أسس وقواعد الرواية والدراما من القرآن .. فتحى حسان محمد

أسس الدراما

( البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية )

الاس الثانى من أسس القصة الدرامية

الابتلاء أو الامتحان

تعريفه المبسط : نقطة ارتداد

 

 {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }البقرة155

    الابتلاء هو سنة مؤكدة من سنن الله فى خلقه جميعا المؤمن منها والعاصي ، ولا يستطيع إنسان مهما بلغ على رده ، فهو قضاء الله وقدره الذى قدره على جميع البشر، وهو أيضا القوة الأولى التى تهدد الإنسان فى سبب سعادته وقوته ، ولا قبل له على رده أو منعه أو مقاومته ، فهو واقع به لا محالة ، وكل ما يستطيع الإنسان فعله بإزائه هو تحمله بصبر وعزيمة وإيمان معترفا بضعف قوته أمام قوة الله التى لا تغالب ولا ترد مستعينا به عليها آملا أن يخففها عنه أو يعوضه بأسباب أخرى لسعادته التى يسعى لتحقيقها والنجاح فيها ، فليس هنالك من يود أن يعيش تعيسا محزونا فاقدا للأمل الذى هو مادة الحياة وسر الاصطبار على مغالبتها وصعوباتها ، معتمدا على وعد الله الذى قطعه على نفسه العلية بأن يرفع آثار البلاء للصابرين المحتسبين بانفراجة من يسر من عنده تعالى0

   الابتلاء - كما سنوضح - هو أهم وحدات القصة حيث هو الذى يميز ويفرق بين أنواع القصص سواء كانت مأسملهاة بأنواعها ،  أو مأساة بأنواعها ، أو ملهاة0 حيث هنا فى المأسملهاة لا بد للبطل أن ينجح فى الابتلاء0

   الابتلاء أو الامتحان أو الاختبار هو المصيبة الكبرى والبلية العظيمة التى تنزل بالبطل وتهدد سعادته وقوته وتفوقه ، وهو يحاول المحافظة عليها بكل ما أوتى من قوة  ولكنه يصارع قوى كبرى أشد منه وأفتك ألا وهو فرض الله وقضاؤه الذى فرضه على جميع الناس  ، ولذا لا قبل له مهما فعل أن ينتصر ويحتفظ بقوته وأسباب سعادته على الإطلاق  0 ولكنه يظهر نبل البطل من وضاعته خيره من شره ، نجاحه من خسرانه  ولابد للبطل أن ينجح فى الاختبار ، وما من سبيل للنجاح فيه  إلا تحمل الابتلاء بصبر وعزيمة وقبول ورضا وشكر لله ، والابتهال والاعتراف له أنه الأقوى والأجل ومن بيده كل شيء وأن قوته لا تمثل شيئا يذكر بالنسبة إلى قوته تعالى ، ويعترف بعجزه أمام القوة العليا التى هى الله 0 

    الابتلاء يكون فى نفسه أو عقيدته أو عزيمته أو ماله أو ولده أو عرضه  ، مما يعطله عن حاجته ويفعل المستحيل من أجل الوصول إليها، بل تسد أمامه كل الأبواب المفتوحة ، فيصارعهم ويحاول دفع الأذى عن نفسه 0 ويجد التكالب من كل صوب ، مجبرا أن يواجه الجميع ، مع أنه لا يمتلك شيئا من وسائل الدفاع إلا مقوماته الشخصية التى يمتاز بها وهى كل ما يملك  ، وتحدث المفارقة ، أن ما يمتاز به يكون سببا فى بلائه ؛ لأنهم يطمعون فيما يمتاز به وأداته الوحيدة الفعالة ، ويحاصرونه من كل جهة إما أن يتنازل ويقدم لهم ما يمتاز به ، وإما أن يجبروه ليسلك طريقا يبعده كل البعد عن حاجته وهدفه ، فيضطر لاختيار الصعب فليس أمامه غيره يبقى له من شيء يمتلكه ليعينه على مواصلة طريقه للحصول على حاجته وتحقيق هدفه النبيل ، ويسير فى طريق وحيد يبعده كل البعد عن حاجته نظرا لتمسكه بما يمتاز به رغم التهديد والوعيد  فيحاول أن يجتهد بعلمه وخبرته وإخلاصه يفعلها عساها تساعده فى الوصول إلى حاجته ، وتفتح له طريقا ينفذ منه ويخرج من ورطته ، ويلتمس طريقه الصحيح الذى رسمه نحو غايته 0

