د. محمد مطر الكعبي
لقد تكرر ذكر الجبال فـي القرآن الكريم أكثر من أربعين مرة، وجاءت فـي آيات أخرى باسم الرواسي، والآيات تشير إلى أن الجبال بما فيها من قوّة، وبما لها من فوائد فـي قانون الحياة، وبما لها عند انفراط عقد الكون، ويرفع الإنسان رأسه أو يمدّ أمامه ببصره فيرى الجبال العالية تبعث فـي نفسه المهابة والخشية، قال تعالى: ( وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ).
وقال سبحانه :( إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً)، فالجبال رواسي ثابتة تثبت الأرض وتجعلها متوازنة كما تثبت الأوتادُ الخيام، قال عز وجل:( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً، وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً)، والأوتاد جمع وتد، ولم يكن يعلم الإنسان ما هو دور تثبيت هذه الجبال للأرض التي ذللها الله للإنسان ليمشي فيها حتى عرف أن الأرض كرة سابحة فـي الفضاء المترامي، ولولا تثبيت الجبال لمالت واختل توازنها، قال سبحانه:( وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، والميد: هو الحركة والاضطراب، وقال عز وجل:( وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ )، وتكرر ذكر الرواسي التي تثبت الأرض وترسيها فـي عشر آيات كريمات، وتؤكد الآيات الكريمة أن ذلك لفائدة الإنسان وطيب عيشه فـي الأرض.
قال سبحانه : (مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ)، أي هذه الجبال يراها ثابتة راسية راسخة ولكنها فـي واقع الأمر هـي تعتبر هذا الفضاء مع الأرض التي تحتها، قال عز وجل:(وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، إن هذه الجبال تتحرك فوق طبقات من الرخاوة واللزوجة فـي باطن الأرض، وعمقها كما قرر الجيولوجيون المعاصرون أضعاف ارتفاعها الذي نراه، وهذا يطابق قوله تعالى: ( أَوْتَاداً) وأكدوا أن أعلى قمة فـي العالم هي قمة جبل (افرست)، بينما عمق هذا الجبل الذي غرز فـي الأرض ونُصب أعماقاً سحيقة، ولولا هذه الأوتاد الرواسي لتطايرت الكرة الأرضية فـي الفضاء قطعاً قطعاً، كما يؤكد ذلك العلماء، وقد نبه القرآن الكريم أن هذه الجبال تختلف فـي أحجامها كما تختلف فـي ألوانها، واختلاف ألوانها يدل على مكوِّناتها، قال سبحانه :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)، والجدد: جمع جُدَّة وهي الطرق المختلفة الألوان بحسب لون الجبال التي هي فيها، وهذه الجبال العظيمة المهابة بسلاسلها المتواصلة الطويلة لا تخرج عن نظام الكون الذي وضعها الله فيه، وهي بهذا مسبحة خاشعة خاضعة قال سبحانه:(وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ ).
وقال عزوجل (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ)، وإلى بعض منافعها نبه القرآن على ذلك، قال سبحانه:( وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً)، وقال عز وجل:(يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ)، وقال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً)، لقد باحت الجبال ببعض أسرارها، وبقي فيها كثير من الأسرار يحاول الإنسان الوصول إليها، ولهذا قال عز وجل :( أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ).
ساحة النقاش