المراهقة مصطلح وصفي يقصد به مرحلة نمو معينة تبدأ بنهاية الطفولة وتنتهي بابتداء مرحلة النضج أو الرشد، أي أن المراهقة هي المرحلة النمائية أو الطور الذي يمر فيه الناشئ، وهو الفرد غير الناضج جسمياً وانفعالياً وعقلياً واجتماعياً نحو بدء النضج الجسمي والعقلي والاجتماعي.

ومن الخصائص التي تتسم بها الحياة الذهنية للمراهقين الانبهار بالجديد واحتقار القديم ونبذه وتجنبه، فالجديد عندهم هو الجدير بالتقدير، لذا فإنك تراهم يسعون وراء كل مستجد سواء كان فكراً أو سلوكاً أو ملبوساً، فيحدث صراع بينهم وبين جيل الآباء، ينبغي أن يفسر على أنه ظاهرة صحية وليست مرضية، فهم يميلون أحيانا للجديد لا لشيء إلا لأنه جديد، ويمتنعون عن القديم لا لشيء إلا لأنه قديم، فيقعون في الشطط والخروج عن الحدود والضوابط الاجتماعية، والانحرافات العقدية والفكرية.

دور الأسرة

 

قد يحدث أن يكون في الأسرة شاب مراهق يتعرض لتيارات فكرية متشددة والانضمام لجماعات متطرفة، فإن دور الأسرة هنا معالجة الموضوع بحكمة وبعد نظر، ومعالجة هذه الظاهرة تتم بشيء من الموضوعية والاعتدال من دون التقليل من حجمها وآثارها ومن دون التهويل في ذلك أيضاً، فالغلو في التعامل مع الأبناء ينشئ تطرفا مضاداً كرد فعل، وهذا يعني عدم حرمانه من إقامة علاقات مع أقرانه أو منعه من أداء شعائره الدينية كحل لهذه الظاهرة، بل واجب الإحاطة بهم يقتضي متابعتهم ومعرفة طبيعة علاقاتهم مع الآخرين ومتابعة أنشطتهم الدينية والثقافية والاجتماعية وتعميق القيم الأخلاقية فيهم، وتنمية البعد الاجتماعي فيهم من تعاون وتسامح، لضان حسن استقامتهم وتجنب انحرافهم.

 

فمسؤولية الأسرة كبيرة جداً في توجيه المراهق الوجهة الصالحة التي تساعده على الابتعاد عن التيارات المنحرفة والتغلب على أزماته النفسية، وذلك بالقدوة الحسنة.

فالأب كي يكون مثالاً صالحاً لابنه المراهق ينحو به منحى الاعتدال والاتزان، ينبغي المراوحة بين الشفقة والشدة في التعامل معه، الشفقة في حنوه وتفهم مرحلته العمرية ويساير ركب الحضارة المتغير، وتقدير آرائه ومجهوداته وإرضاء غروره فيشعر بالارتياح النفسي فيستقيم ويسير في الطرق السوي.

أما الشدة فتتجلى في المسك بزمام السلطة والوفاء للضوابط والأخلاقيات، وهذه هي الوسطية في التعامل مع هذه الظاهرة، فالإفراط في الشفقة وإعطاء الحريات تسيب وتحلل، والإفراط في التشدد كبت وتجاهل، وكلاهما خطر على مستقبل المراهق الفكري والنفسي والوجداني.

ولا ننسى كذلك دور المجتمع ومؤسساته في الإحاطة بالمراهق وتأهيله ومراجعة مسلكيته نحو الاستقامة والاعتدال في مواقفه وسلوكه يؤسس لحياة تؤمن بالوسطية بعيدة عن التطرف والإفراط والتفريط، وذلك بمساعدته على بناء شخصيته وحسن تعامله مع المجتمع ومكوناته ليتفاعل معه بإيجابية ويجسد أبعاده كفرد صالح فيه، وقد ورد في هذا المعنى قوله عليه السلام: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.

ولما كان الفرد في مرحلة المراهقة ميالا إلى الإشباع الديني، فإن لم تكن مصادره في المعرفة الدينية القرآن والسنة وأقوال العلماء المحققين والمفكرين المستنيرين، فإنه سيستمد فكره الديني من التنظيمات المتشددة ومرجعيتها الدينية.

الصحبة والمدرسة

الصحبة هي الرفقة وملازمة الآخر، وهي وشيجة من الوشائج يحرص الفرد على بنائها مع أترابه وأنداده، قال تعالى: (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)، فالفرد ميال بطبعه إلى التفاعل مع العالم المحيط به، في علاقاته الأسرية وعلاقاته الاجتماعية.

وغالباً ما تكون الصحبة مصدر المراهق في معارفه ومعلوماته مما يجعل للرفقاء دوراً محورياً في دفع الفرد نحو الانحراف الفكري المتشدد، يقول عمر رضي الله عنه: “وَاحْذَرْ صِديقَك إِلاَّ الأَمِينَ مِنَ الأَقْوَامِ، وَلاَ أَمِينٌ إِلاَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ، وَلاَ تَصْحَبَ الْفَاجِرَ فَتَعَلَّمَ مِنْ فُجُورِهِ، وَلاَ تُطْلِعْهُ عَلَى سِرِّكَ وَاسْتَشِرْ فِي أَمْرِكَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ”.

