<!--

<!--<!--

الإيضاح في علوم البلاغة مدقق

 

page

nass

5

بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العلامة خطيب الخطباء مفتي المسلمين جلال الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة سعد الدين أبي محمد عبد الرحمن ابن إمام الدين أبي حفص عمر القزويني الشافعي متع الله المسلمين بمحياه وأحسن عقباه الحمد لله رب العالمين وصلاته على محمد وعلى آل محمد أجمعين أما بعد فهذا كتاب في علم البلاغة وتوابعها ترجمته بالإيضاح وجعلته على ترتيب مختصري الذي سميته تلخيص المفتاح وبسطت فيه القول ليكون كالشرح له فأوضحت مواضعه المشكلة وفصلت معانيه المجملة وعمدت إلى ما خلا عنه المختصر مما تضمنه مفتاح العلوم وإلى ما خلا عنه المفتاح من كلام الشيخ الإمام عبد القاهر الجرجاني رحمه الله في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة وإلى ما تيسر النظر فيه من كلام غيرهما فاستخرجت زبدة ذلك كله وهذبتها ورتبتها حتى استقر كل شيء منها

6

في محله وأضفت إلى ذلك ما أدى إليه فكري ولم أجده لغيري فجاء بحمد الله جامعا لأشتات هذا العلم وإليه أرغب أن يجعله نافعا لمن نظر فيه من أولي الفهم وهو حسبي ونعم الوكيل

7

مقدمة في الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة وانحصار علم البلاغة في المعاني والبيان للناس في تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال مختلفة لم أجد فيما بلغني منها ما يصلح لتعريفهما به ولا ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلم فالأولى أن نقتصر على تلخيص القول فيهما بالاعتبارين فنقول كل واحدة منهما تقع صفة لمعنيين أحدهما الكلام كما في قولك قصيدة فصيحة أو بليغة ورسالة فصيحة أو بليغة والثاني المتكلم كما في قولك شاعر فصيح أو بليغ وكاتب فصيح أو بليغ والفصاحة خاصة تقع صفة للمفرد فيقال كلمة فصيحة ولا يقال كلمة بليغة فصاحة المفرد أما فصاحة المفرد فهي خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس اللغوي فالتنافر منه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها كما روي أن أعرابيا سئل عن ناقته ، فقال تركتها ترعى الهعخع ومنه ما هو دون ذلك كلفظ مستشزر في

8

قول امرؤ القيس غدائره مستشزرات إلى العلا والغرابة أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها فيحتاج في معرفتها إلى من ينقر عنها في كتب اللغة المبسوطة كما روى عيسى بن عمر النحوي أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه الناس ، فقال : ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني أي اجتمعتم تنحوا ويخرج لها وجه بعيد كما في قول العجاج وفاحما ومرسنا مسرجا فإنه لم يعرف ما أراد بقوله مسرجا حتى اختلف في تخريجه فقيل هو من قولهم للسيوف سريجية منسوبة إلى قين يقال له سريج يريد أنه في الاستواء والدقة كالسيف السريجي وقيل من السراج يريد أنه في البريق كالسراج وهذا يقرب من قولهم سرج وجهه بكسر الراء أي حسن وسرج الله وجهه أي بهجه وحسنه ومخالفة القياس كما في قول الشاعر الحمد لله العلي الأجلل فإن القياس الأجل بالإدغام وقيل هي خلوصه مما ذكر ومن الكراهة في السمع بأن تمج الكلمة ويتبرأ من سماعها كما يتبرأ من سماع الأصوات المنكرة فإن اللفظ من قبيل الأصوات والأصوات منها ما تستلذ النفس سماعها ومنها ما تكره سماعه كلفظ الجرشي في

