نحن بصدد تقديم نقد وتحليل لثلاثة نصوص ومضية، كانت قد توجت بالمرتبة الأولى في مسابقة "ساحة الفرسان" التي تنظم برعاية الرابطة الأدبية، و هي كالآتي:
رقّ/شيد صرح الحرية؛ سجنوه في أطلاله. للكاتب المبدع / سمير المتولي
غباء / داهمهم الجراد؛ أحرقوا البيادر. للكاتب المبدع / محمود السليمان
رياء/ارتدوا ثياب العفة؛عرتهم أفعالهم. للكاتب المبدع / عبد الناصر هارون
★★★★★★★★★★★★
ولكن قبل ذلك أود الإشارة إلى الخصائص الفنية التي تميز الومضة كبنية نوعية ضمن المنظومة الأدبية، وذلك لأن كل نمط أدبي إنما يقارب أو يدرس انطلاقا من خصائصه الفنية كنوع أولا، ثم الخصائص التعبيرية كبنية نصية ثانيا.
االومضة القصصية تنبني أساسا على الاقتصاد اللغوي والتكثيف الدلالي وجمالية الإيقاع ومنطقية السرد، بعيدا عن الحشو والأخطاء اللغوية والإملائية، ولا يعني ذلك التغييب الكلي للبطل أو لعناصر السرد، لكن يشترط أساسا حضور الفكرة التي تعد عصارة حدث أو موقف ما، كما وتتميز بالبعد الدرامي الذي ينتج من حسن توظيف الدفق الشعوري الذي يصاحب الفعل وردة الفعل.
وتتطلب الومضة مهارة فنية وخبرة أدبية؛ نظرا لضيق الفضاء اللغوي الذي يشتغل عليه الكاتب..ولذلك فإن الكثير من الباحثين يعتبرون النمط الومضي من أصعب الأجناس الأدبية، سواء أكانت إبجرامات شعرية، أو هايكو أو ومضات قصصية
أهم ما يشتغل عليه الكاتب في صناعة الومضة هو اللفظ، حيث إن الحيز اللغوي المحدود يتطلب انتقاءً مدروسا لكل وحدة لغوية ووضعها في المكان المناسب لها، ويذكرنا هذا بقول أمبرتو إيكوU.ECO:<<كل حدث وكل كلمة يمكن أن توضع في علاقة مع كل الأحداث والكلمات. والتأويل الدلالي لأي كلمة ينعكس على المضمون
ومن ثمة فإن فن الومضة يعتمد كثيرا آلية توزيع الوحدات وائتلافها في بنية دلالية عالية التركيز، ومتى أجاد الكاتب مرحلة تكوين الومضة، فإنها تغني بقصر حجمها عن نص طويل...فالإشعاعات التي تنطلق من النص الومضي تمتد عرضا وطولا لتشمل جميع الأبعاد النفسية والعلمية والفلسفية وغيرها من الأبعاد التي تحتويها القضية..أو الموقف الذي أراد الكاتب تسليط الضوء عليه، أو تقديم رؤيته الخاصة للعالم...
وليس الاشتغال على اللفظ إلا تشكيلا للصورة الأدبية التي تقدمها الومضة. فالنص الأدبي عموما هو لفظ وتركيب وصورة تنتج عن هذا التركيب في سياق كلامي معين ضمن ما يؤطره النمط الأدبي، وكلما كانت الصورة تشع بلاغيا شموليا؛ كان النص أقرب إلى الاتقان والجودة .
ومن خلال اشتغالي على كثير من النصوص الومضية القصصية أمكنني أن أسجل خاصتين اثنتين لفن الومضة القصصية:
الخاصة الأولى هي أن الصورة الكبرى في النص تتكون من جزئين، يشتمل الجزء الأول على الفعل، في حين يشتمل الثاني على ردة الفعل، أي نتيجته، في حين يشكل العنوان نقطة الالتقاء بين هذين الفعلين، وصفا أو كناية أو نتيجة حتمية لطرفي الفعل ، ويكون غالبا في كلمة واحدة وقد يتعداها إلى تركيب فعلي أو اسمي إضافي لكن الغالب الإفراد فيه .
