يقال إن العدل أساس الملك، وكذلك لا تتم الحياة بشكل سوي بلا عدل، بدءاً من الأسرة التي يجب أن يعدل فيها الأب أولاً بين أبنائه، وبين زوجته وأبنائه، وبين زوجته وأمه، إلى غيرها من تشكيلات المجتمع المختلفة.
وكثيرون منا يميزون بين أبنائهم دون قصد، فيزرعون بذور الاختلاف والحقد والحسد في النفوس.
ولا شك في أن الأمة التي يسوسها العدل يقر أبناؤها وينعمون بالخير والسلام والتكافل والتآزر.
العَدْل لغة ما قام في النفوس أنه مُسْتقيم، وهو ضِدّ الجَوْر، عَدَل يَعْدِلُ عَدْلاً وهو عادِلٌ من قوم عُدُول وعَدْلٍ، ومن أسماء الله سبحانه: العَدْل، هو الذي لا يَمِيلُ به الهوى فيَجورَ في الحكم، والعَدْلُ الحُكْم بالحق، يقال: هو يَقْضي بالحق ويَعْدِلُ.والعَدْلُ من الناس: المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه.
يروى أن ملكاً من الملوك خرج يسير في مملكته متنكراً، فنزل على رجل له بقرة تحلب قدر ثلاث بقرات، فتعجب الملك من ذلك وحدثته نفسه بأخذها، فلما كان من غد حلبت له النصف مما حلبت بالأمس، فقال له الملك: ما بال حلبها نقص أرَعَت في غير مرعاها بالأمس؟ فقال: لا ولكن أظن أن ملكنا رآها أو وصله خيرها فهمّ بأخذها، فنقص لبنها، فإن الملك إذا ظلم أو همّ بالظلم ذهبت البركة. فتاب الملك وعاهد ربه في نفسه ألا يأخذها ولا يحسد أحداً من الرعية، فلما كان من الغد حلبت عادتها، ومن المشهور بأرض المغرب أن السلطان بلغه بأن امرأة لها حديقة فيها القصب الحلو، وأن كل قصبة منها تعصر قدحاً، فعزم الملك على أخذها منها، ثم أتاها وسألها عن ذلك، فقالت: نعم، ثم إنها عصرت قصبة، فلم يخرج منها نصف قدح، فقال لها: أين الذي كان يقال؟ فقالت: هو الذي بلغك إلّا أن يكون السلطان قد عزم على أخذها مني، فارتفعت البركة منها، فتاب الملك وأخلص لله النيّة وعاهد الله ألّا يأخذها منها أبداً، ثم أمرها فعصرت قصبة منها فجاءت ملء قدح.
حافظ إبراهيم:
وراع صاحـــبَ كسرى أن رأى "عُمراً"
بين الرعية عطلاً وهــــــــــــو راعيها
وعهدُه بملـــــــــــوك الفُرس أن لها
ســــوراً من الجُند والأحراس يحميها
رآهُ مستغرقاً في نومــــــــــــــه فرأى
فيه الجلالــــــــــة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً
ببردة كاد طـــــــــــول العهد يبليها
فهان في عينيه ما كـــــــــــان يكبره
من الأكاسر والدنيا بــــــــــــأيديها
وقال قولة حـــــــــــق أصبحت مثلاً
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويهـــــــا
ساحة النقاش