9

قول أبي الطيب كريم الجرشي شريف النسب أي كريم النفس وفيه نظر ثم علامة كون الكلمة فصيحة أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرا أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها فصاحة الكلام وأما فصاحة الكلام فهي خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها فالضعف كما في قولنا ضرب غلامه زيدا فإن رجوع الضمير إلى المفعول المتأخر لفظا ممتنع عند الجمهور لئلا يلزم رجوعه إلى ما هو متأخر لفظا ورتبة وقيل يجوز لقول الشاعر جزى ربه عني عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاويات وقد فعل وأجيب عنه بأن الضمير لمصدر جزى أي رب الجزاء كما في قوله تعالى اعدلوا هو أقرب للتقوى أي العدل والتنافر منه ما تكون الكلمات بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها متتابعة كما في البيت الذي أنشده الجاحظ وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر ومنه ما دون ذلك كما في قول أبي تمام كريم متى أمدحه والورى معي وإذا ما لمته لمته وحدي فإن في قوله أمدحه ثقلا ما لما بين الحاء والهاء من تنافر والتعقد أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد به وله

10

سببان أحدهما ما يرجع إلى اللفظ وهو يختل نظم الكلام ولا يدري السامع كيف يتوصل منه إلى معناه كقول الفرزدق وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه كان حقه أن يقول وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه فإنه يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان ، فقال وما مثله يعني إبراهيم الممدوح في الناس حي يقاربه أي أحد يشبهه في الفضائل إلا مملكا يعني هشاما أبو أمه أي أبو أم هشام أبوه أي أبو الممدوح فالضمير في أمه للملك وفي أبوه للممدوح ففصل بين أبو أمه وهو مبتدأ وأبوه وهو خبره بحي وهو أجنبي وكذا فصل بين حي ويقاربه وهو نعت حي بأبوه وهو أجنبي وقدم المستثنى على المستثنى منه فهو كما تراه في غاية التعقيد فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية كما سيأتي تفصيل ذلك كله وأمثلته اللائقة به والثاني ما يرجع إلى المعنى وهو أن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهرا كقول العباس بن الأحنف سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن وأصاب لأن من شأن البكاء أن يكون كناية عنه كقولهم أبكاني وأضحكني أي

11

أساءني وسرني وكما قال الحماسي أبكاني الدهر ويا ربما أضحكني الدهر بما يرضي ثم طرد ذلك في نقيضه فأراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر وأخطأ لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها فلا يكون كناية عن المسرة وإنما يكون كناية عن البخل كما قال الشاعر ألا إن عينا لم تجد يوم واسط عليك بجاري دمعها لجمود ولو كان الجمود يصلح أن يراد به عدم البكاء في حال المسرة لجاز أن يدعي به للرجل فيقال لا زالت عينك جامدة كما يقال لا أبكى الله عينك وذلك مما لا يشك في بطلانه وعلى ذلك قول أهل اللغة سنة جماد لا مطر فيها وناقة جماد لا لبن لها فكما لا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالقطر والناقة لا تسخو بالدر لا تجعل العين جمودا إلا وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها وما يجعلها إذا بكت محسنة موصوفة بأنها قد جادت وإذا لم تبك مسيئة موصوفة بأنها قد ضنت فالكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما كان الانتقال من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيل إلى السامع أنه فهمه من سياق اللفظ كما سيأتي من الأمثلة المختارة للاستعارة والكناية وقيل فصاحة الكلام وهي خلوصه مما ذكر ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات كما في قول أبي الطيب سبوح لها منها عليها شواهد

