د. محمد مطر الكعبي
ذكر الله تعالى الأرض في كتابه العزيز، وغالباً ما تقترن معها السماء، وبين السماء والأرض يتقلب هذا الإنسان، وهو بالأرض ألصق، وقد بين القرآن الكريم أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة، قال تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا)، وبعد هذا الفتق والفصل بين السماء والأرض جعل الحق سبحانه وتعالى هذه الأرض صالحة لحياة الإنسان، فوضع فيها قانونها الذي يجمعها بالسماء، قال عز وجل: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع، وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)، فالسماء ترجع بالماء على الأرض، والأرض تتصدع بالنبات، وهذا نظام الكون، ووضع فيها ما يجعلها قائمة مستقرة مستمرة لهذا الإنسان في المنظومة الكونية، قال سبحانه: (وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ)، وكم في الأرض والسماء من آيات ودلالات جاء القرآن الكريم لينبه إليها وللاستفادة منها، وقد خلق الله تعالى هذه المنظومة الكونية، وخص الأرض والسماء بتفصيل ما خلق في كل واحدة، قال عز وجل: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)، وقال تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ)، وهنا جاء وقت دحيها وتكويرها، قال سبحانه (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) أي جعلها كروية، وقال تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ).
لقد أكد القرآن الكريم على أن جميع نظم هذا الكون والأرض خاصة قد هيئت ليعيش فيها الإنسان ويستثمرها ويعمرها ويبنيها، قال سبحانه: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى،كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى)، وقال عز وجل: (وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ) وقال تعالى: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ، وَالْحَبُّ ذُو العَصْفِ وَالرَّيْحَانُ)، وكل هذه المذكورات هي قوام حياة الإنسان ووجوده وفيها من الدلالات ما فيها، والحق سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يتأملوا هذه الدورة الكونية فيعرفوا الروابط والعلاقات بينها، وفي طيات ذلك أسرار هذا النظام الكوني الذي يستطيع الإنسان أن يسخره ويستفيد منه إلى أبعد مدى، وهذا الذي كان ولا زال مستمراً، قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً، لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً)، والسبل هي الطرق التي يسلكها السالكون فيحققون المنافع والتواصل، ومنها الظاهر المكشوف، ومنها الذي يكشفه الإنسان أو يصنعه، قال سبحانه: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً، وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً) كل هذا التيسير والتسخير الأرضي للإنسان ليكون فيها مصلحاً يبنيها، قال عز وجل: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، فالغاية عمرانها وهي إرادة الله، وكل ما خالف هذه الإرادة لا يقبله ولا يرضاه سبحانه، أليس حرياً للبشرية اليوم أن تحافظ على وجودها بالمحافظة على هذه الأرض ونظامها وأن يتعايشوا على سطحها؟
د. محمد مطر الكعبي
ساحة النقاش