جامعة الإبداع الأدبي والنقد المعاصر


دائما الأحداث العظيمة تتصدر أعمال العظماء، وتكون محض اهتماماتهم، وحديث اقلامهم الابداعية. 
هكذا اخذتنا الشاعرة (سهاد حقي ) في قصيدة (لم ...يا بنيتي) الى أجواء الأمومة العظيمة المترعة بالتضحية والعطاء المتدفق مع حليب الثدي في صورة شعرية نقلت من خﻻلها أعظم المﻻحم البطولية لشخصية الأم المثالية باخراج شعري محفوف بالعذابات المتراكمة، وتقاطر الالام. 
وبطريقة اسلوبية معززة باعذب اﻻلفاظ ذات اﻻجراس الموسيقية المؤثرة بايقاعات بﻻغية متزنة وضعت في صميمها روح اﻻنثى النفسية العاطفية بتعابير عتابية ايضاحية جذلى ، فجرت في طياتها طاقات الأمومة القوية برسالة شعرية راقية.، التقطت زهور كلماتها من أروع بساتين اللغة المستقاة من نفائس اﻻحبار الذهبية، متجلية في أسلوب عتابي متزن وهادى وهادف وبنأ ، رسمته في لوحة جمالية فريدة، وبطريقة الجذب العاطفي اﻵخاذ ،تفيد حرقة اللوعة واﻻشتياق والعتاب اﻻمومي اللطيف، تلك الحرقة الشاسعة التي احدثت ضجيج في نفسية المتلقي. 
فمن رحيق اﻻمومة النبيلة تأخذنا الشاعرة الامومة بتقلبات زمنية هدامة ﻻتخلو من الحسرة واﻻسى والنتائج الغير مرغوبة، أتخذت من اﻻسلوب اﻻستفهامي منطلق لرسالتها الشعرية، بما لها من امكانيات اﻻستيعابية (لم ...يا بنيتي) وعلة هذا البناء النصي توضعنا الشاعرة في أجواء تدب في خلجاتها روح الحنان والحب الازلي، على رغم انها ملبدة بالغيوم، بمخاطبة شعرية استحضرت فيها الدمج الاسلوبي لاسلوبين (اسلوب الاستفام و أسلوب النداء) في سياق وأحد عزز من منطلقات الصيغة اﻻسلوبية المرنة، وهذه التركيبة الاسلوبية جسدت من الجزئيات الشعرية المتماسكة ، لاعطاء النص بؤرة تراسلية حساسة بالتراسل الحسي الشاعري المرهف الذي يعمل بذبذته المؤثرة على أذهان المتلقي لمعايشة الحدث (لم ..يا بنيتي -حملتك في قلبي- صنعت لك من اوردته شمسا ﻻ تنطفي -واسقيتك من فم روحي- اعذب القطرات و اشهاها ) بهذه اﻻلفاظ المكسوة بادق اﻻوصاف العذبة ذات النسيج العاطفي المشبع بخيالات الذات المبدعة الرخيمة، وبتقلبات الرؤيا الحسية المرهفة دفعت في خطابها الشعري كل مخزونات الذبذبة الروحية المؤثرة التي تترك أثر بالغ في ذهنية المخاطب والمتلقي أيضا.
بهوية الذات المبدعة الشعورية اﻵخاذة ، استخدمت فيها القرع على اجراس لغوية رنانة باستحضار الكم الهائل من احرف الصفير (ص- س- ز- ش )(صنعت- شمسا -شمسا -اسقيتك -اشهاها ) التي أعطت المقطع نكهة موسيقة خاصة، والى جانب احرف الصفير، دمجت معها احرف الانين (ا- و- ه-ت ة)(اورته -اشهاها ...) هذه التقنية دقيقة للغاية، تتطلب براعة ذهنية عالية وتجربة لغوية عريقة في انتقاء الحروف بدقة مذهلة في اﻻستخدام التركيبي الحرفي في الكلمات بما يتواكب مع الحدث التعبيري والسياق الاسلوبي ، وهذا النوع الاسلوبي يتطلب مهارة عالية الى ابعد حد لجودتها العالية التي تعطي النص نكهة دﻻلية خاصة جعلت من المدلول الشعري قوة لفظية متوهجة ومترعة بالعطاء والبذل السخي استطاعت اﻻنا المتكلمة جر عناصر التفاعل ((اﻻنا- اﻵخر (المخاطب )-المتلقي) الى مراجعة المكان اﻻثير بانعاش الذكريات واسترجاعها الى اجواء الرعاية والترعر من بداية التكوين و زمن الطفولة بانزياحات لفظية جوهرية، اذ جعلت من القلب مكان الحمل (حملتك في قلبي) دﻻلة على المكانة الرفيعة للمخاطب وسكونة بمكان النفيس والحب في جسم اﻻنسان بايحات بﻻغية واسلوبية وايقاعات المعادل الشعري واللغوي الفذ وزادت من القوة الجمالية روعة باستخدامها فن التشخيص الاستعاري (سقيتك من فم روحي )