12

وفي قول ابن بابك حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي وفيه نظر لأن ذلك إن أفضى باللفظ إلى الثقل على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بما تقدم وإلا فلا يخل بالفصاحة وقد قال النبي ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم قال الشيخ عبد القاهر قال الصاحب إياك والإضافات المتداخلة فإنها لا تحسن وذكر أنها تستعمل في الهجاء كقول القائل يا علي بن حمزة بن عمارة أنت والله ثلجة في خيارة ، ثم قال الشيخ ولا شك في ثقل ذلك في الأكثر لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف ومما حسن فيه قول ابن المعتز أيضا وظلت تدير الراح أيدي جآذر عتاق دنانير الوجود ملاح ومما جاء فيه حسنا جميلا قول الخالدي يصف غلاما له ويعرف الشعر مثل معرفتي وهو على أن يزيد مجتهد وصير في القريض وزان دينار المعاني الدقاق منتقد وأما فصاحة المتكلم فهي ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح فالملكة قسم من مقولة الكيف التي هي هيئة قارة لا تقتضي قسمة ولا نسبة وهو مختص بذوات الأنفس راسخ في موضوعه

13

وقيل ملكة ولم يقل صفة ليشعر بأن الفصاحة من الهيئات الراسخة حتى لا يكون المعبر عن مقصوده بلفظ فصيح إلا إذا كانت الصفة التي اقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح راسخة فيه وقيل يقتدر بها ولم يقل يعبر بها ليشمل حالتي النطق وعدمه وقيل بفظ فصيح ليعم المفرد والمركب بلاغة الكلام وأما بلاغة الكلام فهي مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ومقتضى الحال مختلف فإن مقامات الكلام متفاوتة فمقام التنكير يباين مقام التعريف ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد ومقام التقديم يباين مقام التأخير ومقام الذكر يباين مقام الحذف ومقام القصر يباين مقام خلافه ومقام الفصل يباين مقام الوصل ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام إلى غير ذلك كما سيأتي تفصيل الجميع وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب وانحطاطه بعدم مطابقته له فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب وهذا أعني تطبيق الكلام على مقتضى الحال هو الذي يسميه الشيخ عبد القاهر بالنظم حيث يقول النظم تآخي معاني النحو فيما بين الكلام على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام فالبلاغة صفة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى عند التركيب وكثيرا ما يسمى ذلك فصاحة أيضا وهو مراد الشيخ عبد القاهر بما يكرره في دلائل الإعجاز من أن الفصاحة صفة راجعة إلى المعنى دون اللفظ كقوله في أثناء فصل منه علمت أن الفصاحة

14

والبلاغة وسائر ما يجري في طريقهما أوصاف راجعة إلى المعاني وإلى ما يدل عليه بالألفاظ دون الألفاظ نفسها وإنما قلنا مراد ذلك لأنه صريح في مواضع من دلائل الإعجاز بأن فضيلة الكلام للفظ لا لمعناه منها أنه حكى قول من ذهب إلى عكس ذلك ، فقال : فأنت تراه لا يقدم شعرا حتى يكون قد أودع حكمة أو أدبا أو اشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر ، ثم قال والأمر بالضد إذا جئنا إلى الحقائق وما عليه المحصلون لأنا لا نرى متقدما في علم البلاغة مبرزا في شأوها إلا وهو ينكر هذا الرأي ثم نقل عن الجاحظ في ذلك كلام منه قوله والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وصحة الطبع وكثرة الماء وجودة السبك ، ثم قال ومعلوم أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصيانة وأن سبيل المعنى الذي يعبر عنه سبيل الشيء الذي يقع التصوير فيه كالفضة والذهب يصاغ منها خاتم أو سوار فكما أنه محال إذا أردت النظر في صوغ الخاتم وجوده العمل ورداءته أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك الصورة أو الذهب الذي وقع فيه ذلك العمل كذلك محال إذا أردت أن تعرف مكان الفضل والمزية في الكلام أن تنظر في مجرد معناه وكما لو فضلنا خاتما على خاتم بأن تكون فضة هذا أجود أو فضة ذاك أنفس لم يكن ذلك تفضيلا له من حيث هو خاتم كذلك ينبغي إذا فضلنا بيتا على بيت من أجل معناه أن لا يكون ذلك تفضيلا له من حيث هو شعر وكلام هذا لفظه وهو صريح في أن الكلام من حيث هو كلام لا يوصف بالفضيلة باعتبار شرف معناه ولا شك أن الفصاحة من صفاته الفاضلة فلا تكون راجعة