أما الخاصة الثانية فهي أن الكثير من التجارب القصيية الومضية تتناسب في بعض جوانبها مع الحكمة والمثل الشعبي السائر، بل إن كثيرا منها يتناص معها تناصا كليا...مما يمنحه القيمة التداولية والعمق الدلالي الذي تتطلبه البنية النوعية، على اعتبار أن هذه الأجناس الثلاثة تختلف في الغرض من كتابتها وفي بعض خصائصها الفنية.
★★★★★★★★★★★★★★
وسأكتفي بهذا القدر في هذه المحاضرة المقتضبة، لأمضي مباشرة إلى التحليل، ولتكن البداية مع النص الموسوم ب"غباء" وهذا نصه:"داهمهم الجراد؛ أحرقوا البيادر"
• هذا النص ومضة فنية رائعة، تآلفت فيها البنى اللفظية التعبيرية والدلالية فشكلت لنا لحمة نصية اسمها"غباء" غباء هو اسم لفظي وصفي، والغباء غير الجهل والسذاجة والحمق (وإن كانت من صفات الغبي يعرف بها ولا يطابقها في التعريف؛ فهي من المترادفات في العموم) وقد جاء في ويكيبيديا : الغباء هو ضعف في الذكاء، والفهم، والتعلم، والشعور أو الإحساس ، وربما يكون السبب فطري أو مكتسب/ ويُعرف الغبي في اللغة العربية بعدة ألقاب كالأحمق والمعتوه والأبله والمغفل"، لكن يتفرد الغباء بما لا يشاركه فيه غيره من الصفات؛ فالساذج والأحمق لا يعتد بهما في الحكم، ولا يصلحان لتولي أمور الناس ولا في اتخاذ الرأي، فمما جاء في الحمق في منارة الإسلام الإلكترونية: "ومن ذلك الحمق: نقصان العقل، وقال الجوهري: الحمق، والحمق: قلة العقل، يقال: حمق الرجل حمقا وحمقا وحماقة فهو أحمق، وحمق بالكسر يحمق حمقا فهو حمق، وامرأة حمقاء، وقوم ونسوة حمق وحمقى، وحماقى، وحمقت السوق: كسدت" أما ما جاء في السذاجة في قاموس الوسيطأن: "السذاجة: سلامة نيَّة ، بساطة تفكير ، افتقار إلى الذكاء والحكمة والحُنْكة :- استغلّ سذاجتَه ".
وهذه الفروق الدقيقة بين الألفاظ جعل الكاتب يعزف عنها إلى الغباء، فهي صفات قليلا ما نجدها عند أولي الأمر ،عكس الغباء الذي يعاني منه كثير من هؤلاء قديما وحديثا..وقد قال الشاعر أبو تمام:
"ليس الغبي بسيد في قومه* ولكن سيد قومه المتغابي" فاستعمل لفظ الغبي ولم يستعمل الأحمق أو الجاهل أو المجنون والساذج.(ينظر في معاني الألفاظ).لأن أمر هؤلاء موضوع في الأصل، ذلك أن في الومضة إشارة إلى ولاة الأمر وندلل على ما ذهبنا إليه بتناص القصة مع القرآن الكريم تناصا ضمنيا إشاريا...فالجراد هو نوع من البلاء الذي ابتلي به فرعون وجنوده من بني إسرائيل...وإنما أصابهم البلاء بسبب طغيان فرعون، ووزيره هامان ..ومن اتبعهما في البغي، وقد قال الله سبحانه في ذلك:" {وأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه:79]" فأرجع ضلال القوم إلى فرعون لأنه ملكهم، ثم إن الغباء غير الجهل وبينهما كثير، فلو جهلوا الأمر لأمكنهم طلب العلم، ولرفع الداء، فالجهل مذموم لكنه يستطب منه بالتعلم وطلب العلم، لكن الكاتب أراد لزوم الصفة في الفئة المقصودة في الخطاب، فالغباء غياب القدرة على التفكير وانخفاض نسبة الذكاء في العقل....