     الابتلاء هو الفرض من الله الذي لا يغالبه غالب  هو التهديد القوى الواقع لا محالة – يهدد سبب سعادة البطل ، أو سبب قوته ، أو سبب ميزته ، أو ما هو ناجح فيه ، ليفقده هذا السلاح أو هذه الميزة أو تلك الخاصية ، أو سبب السعادة هذا ، مما يسبب تغير خط مساره ، ويجلب الحزن الشديد والذي ليس له علاج غير الصبر 0 والابتلاء هو مصيبة كبرى وبلية عظيمة ، وأزمة جبارة ، ومانع قوى ، تحيق بالبطل تعطله عن حاجته وتصرف همته وقوته إلى شيء لم يكن فى حسبانه ، ولذلك يتوقف هدفه إلى حين التغلب على المستجد الذى يمنعه بل يهزمه ويصرعه ، ويحاول أن يجمع ما تبقى له من  قوة وعزيمة  ويسخرها لتكون مطية للصبر على ما هو فيه من بلاء عظيم وحزن عميق ، أصابه فى مقتل من التسريح من عمله لو كان عمله مصدر سعادته ومكانته ، أصابه فى ولده بفقدانه بالموت  لو كان الولد مصدر سعادته وتفاخره وكل رأس ماله ومبتغاه من الدنيا ، أو إصابة بالغة فى ماله بذهابه وخسرانه دفعة واحدة  لو كان هذا المال مصدر سعادته وقوته ومكانته ونفوذه 0

    الابتلاء هو تعجيز كامل للبطل ، حتى يستذل ويتضرع ويعترف بعجزه وتواضع قوته أمام القوة العليا التى هى الله الذى لا يغلب أبدا 0حتى يمر من هذا الابتلاء الذى يحزنه ويجهده ويرهقه ، ويفقده أسباب قوته وسعادته ، ويحيلهم إلى عكسهم تماما ، ويجاهد فيه تمام المجاهدة ، وهو متمسك بحاجته وهدفه ولا تكون المجاهدة من سبيل لها إلا الصبر فهو الأداة الوحيدة التى يمتلكها البطل فى الخروج من الابتلاء منتصرا، مع أن الابتلاء يجبره على تغيير خط مساره إلى عكسه تماما ، وتتمثل البلية التى هى من الله ولكن وقعها وتحقيقها يكون من خلال مصارعيه الذين يتمكنون منه ، وينزلون به النوازل ، ويفقدونه سبب قوته وسعادته وما يمتاز به عنهم  ، المصارعون للبطل هم الذين يقيضهم الله ويحملهم  إنزال الاختبار عليه لأنهم يصارعونه ويحاولون القضاء  فيما يمتاز به ، من أجل الاستحواذ عليه 0

     الابتلاء هو الوحدة التى يجب أن تستغلها جيدا والتىتحزن البطل ، وتحزننا نحن حتى تستلب تعاطفنا وخوفنا وحزننا على إنسان مثلنا نزلت  به نازلة ، الحزن هو أكثر ما يستنهض الأحاسيس ويؤثر فيها أثرا عظيما يجعلها فى حالة فوران دائم ، وتستشيط بركان المشاعر التى تصل إلى أعلى درجاتها من التفاعل المرهق الذى ينشد الراحة ومتشوق لها متى تحل ولكن من يمكنه من ذلك  ، ويفور طوفان  العواطف , مما يجعل الروح فى حالة تلاحم حقيقية مع ما تشاهده لإنسان بطل يتحمل كل هذا الحزن لما نزل به يهد أعتي الجبال ، وهذا التوحد وتلك المشاركة الوجدانية الحقة لا يجد المشاهد حيالها شيئا مجديا لبطله الذى يحبه ويريد أن يساعده بأي طريقة فيلجأ إلى الله مثله ، ويتضرع ويتذلل لله من أجله 0

