أحمد محمد (القاهرة) ـ كان الناس بعد آدم عليه السلام في أول طريق الحياة، لا يملكون معلومات ولا أشياء تساعدهم على العيش، فاحتاجوا لمعرفة الأدوات والمعارف العلمية، وكان كل أهل تلك الأزمنة البدائية صالحين، لا تشوبهم ضلالات ولا كفر، وورد ببعض الأخبار أن الملائكة كانت تظهر عيانا أمامهم وتسلم عليهم.

ولما مات آدم قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث، وكان نبياً، فلما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل، فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام، وكان أول من أعطى النبوة بعد آدم وشيث، وأكثر وأكبر دعوة منهما، لأن الله لم يذكر دعوتهما مطلقا.

ذكره الله في القرآن الكريم مرتين من دون أن يذكر قصته أو قصة القوم الذين أُرسل إليهم، قال تعالى: “وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين” “الأنبياء: 85”، وقال تعالى: “واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ورفعناه مكاناً علياً” “مريم-56و57”.

ويقول أصحاب السير أن إدريس كان صديقاً نبياً ومن الصابرين، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة، ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابة العزيز، وذكره في القرآن باسمه، وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.

ويروى أن إدريس عليه السلام كان خياطا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال سبحان الله، فكان يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً، وكان يسبح الله في اليوم بقدر ما يسبح جميع أهل زمانه في نفس اليوم، لذلك فهو أعلاهم منزلة.

قواعد التمدين

هو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبسها، وأول من نظر في علم النجوم وسيرها، وأول من صنع الأدوات والآلات، وأول من استخدم الدواب أو الخيول للهجرة وللجهاد، وأول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدنا في أرضها، وأنشئت في زمانه 188 مدينة.

ويقول المؤرخون إنه ينتسب إلى أمة “السريان” أقدم الأمم، وملتهم هي ملة الصابئين - نسبة إلى صابي أحد أولاد شيث – وقد أخذ الصابئون دينهم عن شيث وإدريس، وإن لهم كتابا يعزونه إلى شيث ويسمونه “صحف شيث”، ويتضمن الأمر بمحاسن الأخلاق، والنهي عن الرذائل، وأصل دينهم التوحيد وعبادة الخالق جل وعلا، ودعا إدريس إلى تخليص النفوس من العذاب في الآخرة، والعمل بالعدل، وحض على الزهد، وأمر بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر وشدد فيه.

ذكر بعض أهل التفسير والأخبار أن سيدنا إدريس اشتهر بالحكمة، وقيل إنه كان في زمانه اثنان وسبعون لساناً يتكلم الناس بها، وقد علمه الله تعالى منطقهم جميعا لُيعّلم كل فرقة منهم بلسانهم.

وذكر ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق، عن ابن عباس قال إن إدريس أول نبي بعث بعد آدم، فكان بين موت آدم وبعث إدريس مئتا سنة، لأن آدم عاش ألف سنة إلا أربعين عاما، وولد إدريس وآدم حي فمات آدم وإدريس ابن مئة سنة، فجاءته النبوة بعد موت آدم بمئتي سنة، وكان في نبوته مئة وخمس سنين، فرفعه الله وهو ابن أربعمئة وخمس سنين، وكان الناس من آدم إلى إدريس أهل ملة واحدة متمسكين بالإسلام وتصافحهم الملائكة، فلما رفع إدريس اختلفوا وفتر الوحي.

“مكاناً عليا”ً

اختلف العلماء في مولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر، والأول هو الأرجح، وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، ولما كبر آتاه الله النبوة، فنهى الناس عن مخالفة شريعة آدم وشيث، فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع غفير كانوا من المنتسبين إلى قابيل، فنوى الرحيل عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل “بابل” فقال إذا هاجرنا رزقنا الله غيره، فخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق.

سأل ابن عباس كعب الأحبار عن قول الله تعالى عنه “ورفعناه مكاناً علياً” فقال كعب إن الله أوحى إليه، أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم “من أهل زمانه” فأحب أن يزداد عملا، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال له إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملا، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرا، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت يا للعجب، بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض، فقبض روحه هناك.

«إدريس» في السماء الرابعة

المتفق عليه أنه في السماء الرابعة، وهو قول مجاهد وغير واحد، وقد مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإدريس ليلة الإسراء والمعراج، وهو في السماء الرابعة، فسلم عليه فقال: “... فأتيت على إدريس فسلمت، فقال مرحبا بك من أخ ونبي” “البخاري”.

وفي حياة إدريس بدأ الناس محاولة تخليد ذكرى الصالحين منهم ببناء التماثيل لهم للاقتداء بهم، فنهاهم عن ذلك، وكانت تلك بداية ارتكاب المحرمات، وعند وفاته أوصى إدريس ولده أن يخلصوا عبادة الله وحده.

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 58 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,531