أحمد محمد

الأسماء الحسنى تزيد المسلم معرفة بالله، وحسن ظن به، ومحبة له، وخشية منه، وإحصاؤها من أعظم أسباب دخول الجنة ومحبة الله، وإجابة الدعاء وتفريج الهموم والشفاء، وتؤثر بإذنه تعالى في دفع الضرر، فلا يضر مع اسم الله شيء في الأرض ولا في السماء، و”الخالق” من أسماء الله تعالى، وهو الذي أوجد جميع الأشياء بعد أن لم تكن موجودة، وقدر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة، هو الذي ركب الأشياء تركيبا، ورتبها بقدرته ترتيبا.

ورد اسم “الخالق “ في القرآن الكريم، في أحد عشر موضعا، منها قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، “الحشر: الآية 24”، أيضاً في قوله تعالى: (... هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ...)، “فاطر: الآية 3”، وورد بصيغة المبالغة “الخلاق” في موضعين من القرآن في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ)، وقوله: (بَلَى وَهُوَ الْخَلاًقُ الْعَلِيمُ)، وفي الحديث الصحيح: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”.

اسم “الخالق” يعني أن الله أوجد كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، بينما إذا وصف الإنسان مجازا بأنه خالق فيعني أنه صنع شيئاً واحداً من كل شيء، وعلى مثال سابق، “هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه”.

 

ومن معاني الخلق إبداع الشيء من غير أصل، ولا مثال سابق، وإيجاد شيء من لا شيء، الخلق بمعنى تقدير الأمور وتنفيذها، التقدير أولاً والتنفيذ ثانياً، (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ....)، “المؤمنون: الآية 14”، فمن مراحل الخلق، أن الخالق يقدر أولاً بعلم مسبق، ثم يوجد ويصنع.

 

الخلق بمعنى الإيجاد والإنشاء، وهو خاص بالله تعالى، قال تعالى: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)، “النحل: الآية 17”، وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ)، “النحل: الآيتان 19 - 20”، وقال تعالى: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، “الرعد: الآية 16”.

والخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى، فالخالق هو الذي قدر بعلم وصنع بقدرة فخلق الشيء من العدم، والخلاق صيغة مبالغة من الخالق الموصوف بخلق غيره، يخلق ما يشاء (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا)، “النساء: الآية 133”، فهو الذي يبدع في خلقه، بقدرته المطلقة، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان.

وخلاصة ما ذكره العلماء في معنى الخالق أنه من التقدير وهو العلم السابق، أو القدرة على الإيجاد والتصنيع والتكوين والحقيقة أن معنى الخالق قائم عليهما معاً، والله سبحانه وتعالى خلق الكون كله من العدم بقوله: كن فيكون وكل شيء عدا الله عز وجل مخلوق له خاضع لأمره، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)، “الفرقان: الآية 2”، وقوله تعالى: (... قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، “الرعد: الآية 16”.

ولا يقدر أحد غير الله على أن يخلق كائناً حياً يدرك ذاته ويدرك الكون المحيط به ويدرك خالقه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)، “الحج: الآية 73”.

لقد صنع الإنسان السيارة والقطار والطائرة والصاروخ والقمر الاصطناعي والتلفاز والمذياع، وغير ذلك كثير، ولكن البشرية جمعاء لن تستطيع خلق ذبابة ولو اجتمعت في صعيد واحد، والسبب هو أن الذبابة كائن تدب فيه الحياة بنفخة من الله عز وجل لا يملكها سواه. ومن معجزات الخلق أيضاً أنه بين الكاف والنون، فالحق سبحانه وتعالى إذا أراد أن يخلق شيئاً فإنما يقول له “كن فيكون” دون أدنى جهد أو إعياء، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، “آل عمران: الآية 59”، أيضاً الحق تبارك وتعالى يخلق ما يشاء، فإذا أراد أن يخلق شيئاً فلن يحول دون هذا الخلق حائل، وقد أكد جل وعلا هذه الحقيقة بقوله تعالى: (... قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ...)، “آل عمران: الآية 47”.

والخلق الإلهي محكم مبني على علم إلهي مطلق، فإذا تأملنا الكون وما به من تكامل وتناسق بين المخلوقات علمنا مدى القدرة الإلهية على الخلق والإبداع، فالخلق إذن ليس عبثاً وليس زوالاً وفناء، وإنما لحكمة أرادها سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)، “الذاريات، الآية 56”.

وكان الإنسان أعظم خلق الله الذي دل على قدرة الله سبحانه وتعالى، وعظمة إعجازه، فالإنسان مكون من روح ومادة فلا يوجد شيء في الوجود ولا في الكون يضاهي خلقه قال تعالى: “ثم أنشأناه خلقا آخر”.

وقد قال الأزهري، ومن صفات الله تعالى الخالق والخلاق، ولا تجوز هذه الصفة لغير الله عز وجل، وهو الذي أوجد الأشياء جميعها، بعد أن لم تكن موجودة، وأصل الخلق التقدير، وكلمة الخلق يستعملها كثير من الناس في غير موضعها وهي خاصة بالله رب العالمين، وذلك عند قصد الإيجاد والإنشاء.

ويكثر في القرآن الكريم الاستدلال على الكفار باعترافهم بأن الله وحده هو الخالق، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ...)، “العنكبوت: الآية 61”.

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 169 مشاهدة
نشرت فى 28 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,969