   الابتلاء هو نقطة تحول جبارة فى خط الأحداث ، وهو عادة حادثة أو حادث يقع للبطل و يؤثر فيه تأثيرا عظيما ، و يجبره على تغيير مسار خط سيره السليم الذي يسير فيه باتجاه حاجته ، أو على الأقل يعطله عن حاجته ، ويصرفه إلى حاجة أخرى لم يكن يقصدها  0 فإن الابتلاء يقع ليبعده كل البعد عن طريقه وينسجه باتجاه آخر عكس ما يريد ويعتقده ، ويعتبر أزمة كبرى لا يستهان بها ، يجاهد من أجلها البطل من أجل التغلب عليها جل المجاهدة0

   الابتلاء يعتمد على المفارقة الكبرى ، بمعنى أن سبب سعادة البطل وسبب قوته ونجاحه ، هى نفسها سبب شقائه وتعاسته وفشله ، ومع ذلك يحاول البطل استعادة أسباب قوته أو استنهاضها من جديد حتى ينجح فى ذلك ويفعلها ليعاود الاعتماد عليها ولا يفقد ثقته بها ، بل تكون النواة لزاده من جديد وسبب نجاحه الأول ومصدر قوته فيعمل على استعادتها ، وأن انكسارها أو خسرانها لم يفقده بقوة بشرية مجابهة له بل فقدها وهو مجبر عليها لأن القوة التى أفقدته قوته هى قوة عاتية كبرى لا قبل لأي إنسان سواء بطلا أو غير ذلك على ردها أو التفوق فيها أبدا ، وقوة الانتصار والتغلب عليها هى مدى تحملها دون اللجوء إلى الرذيلة أو معصية الله بالخروج عن طاعته ومحاولة الهروب إلى قوة أخرى وهو قوة الشيطان الذى يمد يده للبطل فى اللحظة المناسبة لحظة الانهزام لحظة الخسارة 00لحظة الحزن ، وإن استعان البطل بهذه القوة الواهية يكون الخسران الكامل ، لأنه يعرف أنها قوة ولكنها مضللة ستجلب له العقاب من القوة العليا التى يعرف أنه لا يستطيع ردها أو مقاومتها 0 ولكنه يعرف أنه عند تحملها تكافئه القوة العليا بأسباب قوة وأسباب نجاح أخرى ، أو تعيد إليه أسباب قوته التى فقدها ، وهنا مكمن الامتحان الصعب هل يصبر ولا يثير غضب القوة العليا أم لا يصبر ويثيرها ويقدم لها المبرر لعقابه وخسرانه الخسران العظيم الذى لن ينجح فيه أبدا وعليه فلن يحصل على حاجته ، ولن يتمكن بأى حال من الأحوال من تحقيق هدفه ، من المؤكد أن البطل النبيل والذى هدفه عظيم يختار طاعة القوة العليا والصبر على أمره وإرادته حتى يفوز برضاه وأدوات سعادته التى ستعود إليه وتمكنه من مواصلة الطريق نحو الحصول على حاجته وتحقيق هدفه0

