عندما يكون لدى الطفل من العلم ما يستطيع به أن ينفع مجتمعه؛ مثل: إتقان قراءة القرآن في بيئة لا يُتقن أهلها القراءة الصحيحة - يكون للطفل الحق في التصدر للتعليم لمن حوله، ولا يَمنعه صغرُه.

 

إن مما يلحظ من فئة من الناس عدم احترام الصغار، وتوقيرهم وإعطاؤهم حقوقهم، وبالمقابل يطلب من الصغار أن يحترموا مَن هو أكبر منهم، وهذا حق، ولكن الذي أمرنا به ديننا أن يكون الاحترام متبادلًا.

 

إن للصغير حقوقًا على غيره، أرشدنا إليها الدين الحنيف؛ مثل: تشميت الصغير إذا عطس، فقد سُئل الحسن البصري رحمه الله عن الصبي الصغير - أي غير المميز - يعطس؟ قال: يقال له: بورك فيك، وقرَّر الفقهاء أنه إن عطس صبي عُلِّم الحمد لله، ثم قيل له: يرحمك الله، أو بورك فيك ونحوه، ويعلم الرد، وإن كان طفلًا صغيرًا غير مميز، حمد الله وليُّه أو من حضَره، وقيل له نحو ذلك، وفي المسألة توجُّهات فقهية أخرى تُنظَر في "الآداب الشرعية 2 / 327".

 

ومن حق الصغير أن يُسلَّم عليه، فقد روى الترمذي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمرَّ على صبيَّين، فسلَّم عليهم».

 

ومن حقوق الصغير أن يُستأذن عليه عند الدخول، فقد قال جابر رضي الله عنه: «يستأذن الرجل على ولده وأمه، وإن كانت عجوزًا وأخيه وأخته وأبيه"؛ رواه البخاري في الأدب المفرد (1066).

 

ولا يقدم عليهم في حقهم إلا بإذنهم، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب، فشرِب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء، فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا، فتَلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده»؛ متفق عليه.

 

ومن ذلك احترام عقولهم بعدم الكذب عليهم، فعن عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبدالله، تعال أُعطيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أردتِ أن تعطيه؟ قالت: تمرًا، فقال: أما إنك لو لم تفعلي، كُتبت عليك كذبة»؛ رواه أحمد 3 /447، وأبو داود 4 /298 (4991)، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزلٌ، ولا أن يعِدَ الرجل ابنه، ثم لا يُنجز له)؛ رواه الحاكم 1 /127.

 

وعندما يكون لدى الطفل من العلم ما يستطيع به أن ينفع مجتمعه، خصوصًا في البيئات البعيدة عن العلم؛ مثل: إتقان قراءة القرآن في بيئة لا يتقن أهلها القراءة الصحيحة؛ فإنه في هذه الحالة يكون للطفل الحق في التصدر للتعليم لمن حوله، ولا يمنعه صِغَرُه من الإنتاج ونفع مجتمعه؛ قال ابن عيينة رحمه الله: الغلام أستاذ إذا كان ثقة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن العلم ليس عن حداثة السن ولا قِدَمه، ولكن الله يضعه حيث يشاء، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت أُقرئ رجالًا من المهاجرين منهم عبدالرحمن بن عوف"؛ صحيح البخاري (7323).

 

وقال ابن الجوزي رحمه الله في (كشف المشكل): "فيه تنبيهٌ على أخذ العلم من أهله، وإن صغرت أسنانُهم، أو قلَّت أقدارهم، وقد كان حكيم بن حزام يقرأ على معاذ بن جبل، فقيل له: تقرأ على هذا الغلام الخَزرجي؟ فقال: إنما أهلكنا التكبُّر".

 

وحدث بندار - وهو أحد العلماء - وله ثلاث عشرة سنة، وحدَّث البخاري وما في وجهه شعرة، وقال سمرة بن جندب رضي الله عنه: "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا، فكنتُ أحفَظ عنه فما يمنعني من القول، إلا أن ها هنا رجالًا هم أسنُّ مني"؛ متفق عليه.

 

وهكذا نجد أن المجتمع الإسلامي مجتمع منتج، فالجميع يعمل ويعلِّم ويتعلم، وبذلك تقدم الرعيل الأول من أهل الإسلام، وبالمقابل نلحظ تأخُّر المسلمين في التقدم التقني في العصر الحاضر؛ لبُعدهم عن الإنتاجية الفاعلة، والاستفادة من جميع الظروف والبيئات والإمكانات لعمارة الأرض.



alayman

اللهم ما اجعله خالصا لوجهك يا كريم وانفعنا به واجعله فى ميزان حسناتنا

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 13 يناير 2020 بواسطة alayman
alayman
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

114,577