أحمد شعبان
أوصى الله تعالى ونبيه الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - ببر الوالدين وحسن معاملتهما والدعاء لهما وقرن الله تعالى عبادته ببرهما.
ويقول الدكتور محمد الدسوقي - أستاذ الفقه بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - اهتم الإسلام ببر الوالدين والدعاء لهما في أكثر من آية في القرآن الكريم قال تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)، استغفر نبي الله إبراهيم - عليه السلام - لوالديه قبل أن يثبت عنده أنهما عدوان لله وقيل استغفر لهما طمعاً في إيمانهما وقيل استغفر لهما بشرط أن يسلما وقد روي أن العبد إذا قال: اللهم اغفر لي ولوالدي وكان أبواه قد ماتا كافرين انصرفت المغفرة إلى آدم وحواء لأنهما والدا الخلق أجمع وقيل إنه أراد ولديه إسماعيل وإسحاق.
وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرً) “سورة الإسراء” قرن الله تعالى عبادته ببر الوالدين وأمر بالوالدين إحساناً وأوصى الله تعالى الإنسان أن يعاملهما معاملة حسنة ولا يسمعهما قولاً سيئاً ولا حتى التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ ولا ينهرهما ولا يصدر ضدهما فعلا قبيحا، بل أمرنا الله تعالى بأن نقول لهما قولاً حسناً وفعلاً حسناً وأن نقول لهما قولاً كريماً ليناً طيباً بتأدب وتوقير وتعظيم وأن نتواضع لهما ونخفض لهما جناح الذل وندعو الله أن يرحمهما في كبرهما وعند وفاتهما.
وقال الله تعالى عن بر الوالدين والعطف عليهما:
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا)، ، وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ)، يذكر تبارك وتعالى بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر وأخذ ميثاقهم على ذلك وأنهم تولوا عن ذلك كله وأعرضوا قصداً وعمداً وهم يعرفونه ويذكرونه فأمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وبهذا أمر جميع خلقه، ولذلك خلقهم وهو أعلى الحقوق وأعظمها حق الله تعالى أن يعبد وحده لا شريك له ثم بعده حق المخلوقين وأولاهم حق الوالدين ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين كما قال تعالى:
(... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
بر الوالدين
وجاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما صعد المنبر قال: “آمين آمين آمين فقالوا يا رسول الله علام أمنت قال أتاني جبريل فقال يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقل آمين فقلت: آمين ثم قال رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له قل آمين فقلت: آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل آمين فقلت: آمين”. وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال بينما أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم خصال أربع الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهو الذي بقي عليك بعد موتهما من برهما “وجاء جاهمة السلمي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال فهل لك من أم؟ قال نعم فقال: الزمها فإن الجنة عند رجليها” قالها ثلاث مرات وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب”.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - قال: “قلت يا رسول الله من أبر؟ قال أمك قلت ثم من؟ قال: أمك قلت ثم من؟ قال: أمك قلت: ثم من؟ قال: أباك ثم الأقرب فالأقرب” يفهم من هذا الحديث تقديم الأم على الأب في البر وحض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بر الأم ثلاثاً وعلى بر الأب مرة لعناء الأم وشفقتها لما تقاسيه من حمل وطلق وولادة ورضاعة وسهر ليالي وقد رأى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - رجلاً يحمل أمه على ظهره وهو يطوف بها حول الكعبة فقال: يا ابن عمر أتراني وفيتها حقها قال: ولا بطلقة واحدة من طلقاتها، ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً. وقال بعض العلماء بوجوب الاستغفار للأبوين في العمر مرة وليس شرطاً أن يكون هذا الاستغفار بعد وفاتهما فالإنسان إذا استغفر لوالديه بعد موتهما ينتفع والداه بهذا الاستغفار حتى إنهما يلحقهما ثواب كبير فيفرحان بهذا الثواب فيقول لهما الملك هذا من استغفار ولدكما لكما.
ثلاثة لا يدخلون الجنة
حذر الله تعالى ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - من عقوق الوالدين لأنه قد يكون سبباً في شقاء الإنسان العاق في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: “ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء” أي لا يدخل هؤلاء الثلاثة الجنة مع الأولين إن لم يتوبوا. ويجب الدعاء للوالدين بما ورد في كتاب الله والثابت من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - مثل: رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين. ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
ساحة النقاش