جماليّة التّشكيل في الرّواية الخياليّة العلميّة الجزائريّة
رواية :"معادلات الحلم ل تقي الدين بوسكين أنمودجا
عقيلة مراجي
تمهيد :
-ظهور رواية الخيال العلمي في الجزائر:
قبل أن تلج الرّواية الجزائريّة مجال الخيال العلمي كانت تستجيب تدريجيّا لتأثيرات العنف التّجريبي الذّي بدأ يأخذ طابعا صارما مع جيل الثّمانينات ،حيث بدأت أعمال هذا الجيل الجديد تطرح"مفهوما جديدا للإبداع انطلاقا من رؤيا ثقافيّة أسهمت فيها عوامل عدة فرضتها ساحة الكتابة العالميّة ،لعلّ أبرزها التّمرّد على الواقعيّة النّمطيّة ،ومحاولة الرّجوع إلى أفضية الفنّ ليحقّق فكرة الإبداع ،الذّي هو تعارض وانقطاع بين الواقع القائم وطموحات الذّات إلى واقع غير متحقّق<!-- .
ومن ثمّة فقد كانت هناك بعض القوالب التشكيليّة الجديدة مع احتدام هذا العنف ،والنزوع نحو الجديد ؛ وقد أفرز هذا النزوع أشكالا جديدة في الفن الروائي ، لعل من بينها "كتابات الخيال العلمي "،لكن بالرّغم من أنّه كانت هناك بعض المحاولات اللاّفتة في هذا النّوع الرّوائي إلاّ أنّ الانطلاقة الفعليّة كانت مع تأسيس نادي الخيال العلمي ،أي عندما أسّست جماعة من المبدعين والمهتمّين هذا النّادي وكان ذلك عام 1994،ومن أعضاء النّادي البارزين آنذاك نجد: أحمد قرطوم ،محمد الصّالح درويش،لمنور مسعودي ،زرياب ،فيصل الأحمر ،نبيل دادوة وغيرهم وكلّهم تقريبا انسحبوا منه لأسباب ماديّة ،وبالرّغم من ذلك فإنّ هؤلاء يذكرون عند الحديث عن الخيال العلمي الذّي عرف أوج انتشاره عام 1996 ؛أي سنتين بعد التّأسيس لقد شغل نادي الخيال العلمي اهتمام النّاس واستقطبهم واستهواهم إلى أن تفرّق أعضاؤه ،وقبل ذلك كان هذا النّوع الأدبي محدودا جدّا ،إلاّ محاولات قليلة منها ما كتبه أحمد منّور في قصّته (البحيرة العظمى)،وهي قصّة للفتيان وليست رواية، فازت بجائزة إمارة الشّارقة لعام 1999،ونشرت هناك،ورواية (جلالته الأب الأعظم)للحبيب مونسي ،وما عدا ذلك فقد ظلّت محاولات الكتابة في هذا المجال ضعيفة جدا وأخذت تنحصر شيئا فشيئا وبالتّالي تفكك جماعة الخيال العلمي<!-- .وبعد هذا الانحصار والتّوقف لاقى أدب الخيال العلمي ،وعلى رأسه الرّواية بعثا جديدا ،ومن بين الكمّ الكبير من الرّوايات التّي صدرت في الجزائر رواية الخيال "الكلمات الجميلة"لنبيل دادوة ،و"أمين العلواني "لفيصل الأحمر<!--،ويتحدّث فيصل الأحمر عن تجربته في رواية الخيال العلمي فيقول :"في رواية الخيال العلمي الثّانيّة وهي (قيد الطّبع في دار ألمعية)مكتوبة عام 1997،وفيها اتّجت اتّجاها صوفيّا قويّا جدا .إنّها رحلة في الفضاء الخارجي للبحث عن الذّات فلقد عملت ثقافتي الصّوفيّة على رسم خطوط اللرّواية ،إذ أنّ المتصوّفة يؤمنون بالرّحلة الدّاخليّة ،وبأنّ العروج في مدرج القدس الأعلى يؤدّي إلى الغوص في مدارج النّفس الأدنى إلينا ،أمّا الرّواية الموالية التّي أعدّها أكثر أعمالي في الخيال العلمي اكتمالا هي رواية :"أمين العلواني"كتبت بين 1999و 2001،ونشرت عام 2007،بدار المعرفة وهي رواية جمعت أشتاتا كثيرة من فنون القول (المذكّرات ، البيوغرافيا ،الشّعر ،التّسجيل بالكاميرا ،المنتخبات الأدبيّة ،القصة ،الدّراسة النّقدية ،إنّها رواية مسلية<!--.
أمّا عزّ الدّين ميهوبي فقد أكّد في محاضراته ضمن الرّواية الجزائرية أنّها في مجال الخيال العلمي لا زالت ضعيفة والمحاولات الموجودة حاليا ضعيفة ،ولا ترقى إلى مستوى التّجارب العالمية كما أنّ الجزائر تفتقر إلى صناعة سينيمائيّة تترجم أدب الخيال العلمي<!-- .وتعتبر روايته اعترافات أسكرام إحدى القفزات الجريئة في هذا المجال ، -وقد عدّها البعض البداية الحقيقية لرواية الخيال العلمي في الجزائر- وهي تتضمّن على حدّ قوله مجموعة من الأصوات ،وعددا من الرّواة لأنّها رواية تضم مجموعة من الرّوايات ،حيث نجد صالح ،أنطوان سالو،إيليسيو الكوبي ،مانويل الإسباني ،سادي اليابانيّة،وأبو رشد الأفغاني يسردون اعترافاتهم ، لهذا فقد تمّ نشرها في بداية الأمر على أجزاء ،وكل جزء يحمل اسم رواية ، -ومنها- رواية "اعترافات3 أسكرام ،أسوار القيامة" ، كما أكد عز الدين ميهوبي بأنّه قد هدم الأسوار الفاصلة بين الواقع والفانثازيا في الرّواية<!--. وهكذا نكون قد أشرنا ولو إشارة خاطفة إلى بدايات ظهور هذا النّوع الرّوائي في الجزائر.
