أسس الدرما :
البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
الزلة أو الغلطة
الزلة هى الفعل الذى يقدم على فعله البطل بغير تفكير سليم ، ولا بحساب متعقل دقيق ، ولا برؤية ثاقبة تعتمد على الحضور التام والفطنة الحاضرة ، فيخطئ وتكون وبالا عليه ، وهو الذى يثق فى صلاحها وحسنها وصوابها ، بعد أن تحمل مرارة الصبر وآثار الابتلاء الذى يشق على الأنفس تحمله ، لأنه يقاوم آثار بلية كبرى نزلت به لا يستطيع دفعها لأنه لو فعل ذلك فهو يواجه ويصارع قوى أكبر منه ، وهو الله الذى لا يستطيع المصارعة معه غير الامتثال لأمره وتحمل ما يفرضه عليه بإيمان وعزيمة وصبر واقتدار ، ولكن من شدة الابتلاء تفتر العزيمة ويقل الصبر ويصعب ، فيشعر بالإجهاد والتعب والعناء ويغيم الطريق أمامه ، ولا يحسن التفكير السليم فيقدم على اتخاذ خطوة ما ظنا منه أنها سترفع عن كاهله العناء وستفتح له الباب وسيتمكن من العودة إلى الطريق الذى رسمه لنفسه ويعرفه ، حتى يحصل على حاجته ويحقق هدفه الذى من أجله يبذل ويتحمل ، وبعد أن يقطع هذه الخطوة التى يظن فيها الصلاح والصواب يكتشف أنه أخطأ الخطوة التى خطاها ، أو أخطا التفكير ، وما أقدم عليه من فعل كان يظنه صوابا صار خطأ يفرض عليه العقاب ، ويتم فرض العقاب عليه ، والعقاب شديد يجعله يتحمل آلاما ومعاناة كبرى ، وهو يحاول إقناع الآخرين الذين أوجبوا عليه العقاب أنه لم يكن يقصد ، بل كان ينوى الخير كله ، ولكنه يرفل فى المعاناة والآلام محاولا رفع الأذى عن نفسه ، فلا يجد من باب غير أن يتوب إلى الله عن ذنب لم يكن يقصده ، ويتوسل إلى الله أن يفرج عنه كربه وآلامه وما هو فيه ، وتلك الآلام التى يرفل فيها هى الباعثة والمحركة للشفقة عليه فى قلوبنا ونفوسنا ، والخالقة للتعاطف معه لأنه لا يستحق هذه المعاناة وهذه الآلام لأنه أخطأ ولم يكن ينوى الخطأ ، بل حدثت رغما عنه نظرا لما يمر به من فقدان أسباب قوته التى سلبها منه الابتلاء ، وهو يحاول أن يستعيدها دون أن يضل الطريق أو يخالف أوامر القوى العليا الله الذى تعهد له أنه من يتحمل الامتحان بصبر وعزيمة وإيمان فهو حتما سيعوضه بأسباب سعادة أخرى ، وربما تكون نفس الأسباب السابقة حيث هو القادر على كل شيء بالقسط والحق والعدل 0
مسميات الزلة:
1- الغلطة بغير قصد ، وهى الصنيع غير الحسن ، ولكن بلا سوء نية0
2- الجرم أو الذنب وهو أصغر من الجريمة وما دون الرذيلة ، شرط غير المقصودة0
3- السقطة أى التعثر 0 شرط عدم تمام المعرفة وسوء التقدير0
4- الخطأ شرط عدم سوء النية0
مسببات الزلة :
1- الاستعجال أو العجلة لصنيع حسن فلا يكمل على الحسن بل إلى عكس ما انتوى تماما لصنيعه غير المكتمل0
2- الجهل بالشيء ، وعدم تمام المعرفة ، وقلة الخبرة 0
3- الاضطراب والقلق على أن يخالف أوامر الله ويفشل فى تحمل الابتلاء بإيمان ومن لم يتحمله بإيمان وصبر وشكر فلن ينال اليسر 0 وشدة الوطأة من جراء تحمل مرارة الصبر0
4- النقصان الذى يعترى كل البشر، لأنهم لن يصلوا إلى الكمال التام ، ويعتبر قدرا من الله على جميع خلقه ، فإن الكمال لله وحده 0