بداية الابتلاء يكون بمشهد يبنى على المستحيل الذى سيكون ممكنا ، بمعنى أن البطل يسير فى طريقه نحو حاجته وهو يتمتع بأسباب قوته وسعادته ، سواء كان مصدر القوة والسعادة هو المال ، أو الولد ، أو العلم ، أو الصحة والعافية ، أو المساعدة من الآخرين ، أو النجاح والتفوق فى عمله ، والتي بها لا يظن على الإطلاق أن يخسرها  فإذا به يخسرها من خلال شخوص مجابهين له يكونون سببا لخسرانه ، وبعضها من الممكن أن يأتيه بسبب لم يكن يتوقعه أبدا ، هنا الفعل الواقع بأمر من الله ولا يكون المجابهون أو غيرهم من أدوات إلا مجرد أسباب ظاهرية شكلية لا تقدم ولا تؤخر من أمر الخسارة المقدم عليها  شيئا ، إلا أن تقدم له بعض الأسباب العقلية المحسوسة التى يستطيع ملامستها هو والآخرون أتباعه ويحاول تفاديها أو التغلب عليها ، وهو يظن ذلك ولا يستسلم ولا يلقى باللوم عليها أو معرفة موطن الداء الظاهرى ، وتكون مدعاة له ليراجع نفسه ويعيد حساباته ، كما تكون مفتاحا ليعرف أن سبب الخسارة به جزء منه هو حدث بتقصير ما ، وهذا من شأنه التخفيف من آثاره النفسية عليه0

عقدة الابتلاء تفشل جهوده فى مواجهة خسارته ، مهما يعد ويجهز لها ، ومهما يبذل فيها من جهد غير عادى ، ولا يترك شاردة أو واردة إلا ويضع لها حسابا دقيقا ، ومع ذلك تقع المصيبة التى تفقده سبب سعادته وسبب قوته ، والمثال على ذلك فى المال مثلا أن يخسره فى البورصة بين ليلة وضحاها ، أو فى الولد بأن يفقد ولده التحكم فى عجلة القيادة ويلقى حتفه ، أو ينتج له إعاقة شبه كاملة تفقده القدرة على الحركة الطبيعية ، أو فى صحته بأن ينهار له عمل يقوم بإنشائه والإشراف عليه فتحدث له صدمة تفقده القدرة على الحركة حينا من الدهر ، أو غير ذلك لمن يشاء 0

حل الابتلاء أن يصبر على ما أصابه ويتحمله باقتناع ورضى ؛ لأن ذلك أمر الله وقضاؤه وقدره الذى لا راد له ولا غالب ، ولكنه يعمل ويجتهد ويستعمل كل أدواته وذكاءه وفطنته وعلمه وحيلته فى كيفية الخروج مما هو فيه ، ويتأتى ذلك من محاولته خلق أسباب قوة أخرى ، ويفضل أن يعاود تفعيل أسباب قوته التى فقدها ، وذلك بدحر اليأس والقنوط والتقرب إلى الله ليعينه أو يستبدله بأدوات قوى أخرى ، حتى يجد فى نفسه العزم والمقدرة على القيام مرة أخرى بصنع أسباب قوى أخرى أو تفعيل ما هو موجود وانهزم به ليكون سبب حافزه ومواصلة سيره والتغلب على كبوته ، وفى نفس الوقت يجاهد هوى نفسه التى تحضه على الذهاب للاستعانة بقوى الشيطان الذى يمد له يد العون والمساعدة فى اللحظة المناسبة ، ولكنه يفطن لذلك ولا يطيع هوى نفسه ويحاربها ، مستعينا بقواه الذاتية الداخلية العامرة بطاعة الله والمتجنبة نواهيه لتكون له العون والزاد فى مواصلة طريقه نحو حاجته وتحقيق هدفه ، واثق فيها غير متخاذل ولا يائس ، رغم ما يعانيه من حزن عميق وخسارة كبيرة 0

 

مثال :

 {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }يوسف23

من كتابى اسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم

 

aldramainquran

أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية: البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة

  • Currently 25/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 518 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة aldramainquran

ساحة النقاش

فتحى حسان محمد

aldramainquran
أديب روائى ودرامى وكاتب سيناريو، مؤلف كتابيى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ، وأسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، ومجموعة من سيناريوهات الافلام والمسلسلات التى فى عقالها. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

128,280