أحمد محمد - الله هو الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها ويوقعها مواقعها، ولا يأمر إلا بما فيه الخير ولا ينهى إلا عمّا فيه الشر، ولا يعذب إلا من استحق، ولا يقدر إلا ما فيه حكمة وهدف، فأفعاله سديدة وصنعه متقن، لا يقدر شيئاً عبثاً، خلق الخلق لحكمة، وقدر الموت والحياة، والجنة والنار، لحكمة شريفة وهي العبادة، فيتبين في الميدان المطيع من العاصي والشكور من الكفور.

والحكيم يتنزه عمّا لا ينبغي، كل شيء وقع بحكمة، والله سبحانه وتعالى صاحب الحكمة البالغة وكمال العلم وإحسان العمل فليس بعد علمه علم، له من هذه الصفة مطلق الكمال والجلال فهي أزلية أبدية في ذاته.

واسم الله الحكيم صيغة تعظيم لذي الحكمة فيكون معنى الحكيم أي العظيم في حكمته، وكأن إطلاق صفة الحكمة على الخالق سبحانه وتعالى ليحكم مخلوقاته من السفه.

 

ورد اسم الله الحكيم، في القرآن في واحد وتسعين موضعاً، وفي جميع المواضع يقرنه باسم آخر من أسماء الله تعالى، فتارة مع العزيز، وتارة مع العليم، وتارة مع الخبير أو مع غيرها من أسماء الله الحسنى، قال تعالى: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)، وقوله تعالى: (حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)، وقوله: (لا إله إلا هو العزيز الحكيم)، وقال تعالى: (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير).

 

والحكيم يأتي على عدة معان منها الإحاطة والمنع، فحكم الشيء يعني منعه وسيطر عليه وأحاط به، ويأتي الحكيم على معنى المدقق في الأمور المتقن لها، فالحكيم هو الذي يحكم الأَشياء ويحسن دقائق الصناعات.

والحكيم أيضاً هو الذي يحكم الأمر ويقضي فيه ويفصل دقائقه ويبين أسبابه ونتائجه، والحكيم سبحانه خالف بين الناس في معايشهم وأوصافهم فلم يجعلهم سواء لحكمة.

والحكمة في الشرع عرفها ابن جرير الطبري بقوله، والصواب من القول عندنا في الحكمة أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعرفة بها وما دل عليه ذلك من نظائره، وهو عندي مأخوذ من الحكم الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل.

والحكيم سبحانه هو المتصف بحكمة حقيقية عائدة إليه وقائمة به كسائر صفاته والتي من أجلها خلق فسوى، وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل وهدى، ومنع وأعطى، فهو المحكم لخلق الأشياء على مقتضى حكمته، وهو الحكيم في كل ما فعله وخلقه حكمة تامة اقتضت صدور هذا الخلق. قال ابن القيم، الحكيم من أسمائه الحسنى والحكمة من صفاته العلى، والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة، والرسول المبعوث بها مبعوث بالكتاب والحكمة، والحكمة هي سنة الرسول وتتضمن العلم بالحق.

والحكيم هو ذو الحكمة والحكم التام، فهي مشتقة من الحكمة والحكم، فجميع أفعاله وأقواله وشرعه حكمة، وليس فيه سفه بأي حال من الأحوال، فما من شيء من أفعال الله أو من شرعه إلا وله حكمة، فإذا قدر الحر الشديد الذي يهلك الثمار فهو حكمة لا شك، وإذا منع المطر فهو حكمة، وإذا ألقى الموت بين الناس فهو حكمة، وكل شيء فهو حكمة، والشرائع كلها حكمة، فإذا أحل الله البيع وحرم الربا فهو حكمة.

الله هو الحكيم الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، واسع الحمد، تام القدرة، عزيز الرحمة الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.

وحكمة الله في خلقه انه خلق الخلق بالحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام، ورتبها أكمل ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، بل أعطى كل جزء خلقته وهيئته، فلا يرى أحد في خلقه خللاً ولا نقصاً ولا فطوراً.

وحكمة الله في شرعه وأمره، فإنه تعالى شرع الشرائع وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدونه، فأي حكمة وفضل وكرم أعظم من هذا، فإن معرفته تعالى وعبادته وحده، وإخلاص العمل له وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق، وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها، وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح، كما أنها السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم، فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار، لكانت كافية شافية.

وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير فأخباره تملأ القلوب علما ويقيناً وإيماناً، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، وتثمر كل خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد، وأوامر الله ونواهيه تحتوي على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.

ومن حكمه الشرع الإسلامي أنه هو الغاية لصلاح القلوب، والأخلاق والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم، إن لله تعالى الحكمة فيما شرع، وفيما خلق وقدر، واسم الله الحكيم يفرض على العبد الاستسلام لشرع الله فيحكم به ويتحاكم إليه، ويرفض كل شرع يخالفه حكماً وتحاكماً.

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 94 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,967