5- العجز من عدم الوصول إلى الشيء وابتغائه كاملا نظرا لأنه فقد أدوات نجاحه وقوته 0
6- ضيق النفس بسبب مواجهة المشكلات والأحزان الناتجة من شدة الابتلاء0
7- الفلتة وتأتى من غير الروية فى الشيء والسرعة فيه
نتائج الزلة :
1- المعاناة والآلام الشديدة التى تحيط بالبطل 0
2- خلق الشفقة والرأفة والعطف على البطل لأنه لا يستحق ذلك لكونه لم يكن يقصد0
3- تعطيل البطل عن الحصول على حاجته ، وتأخيره عن تحقيق هدفه0
4- التأكيد على إنسانية البطل ، والنفي عنه أنه ملاك , لأن الملائكة لا يخطئون ويفعلون ما يؤمرون وهم ليسوا مخيرين مثل البشر ، بل هم مسيرون لا يتمتعون بالتفضيل والاختيار 0
عظم الزلة غير المقصودة ولا المتعمدة ولا المسترسل فيها أن البطل لم يكن ينتويها على الإطلاق ، ولكن لسوء تقديره من الغيام الذى يشعر به على عينيه ، ومن الإرهاق الذى هو فيه هم الذين يزينون له فكرة ما ، تجعله ينفذها ظنا منه أنها ستخرجه مما هو فيه ، وعندما يكتشف خطأه سرعان ما يدفعه ضميره اليقظ إلى التوبة إلى الله آملا أن يتقبلها منه حتى يرفع عن كاهله المعاناة التى يرفل فيها0
رغم ما يتحمله البطل من ذنب لم يكن يقصده ويتوب إلى الله فيه ، ومع كل ما يتحمله من عناء وآلام لأنه بات لا يعمل بحريته بل هو مهدد من قبل جهة ما أن تقوم بتنفيذ العقاب فيه لما ارتكبه من جرم ، ومع ذلك يظل متمسكا بهدفه وحاجته ويعمل المستحيل من أجليهما ، ويتفوق على مصارعيه رغم ما به من آلام ومعاناة ، وهنا نشعر أنه بدأ يستعيد أسباب قوته ، أو أنه بحث فى نفسه عن أسباب قوة أخرى حتى تعينه على مواصلة طريقه نحو مسعاه ، وفعلا يعثر على أدوات قوة كانت كامنة بداخله ، واستنهضتها الحاجة والآلام لتكشف عن نفسها وتفور بقوتها فتعطى دفعا قويا للبطل الذى يعانى فيستطيع تحمل المعاناة , وهو يجاهد ويصارع ويحاول الانتصار على مصارعيه الذين يقفون له بالمرصاد ويحاولون أن يغلقوا أمامه كل الأبواب0
الزلة هى ما تفصل بين الملائكة والبشر ، ولولاها للقبنا البطل بالملاك ، وهو مالا يجوز على الإطلاق ، لأن الملائكة لا تعيش مع الناس ، و تختلف عنهم ، لأنه ليس لديهم حرية الاختيار والتفضيل مثل البشر ، وأنهم لا يخطئون ، وهم مأمورون مسيرون لا مخيرون من الله رب العالمين الذى خلقهم وأعدهم على ذلك ، عكس البشر الذىن فضلهم بعقل المخ الذى به يختارون ويمتلكون حرية الاختيار والفعل ، وجعلهم مخيرين فيما يريدونه ، وعرف لهم من خلال الأنبياء والمرسلين طريق الخير وطريق الشر ، وأوجب عليهم العقاب لمن يخطئ خطأ مقصودا ومتعمدا ، إنما وإذا لم يكن الخطأ مقصودا ولا متعمدا فسيغفره لهم 0 بالغلطة الواجبة المفروضة من الله على الناس الذين لم ولن يبلغوا الكمال التام ، سيغفر لهم هذه الزلة ، والتي بها يكونون بشرا لا ملائكة حتى رسله المفضلين والمختارين من قبله جل شأنه وعلا قدره وهم فى رعايته ومعيته ، لم يسلموا من الزلة أبدا 0
- زلة غير مقصودة
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ 000}النساء92