أما المدرسة، فهي البيئة الاجتماعية الثالثة، تلعب دوراً مهماً في حياة المراهق، فهي أساس ارتقائه بالمستوى العلمي والمعرفي والثقافي، والعلم والمعرفة أمضى سلاح لمقاومة الغلو والانحراف الفكري والتطرف، والجهل يعد أرضية خصبة لتقبل الأفكار الهدامة، والتعليم الهادف يوسع المدارك وينير العقول ويفتح آفاق المعرفة، وهو بهذا الشكل يمثل أحد عناصر التوازن في شخصية الفرد.

وفي المدرسة تتأسس للطفل علائق اجتماعية مع زملائه والإطار التربوي من إداريين وأساتذة ومعلمين، لهذا السبب كان للمدرسة دور خطير في حياة الطفل ومستقبله العلمي والمعرفي والسلوكي، فهي تستطيع أن ترتقي به وتجعله نافعاً لذاته ومجتمعه إذا أدت دورها التربوي بطريقة سليمة وتمنع عنه الانحراف، وتستطيع أن تجعل منه شخصاً غير متوازن في فكره وسلوكه مهدداً بالجنوح والانحراف إذا أخلت برسالتها التربوية ولم تهيئ له الظروف الصحية لتحصيل العلم واكتساب المعرفة، فالتعليم الإيجابي والمعتدل ينشئ أجيالا سوية معتدلة، وللمدرس دور مهم في تربية الناشئة على الفكر الديني المستنير القائم على الاعتدال والوسطية والتسامح.

فالمدرس وهو يباشر مهنته المقدسة يمكنه أن يؤدي دوره الأساسي في إعداد الناشئة على منهج الاستقامة وإكسابهم عادات إيجابية وقيم وسلوكيات حسنة، أو تقويمهم وتحسين سلوكاتهم وعاداتهم، فالمدرس يقع عليه عبء إنارة العقول وتنمية روح النقد البناء وتدريب الطلاب على قيم الإبداع والإضافة، وكل ذلك بالتنسيق مع الأسرة التي تتابع منظورها في مواظبته لدراسته وملازمته للصحبة الجيدة، فالمربي ذو الشخصية المتميزة والمشهود له بالكفاءة العلمية والالتزام الخلقي يعتبر نموذجاً للمربى يتأثر به سلباً وإيجاباً، وكم من سلوكيات حميدة اكتسبناها من مربينا، فغياب القدوة الصالحة في المؤسسة التربوية يؤدي حتماً إلى فراغ في عقلية الطلبة مما يسهل عليهم استيعاب المبادئ المتطرفة.

للأسرة الفضل الكبير في إكساب الطفل الثقة بإمكاناته وقدراته وبث روح الثقة والعزة في النفوس وإعلاء قيمة الإبداع. أما المدرسة فدور تكميلي في هذا السياق، فالمدرس إذا كان يتوخى طريق التلقين والإملاء، فإنه يميت في طلبته الرغبة في المشاركة الفاعلة في الدرس، ويلغي حرية التعبير ويقضي على فنون تحصيل المعرفة الذاتية، لأن التلقين مهما كان شكله فهو مرفوض يعود الفرد على السلبية. فالمعرفة لا تتحقق بالتلقين وإنما تتحقق بالاستجواب والتوليد والملاحظة والاكتشاف واحترام العقول التي تحسن التصرف، وبذلك يشعر الطالب بكيانه فيتحفز على الإبداع والريادة والتفوق.

تفاعلات

إن التفاعلات بين الآباء والأمهات من جانب، وبناء الشخصية الإيجابية من جانب آخر، لها أهميتها في جميع مراحل نمو الأبناء عبر سنين تنشئتهم الاجتماعية، فالطفل في سنواته الأولى يكتسب الكثير من الخبرات الحياتية التي تساعده على النمو والنضج السليمين، فإن نشأ الطفل في جو عائلي خالٍ من المشاكل، ويقوم على مشاعر الحب، والعطف، الحنان، والطمأنينة، وجو يسوده المودة والإخاء والصراحة بين أفراد الأسرة، استطاع أن ينمو نمواً صحيحاً وسليماً. فالأبناء في حاجة ماسة إلى المحبة باعتبارها من الاحتياجات الأساسية والمهمة، وغياب وفقدان المحبة، والحنان، من شأنه أن يسبب كثيراً من الاضطرابات السلوكية والنفسية. وإذا كانت مشاعر الحب هذه فائضة وزائدة لدى الطرفين “الأب أو الأم”، من الطبيعي أن يقابلها تعلق وارتباط زائد من الطرف الآخر “الأبناء، ولكن لا يعني ذلك أن هناك خللا في نفس أحد الوالدين، ولكن في كيفية التعبير عن حبه، في الوقت الذي يكون من الضروري الاعتماد على أسلحة أو وسائل أخرى تتسم بالحزم والشدة إن لزم الأمر، وعند الحاجة وتضيف: علينا أن نتفهم إقبال كثير من الآباء إلى بناتهم بدرجة أوفر مقارنة بإخوانهن الذكور، ربما لإحساس الأب بحاجة ابنته إلى المزيد من الرقة والحنان في التعامل باعتبارها أنثى، أو لطبيعة الإناث التي تميل إلى الهدوء والطاعة والخجل والحياء مقارنة بالذكور.

د. سالم بن نصيرة

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 81 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,277,051