قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رُبّ صائم ليس من صيامه إلا الجوع ورُبّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر) رواه البخاري أحمد والبيهقي.
فعلى الصائم أن يحفظ صومه مما يخلّ به أو يفسده وذلك بأن يتمّ صيام الأكل والشرب بصيام القلب والجوارح.
صيام القلب:
إن أساس كل هداية هو هداية القلب فقد قال عز وجل: (... ومن يؤمن بالله يهد قلبه... ) [التغابن: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق عليه.
ولكل مخلوق قلب إلا أنهما قلبان:
1- قلب حيّ نابض بالنور مشرق بالإيمان عامر بالتقوى.
2- وقلب ميّت مليء بالشر أو سقيم فيه من كل خراب ودمار.
فقلب المؤمن فيه نور وهّاج لا تبقى معه ظلمة، نور الفطرة السليمة التي فطره الله عليها، ونور الرسالة الخالدة المحمدية وهو يتجمع فيه ذا النوران كما قال عز وجل: (... نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء..) [النور: 35].
وهذا النور يهدي القلب إلى الطريق السليم فتراه، صائماً عن الحسد، صائماً عن الكبر فلا يسكن قلبه، وصائماً عن العجب وتصور الإنسان كمال نفسه وأنه عنده كل المحاسن وهو الهلاك بعينه يتخلق بالأخلاق الحسنة والصفات الجميلة ويصفح عن الزلّات ويعفو عن الإساءات ويروض قلبه على احتمال المكاره وكظم الغيظ وإن من أعظم العوامل التي تساعد القلب على ذلك الخوف من ضياع الأجر وأن يكون حظ الصائم من صيامه الجوع والعطش فإذا استشعر الصائم ذلك الخوف انبعث الحذر فينقي الصوم من كل شائبة.
فعلى الصائم أن يصفي قلبه من الأحقاد والأمراض التي تسقم القلب، وكفى بنا أن نذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل من أصحابه أنه يدخل الجنة ثلاث مرات. فلما سئل الرجل بما دخل الجنة وليس له من الأعمال والطاعات ما هو يتميز بها عنهم، قال: (لا أنام وفي قلبي حسداً وحقداً وغشّاً على مسلم) فهل من قلب يصوم صيام العارفين.
صيام العارفين له حـنيـــن إلى الرحمن رب العالميـن
تصوم قلوبهم في كل وقـت وبالأسحار هم يستغفرون
صيام اللسان:
صيام اللسان خاص يعرفه الذين هم عن اللّغو معرضون وصيام اللسان يجب أن يكون دائماً في رمضان وفي غير رمضان إلا أن اللسان في رمضان يتهذب ويتأدب.
لسانك لا تذكر به عورة امرءٍ فكلك عورات وللناس ألسن
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ: (كفّ عليك هذا) وأشار على لسانه فسأله معاذ: (وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به) فقال له عليه الصلاة والسلام: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) رواه أحمد.
فضرر اللسان عظيم وخطره جسيم وكان أبو بكر الصديق يأخذ بلسانه ويبكي ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد).
وكان ابن عباس يقول للسانه: (يا لسان قل خيراً تغنم أو اسكت عن الشرّ تسلم رحم الله مسلماً حبس لسانه عن الخنا وقيّده عن الغيبة ومنعه من اللغو وحبسه عن الحرام).
ذلك أننا نحاسب على كل كلمة ولفظة نتلفظ بها وهناك من يحسب علينا زلاتنا قال عز وجل: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (ق: 18). ولما تأدب السلف الصالح بأدب الكتاب والسنة وزنوا ألفاظهم واحترموا كلامهم فكان نطقهم ذكراً وصفتهم فكراً.
وقال ابن مسعود: (والله ما في الأرض أحقّ بطول حبس من لسان).
وكيف يصوم من أطلق للسانه العنان؟ كيف يصوم من اغتاب وكذب وشتم وسب ونسي يوم الحساب؟ كيف يصوم من شهد الزور ولم يكف المسلمين الشرور؟
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) رواه البخاري. وكم من صائم أفسد صومه بكلمة أطلقها بلا عنان وسرحها بلا زمام ربما هوى بها في النار على وجهه وهو لا يلقي لها بالاً.
وقد أوصانا صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. وقال: (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل وأن سابه أحد فليقل أني صائم) متفق عليه.
فلنرطب ألسنتنا بالذكر ونهذبها بالتقوى ونطهرها من المعاصي.
ساحة النقاش