قانون هذا الكون متكامل فـي جزيئاته الصغيرة، وكلياته الكبيرة.
فـي الجبال الرواسي العظام، والحشرات الصغيرة كلها تسير فـي نسق واحد وغاية واحدة، وفـي المخلوقات الصغيرة المنتشرة فـي هذا الكون آيات عظيمة ودلائل قاطعة على عظمة الخالق وحكمته.
وأنه ما خلق شيئاً فـي هذا الوجود إلا لفائدة الإنسان، ومن ذلك النحل، فالنحلة حشرة صغيرة قد لا يؤبه بها، ولكن الله تبارك وتعالى عظم أمر هذه الحشرة، وبين لنا بعضاً من فوائد خلقها، ونظام حياتها، وأهمية الاستفادة من سلوكه.
فقال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل 68-69.
وأوحى الله تعالى إلى النحل بما أودع فيها من الغرائز، وهداها إلى قوام حياتها واستمرار وجودها، وأول ذلك اتخاذ المسكن والمأوى والاستقرار، فجعل بيوتها فـي الجبال، أو الشجر، أو بيوت الناس (مِمَّا يَعْرِشُونَ) وهو حيث يبنون العروش جمع عرش أي حيث يستظلون، وبعد الاستقرار تبحث عن القوت والمرعى فتخرج باحثة عنه، واختارت من ذلك الطيبات، ومن هداية الله تعالى لها أنها لا تقع ولا ترعى الأخباث والنجاسات.
كأن هذا العالم هو عالم الطهارة والنقاء الذي لا تشوبه شائبة، لهذا كان في كل ما تجمعه فوائد وشفاء للناس، فتخرج من رحيق الثمرات العسل الصافـي بألوانه المختلفة تبعاً لنوع النبات الذي ترعاه ولونه، وتبعاً لنوع النحلة الراعية له كذلك.
وكان العسل على مدار الزمان غذاءً وشفاء وفاكهة وشرابا، وتتعاظم قيمته، فتخرج النحلة ومعها مثيلاتها الشمع، وانظر كيف أوحى الله إلى النحل بضخ خزانات إنتاجها بهذا الشكل السداسي البديع حتى لا تترك فيه فراغات، وتتسع لأكبر قدر من الإنتاج.
هذه الأشكال الهندسية البديعة للمهندسين فيها مساحة من التأمل والتفكر والاستنارة، وعلى العقلاء أن يتعلموا هذا الدرس البليغ من هذه الحشرة الضعيفة، وكيف أنها تذهب بعيداً ثم ترجع إلى مكانها المحدد لا تغيره، ولا تعتدي على غيرها أبداً، تذهب نهاراً ثم تعود قبل أن يسقط الظلام.
لقد درس العلماء هذا العالم العجيب عالم النحل، وكلهم وصلوا فـي خلاصة دراساتهم إلى قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
د. محمد مطر الكعبي
ساحة النقاش