15

إلى المعنى وقد صرح فيما سبق بأنها راجعة إلى المعنى دون اللفظ فالجمع بينهما بما قدمناه يحمل كلامه حيث نفى أنها من صفات اللفظ على نفي أنها من صفات المفردات من غير اعتبار للتركيب وحيث أثبت أنها من صفاته على أنها من صفاته باعتبار إفادته المعنى عند التركيب وللبلاغة طرفان أعلى إليه تنتهي وهو حد الإعجاز وما يقرب منه وأسفل منه تبتدىء وهو ما إذا غير الكلام عنه إلى ما هو دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات وإن كان صحيح الإعراب وبين الطرفين مراتب كثيرة متفاوتة وإذ قد عرفت معنى البلاغة في الكلام وأقسامها ومراتبها فاعلم أنه يتبعها وجوه كثيرة غير راجعة إلى مطابقة مقتضى الحال ولا إلى الفصاحة تورث الكلام حسنا وقبولا بلاغة المتكلم وأما بلاغة المتكلم فهي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ وقد علم بما ذكرنا أمران أحدهما أن كل بليغ كلاما كان أو متكلما فصيح وليس كل فصيح بليغا الثاني أن البلاغة في الكلام مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره والثاني أعني التمييز منه ما يتبين في علم متن اللغة أو التصريف أو النحو أو يدرك بالحس وهو ما عدا التعقيد المعنوي وما يحترز به عن الأول أعني الخطأ هو علم المعاني

16

وما يحترز به عن الثاني أعني التعقيد المعنوي هو علم البيان وما يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال وفصاحته هو علم البديع وكثير من الناس يسمي الجميع علم البيان وبعضهم سمى الأول علم المعاني والثاني والثالث علم البيان والثلاثة علم البديع وهو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال قيل يعرف دون يعلم رعاية لما اعتبره بعض الفضلاء من تخصيص العلم بالكليات المعروفة بالجزئيات كما قال صاحب القانون في تعريف الطب الطب علم يعرف به أحوال بدن الإنسان وكما قال الشيخ أبو عمر رحمه الله التصريف علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم ، وقال السكاكي علم المعاني هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما تقتضي الحال ذكره وفيه نظر إذ التتبع ليس بعلم ولا صادق عليه فلا يصح تعريف شيء من العلوم به ، ثم قال وأعني بالتراكيب تراكيب البلغاء ولا شك أن معرفة البليغ من حيث هو بليغ متوقفة على معرفة البلاغة وقد عرفها في كتابه بقوله البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعنى حدا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها فإن أراد التراكيب في حد البلاغة تراكيب البلغاء وهو الظاهر فقد جاء الدور وإن أراد غيرها فلم يبينه على أن قوله وغيره مبهم لم يبين مراده به ثم المقصود من علم المعاني منحصر في ثمانية أبواب

17

أولها أحوال الإسناد الخبري وثانيها أحوال المسند إليه وثالثها أحوال المسند ورابعها أحوال متعلقات الفعل وخامسها القصر وسادسها الإنشاء وسابعها الفصل والوصل وثامنها الإيجاز والإطناب والمساواة ووجه الحصر أن الكلام إما خبر أو إنشاء لأنه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه أو لا يكون لها خارج الأول الخبر والثاني الإنشاء ثم الخبر لابد له من إسناد ومسند إليه ومسند وأحوال هذه الثلاثة هي الأبواب الثلاثة الأولى ثم المسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا أو متصلا به أو في معناه كاسم الفاعل ونحوه وهذا هو الباب الرابع ثم الإسناد والتعلق كل واحد منهما يكون إما بقصر أو بغير قصر وهذا هو الباب الخامس والإنشاء هو الباب السادس ثم الجملة إذا قرنت بأخرى فتكون الثانية إما معطوفة على الأولى أو غير معطوفة وهذا هو الباب السابع ولفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد عليه وهذا هو الباب الثامن تنبيه اختلف الناس في انحصار الخبر في الصادق والكاذب فذهب الجمهور إلى أنه منحصر فيهما ثم اختلفوا ، فقال الأكثر منهم صدقه