وهذا يناسب الفكرة التي أراد تقديمها لنا.. فعندما يداهمنا الأذى نفكر في رده ولكنهم أسهموا بغبائهم بزيادته.فزادوا الطين بلة، تصور لنا القصة صورة هؤلاء القوم وقد داهمهم الجراد، والمداهمة لفظا ليست الإحاطة ولا الغزو ولا الإتيان ولا المجيء؛ وهذا اللفظ له من دلالة المفاجأة والخطر والهجوم من غير سابق إنذار، ففي انتقاء هذا اللفظ هجاء للقوم بعدم أخذ الحيطة والحذر والاستعداد لمثل هذه المصائب، وهذا من الغباء، والنتيجة كانت أن أصابهم الرعب وتمكن منهم واختلط عليهم الأمر عند وقوع الخطر فجأة؛ فأحرقوا البيادر بدل أن يبحثوا عن طريقة أخرى لإخراج الجراد وإبعاد خطره...والبيادر لغة هو الموضع الذي يحفظ فيه القمح، وللقمح دلالة المئونة والذخيرة واستمرار الحياة، فبدون طعام يجوع الناس وإذا جاع الناس تفرقوا وانكسرت شوكتهم وتوقفت عقولهم عن التفكير والتأمل، وأصبح شغلهم الشاغل هو الطعام، وقد أفتى عمر بن الخطاب بإسقاط حد السرقة زمن المجاعة، لأنه يعلم أن لا سلطة للنفس على البطن، فجعلهم في حكم من رفع القلم عنهم كالمجنون والمريض والصغير الذي لم يبلغ الحلم، وبهذا يستطيع القاص أن يجمل لنا في ومضته عظم المصيبة التي وقع فيها هؤلاء الأغبياء وأوقعوا الناس فيها...
قصة تغتني بالأبعاد الفلسفية والاجتماعية والعلمية والنفسية...إلخ، تسلط الضوء على كثير من الأوضاع الفاسدة في المجتمعات العربية ...ولو أتيح لي من الوقت أن أكتب فيها لقلت الكثير والكثير والكثير...وهي في رأيي قابلة للنشر دون تعديل
★★★★★★★★★★★★★★
*ننتقل الآن إلى القصة الثانية الموسومة ب"رقّ" وهذا نصها: "رقّ/شيّد صرح الحرية؛ سجنوه في أطلاله"
الحرية غاية الجنس البشري، فهي أساس كرامة الإنسان، وغايته الأسمى، فبدونها تنعدم أدنى شروط الحياة الكريمة، والحرية اسم شامل لا يقتصر على جانب دون الآخر، فهو قدرة الفرد على ممارسة حقوقه دون أي سلطة رادعة تتدخل في كيفية ممارستها ما لم تمس المصالح العامة للآخر، مما يحمله مسؤولية القيام بالفعل، وجزاءه قانونا وشرعا، ونقيضها الرق والعبودية والاستعباد وقد تتعلق الحرية بالرأي، أيضا كفولتير الذي قال حول الحرية :"أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية" وهذا يوضّح أنّ مفهوم الحرية أيضاً قد يتعلّق بالرأي والتعبير عنه، وإتاحة الفرصة، وبذل الجهد حتى يتمكّن الآخرين من التعبير عن آرائهم أيضاً، وقد أعطى الإسلام لقضية الحرية مكانة مهمة في منهجه، فسعى إلى إسقاط نظام الرق، ومما نسب إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قوله في القصة المشهورة: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" فهذا الخطاب الاستفهامي فيه من الإنكار والعتاب والرفض لمبدأ الاستعباد لما له من تجريم وتحقير للإنسان.
