبحانه حيث يحافظ على صومه، ولا يفطر في خلوته إلا مخافته ومراقبته لله، إذن ففيه تقوية الإيمان والخشية من الله ومراقبته على الدوام، وهذا باب كبير من أبواب الصلاح لهذه النفس البشرية حيث أنها تطهر وتتزكى، يقول الله تعالى: (قد أفلح من زكاها/ الشمس آية/ 9).
كما أن مراقبة العبد لله تعالى في خلوته وجلوته تؤهله لأعمال الخير، وتبعده عن الشر، فلا يستطيع أن يغش أو يخدع أو يظلم أو يأكل حقوق الناس، فيكون عندها صومه خالصاً لوجه الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري في صحيحه كتاب الصوم ورقم الحديث (1770).
كذلك من الواجب على الصائم ابتغاء وجه الله تعالى أن يمنعه صومه عن تناول المفطرات الحسية والمعنوية، وأن لا يعمل إلا خيراً، وهذا يكمن في سر الإيمان والفلاح بإمساك الصائم عن كل ما ينافي الإيمان، يقول الله تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين/ المائدة آية/ 27)، ولقد فرضه الله على المسلم شهراً واحداً في كل سنة حتى يكون مطهرة له في جسمه وروحه ودينه وعقيدته وإيمانه، وفي كل أمور حياته دنيا وأخرى.
ويجب علينا أن لا ننسى أن المواقف الإسلامية التي حصلت في هذا الشهر كانت عظيمة وكثيرة وفاتحة خير لانتشار الإسلام في الجزيرة العربية وخارجها كافة، لقد كانت معركة بدر والتي انتصر بها المسلمون بالرغم من قلتهم، وكان من نتائجها أن غيرت مجرى تاريخ البشرية على وجه الأرض، فكانت أول الثمار اليانعة التي تنبئ بظهور هذا الدين على كل ما سواه من كل المعتقدات عند بني البشر، كما أن فيه تغيير المفاهيم الجامدة التي كان يتحكم الإنسان بكل جوانبها إشباعاً للشهوات والنزوات والحظوظ الزائلة بعيداً عن السمو الروحي والأخلاقي، فلقد كانت المرأة مهانة كالسلعة تباع وتشترى، وكذلك استعباد الإنسان البغيض لأخيه الإنسان، وترفع الناس على بعضهم بعضاً، فجاء نزول القرآن الكريم في هذا الشهر الفضيل ليحكم هذه المعتقدات برمتها إلى غير رجعة، وتظهر محلها المساواة بين الجنس البشري الذي أمر الله به، وإحقاق الحقوق كلها لكل إنسان في هذا الكون.
حقيقة لقد جاء القرآن بالتشريع الحق، فأخرج الناس من الكفر إلى الإيمان، ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم إلى العدل، ومن الاستعباد إلى الحرية، حيث يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، وعن سالم، عن أبيه، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه الله في صحيحه كتاب البر والصلة والأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقم الحديث (4677)، لذا سيطر العدل واندثر الباطل، يقول الله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً/ الإسراء آية/ 81).
ساحة النقاش