أحمد محمد
كان لنبي الله يعقوب اثنا عشر ولداً ذكراً، وإليهم ينسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأعظمهم يوسف عليه السلام، وعن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم”، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن في أبناء يعقوب نبي غيره، وباقي إخوة يوسف لم يوح إليهم، إنه وإخوته من أربع زوجات ليعقوب هن ليئة وراحيل وزلفا وبلهة، ويوسف وبنيامين من راحيل.
وقصة نبي الله يوسف عليه السلام هي الوحيدة التي تكاملت في سورة واحدة في القرآن الكريم، وورد ذكره أيضاً في سورتي الأنعام وغافر.
رأى يوسف وهو صغير في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر قد سجدوا له، فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية، ورفعة عظيمة، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته كي لا يحسدوه، ويكيدوا له.
توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم، قال يعقوب “إني ليحزنني أَن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون”، ووافق الأب تحت ضغطهم، خرجوا ومعهم يوسف، اختاروا بئراً وألقوه فيها، وأوحى الله إليه أنه ناج فلا يخاف، وأنه سيلقاهم وينبئهم بما فعلوه.
عند العشاء جاء الأبناء باكين أخبروا أباهم، بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب وأكل يوسف، وجاؤوا على قميصه بدم كذب لطخوه به بغير إتقان ونسوا أن يمزقوا القميص، وأدرك يعقوب أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة.
القافلة
مرّت قافلة توقفت للتزود بالماء، وأرسلوا أحدهم فأدلى الدلو، تعلق يوسف به، ففرح الرجل بما رأى، ثم زهد فيه لأنه صبي صغير، باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة، واشتراه رجل من الطبقة الحاكمة في مصر، وزير من وزراء الملك، سماه القرآن “العزيز”، وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض، وعلمه من تأويل الأحاديث والرؤى.
كان يوسف أجمل رجل في عصره، وورد في الحديث الشريف انه أوتي نصف الحسن، وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان عليه مزيداً من الحسن، “وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأَبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أَحسن مثواي إنه لا يفلح الظَّالمون”، ويرفض النبي الكريم ارتكاب الفحشاء.
ادخلوه السجن فانتهز الفرصة، ليدعو إلى الله، مما جعل السجناء يتوسمون فيه الصلاح وراح يحدثهم عن رحمة الخالق وعظمته، جاءه سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بين لهما أن أحدهما سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في القصر، وأوصاه بأن يذكر حاله عند الملك، لكن الرجل نسي، فلبث في السجن بضع سنين.
رؤية
رأى الملك رؤيا، “وقال الملك إني أَرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون”، لكن المستشارين والكهنة لم يستطيعوا تفسيرها، ووصل الخبر إلى الساقي الذي نجا من السجن، وتذكر يوسف وأسرع إلى الملك وحدثه عنه فأرسله إلى السجن ليسأل يوسف، الذي قدم التفسير ومعه النصح وطريقة مواجهة المصاعب ويطلبه الملك، قال يوسف: “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”، وهكذا مكن الله له، وصار مسؤولاً عن خزائن مصر واقتصادها، وكبيراً للوزراء.
دار الزمن، وجاءت سنوات المجاعة وجاء إخوته، من البدو من أرض كنعان يبحثون عن الطعام، فدخلوا على عزيز مصر، وهم لا يعلمون أنه أخوهم، لكنه عرفهم، فلما دخلوا آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو.
وتحدث القرآن عن حاكم مصر في عصر يوسف بوصفه “الملك”، وتشير البحوث إلى أنه كان من الهكسوس ولا يخلو من فراسة، ويتجلى ذلك في اختياره ليوسف ليتولى” خزائن الأرض.
واحة الأمن
وتحولت مصر إلى واحة للأمن والأمان، ويوسف يدعوهم إلى التوحيد، ولم يستخدم سلطته في إكراههم على ترك معبوداتهم، فظلوا على ولائهم لها، مع إيمانهم برسالته وإقرارهم بعدله وفضله، ويدل على ذلك قول مؤمن آل فرعون بعدها بعدة قرون في عصر موسى حين كان يعظ قومه المصريين “ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا”.
تمتع المصريون في عهد يوسف بالعدل الاقتصادي وحرية المعتقد، ويشير التاريخ إلى أن بني إسرائيل كانوا في تمكين وعز أول الأمر، يوم أن جاءوا من الشام إلى مصر، وقد كانت كل البلاد من حولها تعاني مجاعة عظيمة، فجاء الجميع إليها ليأخذوا من قمحها وأرزها وطحينها، وممن جاءوا إخوته يشكون الجوع والقحط في أرض الشام.
ساحة النقاش