18

مطابقة حكمه للواقع وكذبه عدم مطابقة حكمه له هذا هو المشهور وعليه التعويل ، وقال بعض الناس صدقه مطابقة حكمه الاعتقاد المخبر صوابا كان أو خطأ وكذبه عدم مطابقة حكمه له واحتج بوجهين أحدهما أن من اعتقد أمرا فأخبره به ثم ظهر خبره بخلاف الواقع يقال : ما كذب ولكنه أخطأ كما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت فيمن شأنه كذلك ما كذب ولكنه وهم ورد بأن المنفي تعمد الكذب لا الكذب بدليل تكذيب الكافر كاليهودي إذا قال الإسلام باطل وتصديقه إذا قال الإسلام حق فقولها ما كذب متأول بما كذب عمدا الثاني قوله تعالى والله يشهد إن المنافقين لكاذبون كذبهم في قولهم إنك لرسول الله وإن كان مطابقا للواقع لأنهم لم يعتقدوه وأجيب عنه بوجوه أحدها أن المعنى نشهد شهادة واطأت فيها قلوبنا ألسنتنا كما يترجم عنه أن واللام وكون الجملة اسمية في قولهم إنك لرسول الله فالتكذيب في قولهم نشهد وادعائهم فيه المواطأة لا في قولهم إنك لرسول الله وثانيها أن التكذيب في تسميتهم إخبارهم شهادة لأن الإخبار إذ خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة وثالثها أن المعنى لكاذبون في قولهم إنك لرسول الله عند أنفسهم لاعتقادهم أنه خبر على خلاف ما عليه المخبر عنه

19

وأنكر الجاحظ انحصار الخبر في القسمين وزعم أنه ثلاثة أقسام صادق وكاذب وغير صادق ولا كاذب لأن الحكم إما مطابق للواقع مع اعتقاد المخبر له أو عدمه وإما غير مطابق مع الاعتقاد أو عدمه فالأول أي المطابق مع الاعتقاد هو الصادق والثالث أي غير المطابق مع عدم الاعتقاد هو الكاذب والثاني والرابع أي المطابق مع عدم الاعتقاد وغير المطابق مع عدم الاعتقاد كل منهما ليس بصادق ولا كاذب فالصدق عنده مطابقة الحكم للواقع مع اعتقاده والكذب عدم مطابقته مع اعتقاده وغيرهما ضربان مطابقته مع عدم اعتقاده وعدم مطابقته مع عدم اعتقاده واحتج بقوله تعالى افترى على الله كذبا أم به جنة فإنهم حصروا دعوى النبي الرسالة في الافتراء والإخبار حال الجنون بمعنى امتناع الخلو وليس إخباره حال الجنون كذبا لجعلهم الافتراء في مقابلته ولا صدقا لأنهم لم يعتقدوا صدقه فثبت أن من ا لخبر ما ليس بصادق ولا كاذب وأجيب عنه بأن الافتراء هو الكذب عن عمد فهو نوع من الكذب فلا يمتنع أن يكون الإخبار حال الجنون كذبا أيضا لجواز أن يكون نوعا آخر من الكذب وهو الكذب لا عن عمد فيكون التقسيم للخبر الكاذب لا للخبر مطلقا والمعنى افترى أم لم يفتر وعبر عن الثاني بقوله أم به جنة لأن المجنون لا افتراء له تنبيه آخر وهو مما يجب أن يكون على ذكر الطالب لهذا العلم قال