وقد تناولت الومضة الحرية بأبعادها المختلفة وتعريفاتها الكثيرة مصلوبة إلى جذع الاستعباد، مهدمة الأركان، مصورا لنا النظام الحداثي للرق، ففي النص مفارقة فنية تكمن في المقابلة بين التشييد وبين الأطلال، وبين الحرية وبين السجن، وطوقهما ما يرمز إلى النظام السائد وهو الرق المقنع بمختلف شعارات الإنسانية، صورة فنية بالغة الأثر في النفس والعقل، تختصر أسباب كساد الأنظمة وفسادها..، وقد استفتحت الومضة بعنوان صريح مباشر يؤطر الومضة ويفسرها ويختصرها إلى النتيجة، فإنما الأشياء بالنتيجة تذكر كما يقال، وهو إفرادي نكرة مذكر ، وصف على الشمول، وقد جاء في لسان العرب: الرق في اللغة: العبودية، وسمى العبيد رقيقا، لأنهم يرقون لمالكهم، ويذلون ويخضعون، والرقيق هو المملوك.
وقيل: الرق في اللغة: الضعف ومنه رقة القلب" وقد اختصر العنوان المضمون الأولي للنص البرقي، فجاءت العنونة نكرة بما لصيغة التنكير من دلالات التعدد والشمول...
اشتغل الكاتب أيضا على اللفظ، فجاءت ألفاظه ذات دلالات مناسبة للسياق؛ فالتشييد غير البناء، إذ له دلالة التطويل أي تطويل البناء ثم استتبع التشييد بالصرح، وفي هذا قوة المعنى، وتصوير لعظمة الجهد المبذول، لأجل الحرية ، والحرية تعني أن يكون الإنسان إنسانا بما للمعنى من أبعاد، له حقوق وعليه واجبات، بيد إن الجهد المبذول ذهب هباء منثورا، إذ لم يكتف بتهديم البناء بل بسجنه في أطلاله، وللأطلال دلالة الخراب والهدم، فالأطلال هي في أبرز معانيها ما بقي شاخصا من الديار بعد هجرها، قال ناجي ابراهيم في قصيدة الأطلال، يا فؤادي لا تسل أين الهوى..كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله...وارو عني طالما الدمع روى
لقد أضمر الكاتب طريقة إحباط مشروع الحرية بلغة استعارية كنائية، وأشار إلى أطلال الصرح الذي أصبح سجنا لمشيدها، وفي هذا انفتاح للنص على الكثير من الأبعاد الدلالية المحتملة، وانسجامها مع الفضاء الزمكاني لأي قارئ في أي زمان، فإذا كان الزمن يعيد نفسه غالبا في دورات فإنه من المحتمل أن يكون هناك في كل عصر أعداء للحرية، بكل مفاهيمها، أشرار يستعبدون الناس في كل ضروريات الحياة بدءا ببطونهم وعقولهم وأحاسيسهم ومشاريع حياتهم ..وكل أحلامهم، فيبقى الإنسان معقولا في سجن أحلامه المهدمة....ومن ثمة تطعن الإنسانية في أسمى صفاتها، وأمثلها تكريما للإنسان
ومما تقدم نسجل ائتلافا في البنية التعبيرية لهذه الومضة والتحاما بين عناصرها بدءا بالعنونة ..كل وحدة لغوية تأخذ مكانها في النص بحيث إن تأويلها ينعكس على المضمون الكلي له، وهذا ما منحها جمالية ومقصدا دلاليا وقيما فنية تجيز لها التميز في منظومة الفن الومضي.....