الحلقة الثانية 
بواعث الامومة في شعر الشاعرةسهاد حقي اﻻعرجي.
شخصت الروح دﻻلة (فم) لتكسب المعنى بعد دلالي مفتوح وخصب يعكس عالمها المدجج بالعطاء والحنان والبذل الغالي (انمتك على فراش طياته- وجعلت من دفاه وسادة- تضعين راسك عليها- بهدوء جميل- تغضين والبسمة تعلو وجهك الصغير الجميل- وامرت احرفي بغزل وشاحا لك- تلفلفك -بنعومة وسﻻم- اطفات شمعتي لتضي لك حياتك ) وبهذا المقطع فجرت الشاعرة طاقات اﻻمومة المغروس في مكونات اﻻنا المتكلمة بطريقة تكتيكية باماﻻت متزايدة ﻻ تنكر حساسية اﻻمومة الصارخة وانبعاثاتها الجوهرية والبذل السخي من اجل اﻻبن.
و لو اعدنا النظر الى المقطع السابق لوجدنا أن الشاعرة استحضرت فية عذوبة لغوية فريدة في التوصيف البﻻغي و اللغوي بعزف روحي حساس، وبكتابة اسلوبية طليقة رسمت فيها أعظم المشاهد الامومية ، واروع ضروب التضحية بتعدد ضروب اﻻبداع الشعري المدجج بالعواطف والحلم الفسيح بتداعب فني لافنان اللغة بكلمات مشحونة بالعواطف استهدفت اﻻماكن اﻻكثر حساسية في السياق الاسلوبي (في قلبي- روحي ) وتتجلى بلوغ الذروة في تضحيتها حد الانصهار والترميد من اجل بقاء اﻻخر (اطفات شمعتي لتضي لك حياتك ) وتعج هذه المضامين اﻻسلوبية بتصاميم هندسية بﻻغية عكست مدى قدرة الانا المتكلمة على التقاط المواهب الاسلوبية البارعة بشكل وثيق و ﻻئق بتقنيات البﻻغة والمنطق عن طريق المحادثة الحوارية في حوار خارجي (مونولوج )باسلوب المواجهة وجه لوجه بدلالة الاسناداللفظي للانا المتكلمة من جهة والى اﻻنا المخاطبة من جهة أخرى ( -قلبي- صنعت- روحي- شمعتي +حياتك- راسك- وشاحا لك ...) وكذلك باستخدام تقنيات الافعال الماضية بدﻻلتها الراسخة والعميقة (حملتك -صنعت- اسقيتك -انمتك )بومضات سردية لﻻنعكاسات العاطفية تتراكم فيها المنطلقات الحسية التي تعيد الخيال الحدثي في ذهنية المتلقي باحداثيات زمنية ولغوية متوازنة، اكتسى النص فيها أبعاد معرفية لروح اﻻنين والشكوى الناجمة عن التجربة الحياتية والشعرية العريقة والثرية ، كشفت الستار عن خصوبة المعرفية في ذهنية الشاعرة بتمكن اسلوبي في مسارات النص المترع بازدحامات التجارب الحياتية لديها الضاربة جذورها من جذوة ابعاد اﻻمد الماضي و ترخماته والحنين اليه، من خلال تعايش أحداثه مجددا في الياق السردي في النص. 
وتتفنن الشاعرة في سرد المنطلقات السردية لرسم صورة جديدة مغايرة تماما للصور السابقة ياندفاعات نحو الأمل وحساسيته، والانتقال من مرحلة الرعاية والبذل الى زمن الترقب لزمن الأمل و لحظات حصاد ثمار التضحية (تمنيتك أن تكبري -لتسقيني بذورك -شربة ماء- من عنق زجاجة-وتطعميني لقمة السعادة-وتحملي عظامي -وتداوي جراحي- وتمسحي دمعة المي -وتصرخي بوجه. ..الشيخوخة ) لنمعن النظر الى هذا المقطع و ما يضج به من مكونات لغوية، ومضامين سردية ، حيث نجد ان الشاعرة التزمت بالتسلسل الزمني للأحداث بترتيب اﻻحداث بالانتقال الزمني من زمن الى اخر، فبينما يضح المقطع الاول بالافعال الماضية وايحاءاتها ، يضج هذا المقطع باندفاعات الأفعال المضارعة التي تقود السياق السردي نحو الزمن الاني وزمن المستقبل بمتطلباته التجديدية، بتنوع اسلوبي عالي اﻻداء، بدات المقطع بالتفافة ثاقبة بعمق أسلوب التمني ، بلفظه الصريح (تمنيتك) لتعطي المسار الشعري دفعة نوعية من زمن الى اخر، لتكسب المعنى أبعاد دﻻلية مفتوحة تتجلى فيها صور ﻻحداث جديدة متوازية لغويا واسلوبيا مع اﻻحداث السابقة خاصة باستخدام الحروف التوكيدية (أن- اللام ) لتوكيد الحدث واﻻشارة ﻻهمية (لتسقيني- أن تكبري).
ويستقي المقطع روعة من سلسبيل الكم الهائل من الاسناد للملكية الحورية الحاضرة بدلالة (ياء المتكلم ) بالافعال (لتسقني -تطعمني -تحملي -تداوي -تمسحي -تصرخي ) هذه اﻻفعال المستقبلية بدﻻلتها المتجددة المسندة للانا المتكلمة بذاتها نقلت البؤرة الحدثية الى الزمن الحاضر ورسمت صورة مغايرة تماما للصور السابقة باندفاع نحو التمني و رد الجميل (تمنيتك ان تكبري ) من ثما تسرد توضحات التمني بتكيف بﻻغي مضغوظ الدﻻلة، باشراك عناصر الحوار معه (اﻻنا المتكلمة -الاخر الانا المخاطبة-المتلقي) لمعايشة الحدث و تدارس الموضوع المطروح بشفافية، وبطريقة مشبعة بالتوق والصراحة المتناهية، في تألق يستوعب اجواء التقنيات الكتابية الأدبية، ومواكبة المسيرة السردية لاستقبال احداث جديدة كليا، و الوقوف عند تفاصيلها لحظات لاستخﻻص التوقعات المرجوة، ومردودات اﻻفعال السابقة، في استحضار منهجي للبوح بالنتائج النهائيةالمرتقبة. المنشود، بفلسفة اسلوب التمنى وتقود المتلقي نحو التلهف لما بعد البوح والتمني وفق الترقب الزمني لتسلسل الحدثي المشبع بالذات المبدعة التي تحرص على رعايته منذ بواكير القصيدة الاولى بارسال الايضاحات اللغوية والدفعﻻمن قيمة الذكريات الاثيرة بقدرة فائقة على التماسك التسلسلي للتعقبات الحدثية منذ امد بعيد، في تحدي واضح لرفض الاستسﻻم للمتغيرات الزمنية و الشيخوخة وكسر الجموح المرتهن في مكوناتها التنموية (تصرخي بوجه الشيخوخة- لترتعد منك /لن اسمح لك /بالتقرب منها /فانا هنأ)استخدمة بذلك تعزيز سمات التفاعل واليات القيم المنطقية بتقنيات الريشة الحسية للالفاظ الامنة التي تتساير مع متطلبات النص (الزمنية والمكانية) والتوقيتات المناسبة والتردد بانتظام على اﻻنتقالات الفعلية من زمن الى اخر، حرصت اﻻنا الساردة على التماسك الشديد على شخصيتها الى اخر ولة متحدية التقلبات الزمنية وعدم الرضوخ لها (لن اسمح لك بالتقرب منها- فانا هنا).