20

السكاكي ليس من الواجب في صناعة وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشىء عليها في استفادة الذوق منها فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكمات وضعية واعتبارات إلفية فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلد صاحبه في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق وكثيرا ما يشير الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز إلى هذا كما ذكر في موضع ما تلخيصه هذا اعلم أنه لا يصادف القول في هذا الباب موقعا من السامع ولا يجد لديه قبولا حتى يكون من أهل الذوق والمعرفة ومن تحدثه نفسه بأن لما تومىء إليه من الحسن أصلا فيختلف الحال عليه عند تأمل الكلام فيجد الأريحية تارة ويعرى منها أخرى وإذا عجبته تعجب وإذا نبهته لموضع المزية انتبه فأما من كانت الحالات عنده على سواء وكان لا يتفقد من أمر النظم إلا الصحة المطلقة وإلا إعرابا ظاهرا فليكن عندك بمنزلة من عدم الطبع الذي يدرك به وزن الشعر ويميز به مزاحفه من سالمه في أنك لا تتصدى لتعريفه لعلمك أنه قد عدم الأداة التي بها يعرف واعلم أن هؤلاء وإن كانوا هم الآفة العظمى في هذا الباب فإن من الآفة أيضا من زعم أنه لا سبيل إلى معرفة العلة في شيء مما تعرف المزية فيه ولا يعلم إلا أن له موقعا من النفس وحظا من القبول فهذا بتوانيه في حكم القائل الأول واعلم أنه ليس إذا لم يكن معرفة الكل وجب ترك النظر في

21

الكل ولأن تعرف العلة في بعض الصور فتجعله شاهدا في غيره أحرى من أن تسد باب المعرفة على نفسك وتعودها الكسل والهوينا قال الجاحظ وكلام كثير جرى على ألسنة الناس وله مضرة شديدة وثمرة مرة فمن أضر ذلك قولهم لم يدع الأول للآخر شيئا فلو أن علماء كل عصر مذ جرت هذه الكلمة في أسماعهم تركوا الاستنباط لما ينته إليهم عمن قبلهم لرأيت العلم مختلا

22

القول في أحوال الإسناد الخبري من المعلوم لكل عاقل أن قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب إما نفس الحكم كقولك زيد قائم لمن لا يعلم أنه قائم ويسمى هذا فائدة الخبر وإما كون المخبر عالما بالحكم كقولك لمن زيد عنده ولا يعلم أنك تعلم ذلك زيد عندك ويسمى هذا لازم فائدة الخبر قال السكاكي والأول بدون هذه تمتنع وهذه بدون الأولى لا تمتنع كما هو حكم اللازم المجهول المساواة أي يمتنع أن لا يحصل العلم الثاني من الخبر نفسه عند حصول الأول منه لامتناع حصول الثاني قبل حصول الأول مع أن سماع الخبر من المخبر كاف في حصول الثاني منه ولا يمتنع أن لا يحصل الأول من الخبر نفسه عند سماع الثاني منه لجواز حصول الأول قبل الثاني وامتناع حصول الحاصل وقد ينزل العالم بفائدة الخبر ولازم فائدته منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم فيلقى إليه الخبر كما يلقى على الجاهل بأحدهما قال السكاكي وإن شئت فعليك بكلام رب العزة ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به

23

أنفسهم لو كانوا يعلمون كيف تجد صدره يصف أهل الكتاب بالعلم على سبيل التوكيد القسمي وآخره ينفيه عنهم حيث لم يعلموا بعلمهم ونظيره

akramalsayed

مرحبا بك اخي الزائرنرجو ان ينال الموقع اعجابك الكلمة الطيبة جواز مرور إلى كل القلوب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 243 مشاهدة
نشرت فى 1 مارس 2013 بواسطة akramalsayed

ساحة النقاش

اكرم السيد بخيت (الطهطاوي)

akramalsayed
ثقافي اجتماعي ديني »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

903,869