أحمد محمد - الحي القيوم، اسمان من أسماء الله الحسنى، يحتويان على جميع صفات الكمال، فالحي هو كامل الحياة، يتضمن جميع الصفات الذاتية لله كالعلم والعزة والقدرة والإرادة والعظمة والكبرياء وغيرها من صفات الذات المقدسة والقيوم هو كامل القيومية، الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض والسماوات وما فيهما من المخلوقات.

واقتران الحي بالقيوم، يستلزم سائر صفات الكمال، ويدل على بقائها ودوامها، وانتفاء النقص والعدم، ولهذا كان قول العلماء والمفسرين بأن آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وآية الكرسي كلها في تعظيم الله وتوحيده، وما له من حق على العباد، ومعرفة عظمته، فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما ترجع معانيها.

ولم يقترن الحي إلا باسمه القيوم، وأن هذين الاسمين، مذكوران في القرآن معا في ثلاث سور، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل، إنهما الاسم الأعظم، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال، ويدل القيوم على معنى الأزلية والأبدية، ويدل أيضا على كونه موجودا بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود.

 

وورد الاسم الحي مقترنا باسم الله القيوم كما في قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ...)، وقوله سبحانه: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما)، وقوله عز وجل: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، فأثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا المعنى كله في دلالة القيوم على صفة الذات.

 

ورد في السنة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا اللهم إني أسأَلك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى”. وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين، (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم)، وفاتحة آل عمران: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم).

وجاء هذان الاسمان أيضا في أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر - يعني أهمه - يقول: “ياحي يا قيوم برحمتك أستغيث”.وحقيقة الاسم الأعظم بالتعيين فيها اختلاف، وأن لله تعالى حكمة في إخفاء هذا الاسم وتعيينه، ومن حكمة هذا الاسم أن يدعى الله بجميع أسمائه.

والحي سبحانه هو الدائم في وجوده الباقي حيا بذاته، لا تأخذه سنة ولا نوم، وهذا الوصف ليس لسواه أبدا، فلا ينفرد بكمال الحياة ودوامها باللزوم إلا الحي القيوم، قال تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت)، وقال: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين).

قال الطبري، وأما قوله الحي فإنه يعني الذي له الحياة الدائمة والبقاء الذي لا أول له يحد ولا آخر له يمد، إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلحياته أول محدود وآخر ينقطع بانقطاع أمدها وينقضي بانقضاء غايتها.

إنه حي لا يموت، لأن صفة الحياة الباقية مختصة به تعالى دون خلقه، فإنهم يموتون. والقيوم، المدبر المتولي لجميع الأمور التي تجرى في الكون، لا ينام، إذ هو مختص بعدم النوم والسِنة دون خلقه، فإنهم ينامون، بل هو سبحانه موصوف بصفات الكمال، لكمال ذاته، لا يزول ولا يأفل، أي لا يغيب، ولا ينقص ولا يفنى ولا يعدم، بل هو الدائم الباقي. وجاء اسم الله الحي مقرونا بتوحيد الألوهية والعبادة، كما في قوله تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين)، فاسم الله “الحي” يوضح أن كمال الحياة لا يكون إلا في الله وحده.

والله لا تأخذه سِنة ولا نوم، ولا تعتريه غفلة ولا سهو، وهذا الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه”. والقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره، الباقي أزلاً وأبداً، القائم بتدبير أمور الخلق وتدبير العالم بجميع أحواله وبأمر خلقه في إنشائهم وتولي أرزاقهم وتحديد آجالهم وأَعمالهم وهو العليم بمستقرهم ومستودعهم، وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا بقيوميته وإقامته له.

فالقيوم الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه، والباقي بكماله على الدوام دون تغيير أو تأثير، والقيوم صيغة مبالغة من القائم بالأمر، وهذا يعني المبالغة في العدد أي مهما زادت الأمور التي يقوم بها، ويعني أيضاً المبالغة في طريقة العمل بها أي الحكمة البالغة في معالجة هذه الأمور.

واسم الله “القيوم” يعني الذي لم يعتمد على غيره في وجوده ولا في قضاء حاجاته، والبقاء على الوصف أي لا يتغير، صفاته ثابتة، لا يطرأ عليها زيادة لأنها مطلقة، ولا يطرأ عليها نقصان لأن النقص ضعف، ومن لوازم صفة “القيوم”، المراقبة الدائمة، وعدم الغفلة، والحفظ المستمر، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن”.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 505 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,707