ومن هنا تنطلق الشاعرة بقوة دفع اﻻنا المتكلمة نحو الهدفىالتي عززت من حضوره باستدراج متمكن حتى هذه اللحظة لتقوم بالتصويب المباشر باسهم لغوية نارية متوقدة السخط مستخدمة اسلوب التانيب والردع والنقد البناء وتفرز كل عناصر اللوم والعتاب المكبوتة في جوف الاناء منذ اللحظات اﻻولى بداتها بالتنكر من اﻻخر باسلوب استفهامي مرن يحدث صدى اثري بالغ (من أنت الان /وكل شيء اصبح أكاذيب. ..) وبهذه الانحنات المنكسرة تأخذنا الشاعرة الى اجواء مغايرة تماما على سابيقتها
عبر مناشدة عتابية شديدة الوقع التاثيري بطريقة الزجر اللفظي العنيف وارسال الالفاظ النارية بقوة تركيبة لغوية واسلوبية استطاعت من خﻻلها ربط الحدث الزمني والحدث الفعلي بمعالة لغوية فرضت توقعات استباقية منذ اول طرح لرؤى القصيدة .
الزمن الاول =زمن الترعرع والرعاية الامومية -تحت مظلة اﻻمومة والشبق الامومي 
الزمن الثاني =زمن الترعرع واﻻمل المرجو زمن التطوير والتربية وتحديد النظرة المستقبلية
الزمن الثالث =زمن التمرد والخروج عن طور الامومة ويعتبر أيضا زمن النبذ الامومي للابنة.
ومن خﻻل ذلك التوثيق الزمني قادتنا اﻻناء المتكلمة للبؤرة اﻻيضاحية والرفض لتصرفات الاخر والتنكر لها بمهاجمة لغوية فائقة التأثير وصولا الى حد التخلي واﻻزاحة المكانية والعاطفية والزمنية.
بندر علي مجمل ..اليمن

 

المصدر: بندر مجمل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 29 يوليو 2018 بواسطة akilameradji

أَبو فروة الظريف

akilameradji
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,936