تتمثل وتتحقق من القوة الضعيفة التى هى الإنسان النبيل الذى يحاول ويصارع ويجابه ويفعل المستحيل من أجل أن يستعيد أسباب سعادته وأدوات قوته ، من بعد أن سلبتها منه القوة العليا لتمتحنه ، وهو يجاهد ويصارع ويحاول أن يستعيد سعادته وقوته ونجاحه متمسكا بطريق الطاعة لله محافظا على ذلك ، متحديا جميع الإغراءات التى من شأنها أن تساعده وتفتح له الباب نحو السعادة والنجاح بمخالفة أوامر الله ونواهيه ، فيتفوق عليها ويجابهها ، وهو فى طريقه هذا ومن شدة ما يعانيه وما يجابهه من إغراءات ومن صد من قوى أخرى يقدم على فعل يظن فيه الخير غير مخالف لله فيه ، ولكنه يكتشف أنه أخطأ فى إقدامه على هذا الفعل الذى لم يثتبينه جيدا ، ولم يمعن فيه التفكير الكامل ، ولا الحيطة المطلوبة من جراء الأهوال والعناء والآلام التى يرفل فيها تغيم الطريق أمامه ويود الخلاص منها ، فيزل غير قاصد ولا عامد ولا متعمد ، وحال اكتشاف ذلك يسرع إلى التضرع إلى الله يطلب الصفح والغفران منه ، لا يحمله عناد ولا تكبر ولا مراوغة ولا تردد ، معترفا بذنبه الذى لم يكن يقصده ، يواعد الله أنه لن يعود إلى ذلك أبدا ، فيتكرم الله عليه ويغفر له هذه الزلة ويتجاوز عنها ، بعد أن يرفل صاحبها فى المعاناة والألم والندم 0 وتخص بطل المأساة العظيمة والإلهية ، الشخصية منها والقومية 0
- زلة مقصودة
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93] تكون بقصد وتعمد ونية كاملة وعناد كبير من الإنسان غير الفاضل وغير النبيل العاصى المذنب بقصد ، وحتى إن كان فاضلا ونبيلا ، ولكن لم يتحمل الابتلاء ، وأقدم على كل الطرق ليستعيد أسباب سعادته وأدوات قوته ، غير مراع لأوامر الله مخالفا لها ومتحديا مشيئتها وإرادتها , فإن ذلك يحمله إلى عدم النبل و الطاعة الواجبة ، ويقبل أن يرتكب الذنب بقصد ونية وتحد ، مصمم على ذلك غير معترف به ، معرض عن التوبة والرجوع إلى الله غير مستعين به ومستعين بغيره ، هذه لا يغفرها الله أبدا وينزل سخطه وعقابه على صاحبها حتى ولو بعد حين فى الدنيا والآخرة 0 وتخص بطل المأساة السوداء بنوعيها0
- زلة مباشرة
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }القصص15
فى قصة موسى يستنصره واحد من عرقه فيريد أن ينتصر له ويبعد عنه الخطر فيوكز عدوه فيقتله وهو الذي لم يكن ينوى قتله بل إبعاده فقط ، ومبعث الزلة هنا أن موسى أخطأ فى تقدير قوته الجسدية حق قدرها ، وجنى بسببها المتاعب والآلام حيث صار مطلوبا للذبح هذا من جهة ، كما تسببت فى تغير حظ حياته من السعادة إلى الشقاء ؛ لأنه كان يعيش فى قصر فرعون نفسه ويحظى بالرعاية والحب وسعة العيش والأمان فصار إلى عكسهم تماما فبات يحظى بالإجحاف والكراهية و ضيق العيش والخوف 0
- زلة غير مباشرة
ونستنتج من ذلك أن الزلة سواء مباشرة أو غير مباشرة يجنى بسببها البطل المعاناة والآلام العظيمة التى تدفعه للتوبة والاستغفار حتى يقبلها الله ويسقطها عنه بانفراجة من عنده تعالى0
من كتاب ( أسس وقواعد الدرما من القرآن الكريم )
ساحة النقاش