★★★★★★★★★★★★★★★
*وننتقل أخيرا إلى آخر نص في فقرتنا هذا اليوم، والتي تحمل عنوان"رياء" وهذا نصها:
"ارتدوا ثياب العفة؛عرتهم أفعالهم"
في النص مفارقة رائعة تكشف عن مهارة الكاتب في تقديم فن الومضة، حيث نجد المقابلة بين الارتداء والعري، وبين السطور تضمر دلالة بالغة الأثر على المتلقي، الفضيحة، وتجلي الحقائق المخفية خلف ظواهر الفعل، وهي تتصف بالشمول، وتبلغ منزلة المثل السائر ، ولعلي أرى فيها بعض التناص مع المثل الشعبي السائر الذي يقول"لي تغطى بالأيام عراوه"
وقوفا عند النص الموازي نجد "رياء" صيغة إفرادية اسم نكرة حامل لقيمة وصف لسلوك محله القلب، فالرياء كما جاء في قاموس المعجم الوسيط هو: "تظاهر بخلاف ما في الباطن :- فعل ذلك رياءً ، - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ، قَالُوا : وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الرِّيَاءُ [ حديث
• والرياء لغة مشتق من الرؤية، وهو الإتيان بالعمل ليراه الآخرون، فيكون عمله لأجلهم، والسمعة وهو الإتيان بالعمل ليسمع الآخرون به، وقد يطلق عليها الرياء تغليبا، والرياء محرم ومبطل للعمل العبادي وكذا السمعة .و
فالعنوان عتبة تفسر لنا ما أضمر من النص وخفى أوغمض، وتعبد لنا الطريق لفك شفراته وتفسيرها وتحليلها، وبالعودة للمتن، نجد صورة المنافق، المخادع، الموارب، الذي يظهر غير ما يخفي، رياء وحبا في الظهور في مظهر الصالح النزيه، فهو يرتدي لباس العفة لكن أفعاله تعريه، فيظهر للناس على حقيقته، ويبدو لهم منه شر ما يخفي.. لكن بماذا يتستر هذا المنافق المتظاهر، يقول:"ارتدوا ثياب العفة" إذا إن هؤلاء الأوباش يتمظهرون بالعفة ولكن ما هي العفة؟
العفة هي كما جاءت في ويكيبيديا: العفة خلق إيماني رفيع للمؤمن، وثمرة من ثمار الإيمان بالله تعالى، العفة دعوة إلى البعد عن سفاسف الأمور وخدش المروءة والحياء، العفة لذة وانتصار على النفس والشهوات وتقوية لها على التمسك بالأفعال الجميلة والآداب النفسانية، العفة إقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات .[1]
وهو بهذا اسم شامل لفضائل الأخلاق والصفات، العفة عن كل أمر مكروه ومنبوذ، يحاولون إدراك الأمثل من الصفات، الأكمل من الفضائل والأخلاق الكريمة، فالشخصية المنافقة تظهر غير ما تسر ، وكثيرا ما نصادف مثل هذه الأنماط في حياتنا، فنخدع بها، لكننا سرعان ما تصدمنا أفعالهم، التي تكون على النقيض مما يتقولونه، فالارتداء هنا هو فعل إخفاء وتضليل الحقائق ا جعل الكاتب الومضة خالدة في ذهن المتلقي، شاملة صالحة لكل حالة مشابهة مهما كان نوع الخداع الرياء، مما منحها تألقا في اختيار تقنية التعبير، ورسوخا في أنفسنا، فا عن العبرة والمغزى التي نستخلصها فور انتهائنا من القراءة، دون أن نصطدم بالغموض والطلسمة التي نادى بها الكثير من الدخلاء على فن الأدب باسم الحداثة..ترميز فيه من المتعة واللذة والفائدة..والجمالية...
وإن كنت أرى أن في النص من الألفاظ وإن كانت تؤدي وظيفتها التعبيرية، إلا أنه يوجد ما هو في نظري أحسن منها، ومثال ذلك، المفاضلة بين الثوب واللباس، فإن كانت اللغة الاستعارية تريد بالثوب الستر وإخفاء العورات، فإن اللباس أحسنها في مثل هذا الموضع، وقد جاء هذا اللفظ في أكثر من موضع في القرآن الكريم بدلالة الستر، ومن ذلك حديثه عن المرأة والرجل"هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" (البقرة، 187) وفي قوله سبحانه في سورة الأعراف " (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك) (الآية 26) ففي الآية إشارة إلى أن السوءة من الجسد يعظمها السوءة في الخلق والصفات والأفعال، وكان للنص لو استعمل هذه الكلمة أن يكتسب جمالية التناص مع النص القرآني وعمق الدلالة، ومع ذلك لا يمكن أن نعد هذا الحكم النقدي من قبيل التقليل من جمالية النص، فهو لا يعيبه، إذ إن الهيكل القصصي قائم في كل أحواله، والفكرة والمجاز فني.
أكتفي بهذا حتى لا يمل القارئ القراءة وإلا كان لي أن أقول الكثير في هذه الروائع الأدبية.
★★ عقيلة مراجي ★★