تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص، أي في شدة واختلاط، أي وقع في ضيق وشدة لم يجدوا منهما مخرجاً، وقيل اختلط عليه الأمر والتبس، ومعنى هاتين الكلمتين “الشدة والاختلاط”.
وحيص بيص: جحر الفأر لضيقه، كما ذكر ابن منظور في لسان العرب. حيص بيص هو الأمير أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي الملقب شهاب الدين المعروف بحيص بيص وهو شاعر مشهور، كان فقيهاً شافعياً، وغلب عليه الأدب والشعر، وله ديوان شعر وتكلم في مسائل الخلاف ونظم الشعر، وأجاد فيه مع جزالة لفظه، وله رسائل فصيحة بليغة.
قيل: سبب تسميته بالحيص بيص أنه كان العسكر ببغداد قد همّوا بالخروج إلى السلطان السلجوقي، وذلك في أيام المقتفي لأمر اللّه، فكان الناس من ذلك في حديث كثير وحركة زائدة، فقال ما لي أرى الناس في حيص بيص فلقب بذلك فبقي عليه هذا اللقب.
والذي ألصق به هذا النعت أبو القاسم هبة اللّه بن الفضل.
كان حيص بيص من أخبر الناس بأشعار العرب واختلاف لهجاتهم، وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زي العرب ويتقلد سيفاً، كان إذا سئل عن عمره يقول: “أنا أعيش في الدنيا مجازفة”، لأنه لا يحفظ تاريخ مولده.
يقال: وقع القوم في حَيْصَ بَيْصَ، وحِيصَ بِيصَ وحَيْصِ بَيْصِ وحاصِ باصِ أي في ضِيق وشدّة، والأصل فيه بطنُ الضَّبِّ يُبْعَج فيُخْرج مَكْنُه وما كانَ فيه ثم يُحاصُ، وقيل: أي في اختلاط من أمر لا مخرج لهم منه؛ وأنشد الأصمعي لأمية بن أَبي عائذ الهذلي:
قد كنتُ خَرَّاجاً ولُوجــــاً صَيْرَفاً
لم تَلْتَحصْني حَيْصَ بَيْصَ لحَاصِ
ونصب حَيْصَ بَيْصَ على كل حال، وإذا أفْرَدُوه أجْرَوْه وربما تركوا إجْراءَه.
وقيل حَيْصَ بَيْصَ اسمان جُعِلا واحداً وبُنِيا على الفتح مثل جاري بَيْتَ بَيْتَ، وقيل: إنهما اسمان من حيص وبوص جُعِلا واحداً وأخرج البَوْصَ على لفظِ الحَيْصِ ليَزْدَوِجا.
والحَيْصُ الرَّواغُ والتخلّف والبَوْصُ السَّبْق والفِرار، ومعناه كل أمر يتخلف عنه ويفرّ.
من أبياته الشهيرة:
ملكنا فكــــان العفو منـا سجية
فلما ملكتم سال بـــــالدم أبطح
وحللتم قتل الأســــــارى وطالما
غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فحسبكـــــم هذا التفاوت بيننا
وكل إنــــــــاء بالذي فيه ينضح
ساحة النقاش