الطيور تحيط بالإنسان، وليس هناك مكان يخلو منها، وهي أنواع كثيرة جداً، وتختلف في ألوانها، ومما ينبغي أن يُعلم أن الطيور أمة من الأمم لها نظامها وحياتها ولغاتها وأماكن عيشها، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
هذا العالم عالم الطيور له لغته الخاصة كما جاء ذلك في القرآن الكريم، قال سبحانه: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ)، ومن منطق الطير عبادته وتسبيحه وذكره وشكره كما قال تعالى في القرآن الكريم: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)، وقال سبحانه: (إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ).
أما عن مهمة الطيور وتعريفها في خدمة الإنسان فقد ذكر القرآن الكريم الطير الأبابيل التي دمرت أصحاب الفيل، قال تعالى: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)، وقال سبحانه: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، فكانت الطيور من جملة جنود سليمان التي تحرس مملكته، وتؤدي وظائف فيها جليلة، وقال عز وجل في ذلك: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغَائِبِينَ) إلى قوله تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ)، فقال له سليمان عليه السلام: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ). لقد كانت مهمته نبيلة لا يقوم بها إلا السفراء الأكفاء النابهون، فأداها هذا الطير على أحسن وجه وأكمله، وقد عملت بعض الدول على تسخير الحمام الزاجل في نقل الأخبار والرسائل نظراً لسرعتها وخفتها واهتدائها في الطرقات البعيدة أكثر مما يهتدي إليه العقلاء المجربون، وهذا الاهتداء في فجاج الأرض حيَّر الباحثين، وكيف تنتقل هذه الطيور في هجراتها من بلاد إلى بلاد أخرى بعيدة قد تبلغ آلاف الأميال، ثم تعود إلى أماكنها وأعشاشها عند انتهاء موسم عطلتها وهجرتها، وقامت دراسات كثيرة، والأمر لا يزال يحتمل البحث والنظر.
والأمر الذي نبه القرآن الكريم إليه ليكون محل الدرس والاستفادة من عالم الطيور هو طيرانها في جو السماء، قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، ويقول سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) فشكلها وتكوينها وأعضاؤها قد جعلها الله تعالى مثالاً، وقد حذا حذوها الإنسان وهو يبتكر أنواع الطائرات، ويركب متنها في جو السماء، وكل نوع من أنواع هذه الطائرات تقلَد فيه الطيور التي سخرت كل صنف لغاية وهدف، ألا يستحق ذلك أن نقف في محراب القرآن الكريم خاشعين ولنعمة الله ذاكرين؟
د. محمد مطر الكعبي
ساحة النقاش