ابن بطوطة أمير الرحالة المسلمين

عمرو أبو الفضل

 الرحالة ابن بطوطة كان مؤرخاً وقاضياً وفقيهاً، أمضى حياته في الترحال والسفر بين المدن والبلدان، وسجل مغامراته ومشاهداته وما رآه فيها من ثقافات متنوعة وعادات وتقاليد، ولسبقه لقب بأمير الرحالة المسلمين.

ويقول الدكتور كارم غنيم، رئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسُنْة، وُلد محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف بن اللواتي الطنجي، الشهير بابن بطوطة، سنة 1304 ميلادية - 703 هجرياً، بمدينة طنجة بالمغرب، ونشأ في كنف أسرة حسيبة اشتهرت بالعمل في القضاء والفتوى، وبدأ طلب العلم بحفظ القرآن الكريم، وتلقى دروسه الأولى في الفقه والأصول والحديث والتفسير وعلوم الشريعة، وفقاً للمذهب المالكي السائد في أقطار المغرب، وأتقن اللغتين التركية والفارسية، وشغف منذ صباه بقراءة كتب العرب التي تتناول البلدان من الناحية التاريخية والجغرافية، مثل كتاب “المسالك والممالك” لابن خرداذبة، و”مسالك الممالك” للأصطخري، مما حبب إليه السفر والمغامرة والتعرف على ثقافات الشعوب، وارتحل وهو في الحادية والعشرين من عمره إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، والتوسع في دراسة الشريعة في بلاد العرب، وبدأ رحلته الأولى في عام 725هـ - 1326م، من مدينة طنجة، حيث طاف بأنحاء المغرب الأقصى، ثم اتجه نحو الشرق عبر الجزائر أو المغرب الأوسط، ثم إلى تونس وليبيا، وانتهى به المطاف في مصر. ومن الإسكندرية اتجه جنوباً إلى القاهرة ثم إلى الصعيد حتى وصل إلى ميناء عيذاب على ساحل البحر الأحمر، وعاد ابن بطوطة إلى القاهرة.

في آسيا

 

تابع ابن بطوطة رحلته إلى مكة المكرمة عن طريق بلاد الشام، وبعد أداء فريضة الحج اتجه إلى العراق وإيران وبلاد الأناضول، ثم عاد إلى الحجاز وحج للمرة الثانية، وبقي في مكة سنتين. وفي عام 730هـ/ 1329م غادر الحجاز متجهاً إلى بلاد الخليج العربي، فدخل البحرين والاحساء واليمن وعمان، وارتحل إلى بلاد الروم، ومنها عاد إلى مكة ليحج للمرة الثالثة، ثم قطع البحر الأحمر فوصل إلى وادي النيل كي يحاذيه باتجاه الشمال قاصداً سوريا، ومنها ركب البحر من اللاذقية قاصداً آسيا الصغرى حيث نزل ميناء آلايا، ومنه إلى ميناء سينوب على البحر الأسود، ثم قصد شبه جزيرة القرم، وتوغل حتى بلاد روسيا الشرقية.

 

وهناك انضم إلى سفارة السلطان محمد يزبك الذاهبة إلى القسطنطينية، وعاد إلى القرم كي ينطلق منها إلى بخارى وبلاد الأفغان، إلى أن وصل إلى دلهي على نهر الجانج فاستقر بها مدة عامين، عمل خلالهما قاضياً للمذهب المالكي.

وحاول ابن بطوطة أن يرافق بعثة سياسية أرسلها سلطان الهند محمد شاه إلى ملك الصين، فلم يتجاوز جزائر - ذبية المهل - حيث استقر مدة سنة ونصف السنة تولى فيها منصب القضاء، وبعدها استمر في رحلته عن طريق ساحل البنغال، ودخل بلاد الهند الشرقية وجزر إندونيسيا، واتجه إلى زيارة الثغرين الصينيين زيتون - تسوتونج - وكانتون، بعدها عاد إلى الجزيرة العربية عن طريق سومطرة والهند في 748هـ - 1347م، ومنها صعد في الخليج العربي، وعاد إلى بلاد فارس عن طريق ميناء هرمز، ثم سافر إلى العراق فبلاد الشام، فمصر، ومنها انطلق إلى مكة ليؤدي فريضة الحج للمرة الرابعة، وواصل سيره عائداً إلى بلاده عبر مصر وتونس والجزائر حتى وصل فاس في المغرب الأقصى عام 750هـ - 1349م.

بلاد الأندلس

وبعد أن أقام ابن بطوطة في فاس لمدة عام، عاوده الشوق والحنين إلى الارتحال، فقام برحلته الثالثة عام 751هـ - 1350م إلى غرناطة بالأندلس، ثم فاس ليهيئ نفسه لرحلة إلى أفريقيا الغربية عام 754هـ - 1353م، فدخل تومبوكتو وهكار، ومنها عاد إلى المغرب عن طريق مدينة توات، ليستقر هناك فانقطع إلى السلطان أبي عنان فارس المريني الذي أعجب برحلات وأسفار ابن بطوطة وقصصه المشوقة، فطلب منه أن يمليها على كاتبه محمد بن جزي الكلبي، وقام بتسجيل أخبار رحلاته وما فيها من أحداث وعجائب وغرائب وأخبار وتقاليد وعادات الشعوب، ولكل ما صادفه من أماكن وشخصيات ومعالم وأخطار وغيرها من الأمور الشيقة، بمدينة فاس سنة 756 هـ، في كتاب سماه “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” وعرف بعدها بـ “رحلة ابن بطوطة”، وصار من أهم المراجع وأقدمها ودليلاً للجغرافيين العالميين ولكثير من المهتمين بالإطلاع على كل ما يتعلق بثقافات الشعوب والبلدان.

واكتسب شهرة عالمية باعتباره وثيقة تاريخية وجغرافية مهمة، لما ذكره فيه من وصف البلاد وجوها وتربتها وجبالها وبحارها ومن ضبط دقيق لأسماء الرجال والنساء والأماكن والمدن والزوايا وغيرها.

وتُرجم هذا الكتاب إلى عدة لغات أوروبية، منها البرتغالية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، ونشر بها، وذكرت الدراسات أن ابن بطوطة هو الرحالة الوحيد في العصور الوسطى الذي فاق “ماركوبولو” وكل رحالة عصره، حيث قطع نحو 120 ألف كيلومتر، واستغرقت رحلته ما يزيد على 29 عاماً، واعترافاً بفضله لقبته جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالة المسلمين. وأدركته المنية في سنة 779 هـ/1377م، بمدينة مراكش، ويوجد ضريحه بالمدينة القديمة.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 293 مشاهدة
نشرت فى 30 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,581