* وقفة استهلاليّة مع مصطلح الجماليّة:
إنّ البحث عن جماليّة الخلق في عمل روائي ما مغامرة جميلة في أدغاله الفنيّة ،ذلك أنّ موضوع الجماليّة ببساطة هو"[معاجة] الفن أوبالأحرى الجميل ،وهذا يظهر بديهيّا لكلّ واحد مع أنّه غير مسلّم به<!-- ،تسليما لما يفرضه الجمال من جدليّة ،ولعلّ بداية هذه المغامرة هي النظر في طبيعة هذا المصطلح بما يشع من أناقة دلاليّة ،لما لتحديد المفاهيم من أهميّة في أيّ دراسة منهجيّة ،وبداية هذه البداية هي الوقوف على الحقيقة اللّغويّة ف"كلمة جماليّة مشتقّة من جمالي [الذّي هو منسوب إلى الجمال ] ، و قد ظهر هذا التّعبير في عام 1750،عند بومغارتن : boumgarten ،ومصدره اللفظة اليونانيّة austhes ،التّي تعني الإحساس"<!-- ،وبالرّغم من تلك العلاقة الواضحة بين الجمال و الإحساس إلاّ أنّهما ليسا شيئا واحدا ،فسؤال الجمال سؤال جوهري أزلي إذ"ليس للجمال وجود فيزيائيّ" ،وطبيعته الطّيفيّة هي التّي تجعله دائم الحضور في الوجود،إنّه هيولى وخفي ومتحوّل ،إنّه يولد من نقيضه بعد أن يحترق فيه ،وإذا عدنا إلى المفهوم اللّغوي للفظة الجميل "فسنجدها تدلّ على الحسن والملاحة والوسامة والبهاء ، وهو حالة ما هو جميل ،فهو إذا ما يثير فينا إحساسا بالانتظام والتّناغم والكمال ،وقد يكون ذلك في مشهد من مشاهد الطبيعة أو في أثر من صنع الإنسان ، وإن كان الإتيان بتحديد واضح لماهيته شبه مستحيل ،لأنه قوّة خفيّة تتولّد فينا عن رؤية أثر تتلاقى فيه عناصر متعدّدة ومتنوّعة باختلاف الأذواق ،وهو ليس خاضعا لمعايير العقل بقدر خضوعه لانفعالات داخليّة<!-- ،أمّا العودة إلى التّحديد النّظري للجمال فإنّها تفصح بذلك عن تعقيد أشدّ تنوّعا ، فالفلسفة الأفلاطونيّة تقرن الجمال بالإلهيات ،وترى بأنّه نتاج لإشراق الحقيقة المتولّدة عن إحساس الإنسان بذلك التّشابه بين الأصل السّماوي ،وظلّه الأرضي لأن غاية الجمال هو اللّه وعنه يتولّد كلّ الجمال ،وبالرّغم من أنّ الاتباعيّين قد أقرّوا بمعيار الحقيقة ،إلاّ أنّهم قد أضافوا إليه شرط الإمتاع ،ومن ثمّة الإلحاح على تجنّب البشاعات الخلقيّة في الطّبيعة ، والتّي قد تشوّه الإحساس الجمالي ،أمّا الرّومانسيّيون فهم يرون أنّ قوّة الجمال وسحره تكمن في توالده من الجميل والقبيح ،وبذلك فإنّ البشاعة عندهم قد تتحوّل إلى موضوعة فنيّة ،ذلك أنّ الجمال مترفّع عن الحيّز وعن الغاية<!-- .
وقد ذهبت الفلسفة الالتزاميّة إلى أنّ الجمال يتوالد من قيمه التّي يبثّها في العمل الفنّي ، فالقيم الجماليّة ومبحث الخلق يتعلّقان بالقيم بصفة عامّة ،إلاّ أنّ القيمة أوسع مجالا من كونها أخلاقا أو جمالا أو دينا ، ومن ثمّة فإنّ القيمة الجماليّة والالتزام متلازمان من ناحيّة والإبداع الفنّي والحريّة متلازمان من جهة أخرى ، ويمكن تجسيد جانب من هذا الطّرح في قول مونتسكو:montesquieu :"عندما نجد متعة في رؤية شيئ مع منفعته لنا نقول إنّه حسن ،وعندما نجد متعة في رؤيته دون أن نفصل عنه منفعة حاضرة نسمّيه جميلا<!-- ،ومن كلّ ما تقدم يتّضح لنا أنّ الجمال يقاس بما يصدر عنه من إحساس بالمتعة والخلق والفائدة ،وما يثيره من تأمّل ،وبهذا فإنّ جماليّة الخلق تستهدف دراسة المنجزات الفنية في معادلات التّشكيل المختلفة ،واتخاذ مقاييس الجمال في مزج الألوان والألحان أساسا للتّقويم، وفي ظلّ نظريّة جماليّة التّجاوب التّي يقدّمها إيزر فإنّ الشّيئ الأساسي في قراءة كلّ عمل أدبي هو التّفاعل بين بيئته ومتلقّيه ،ومن هنا يمكن أن نستخلص للعمل الأدبي قطبين قد نسمّيهما : القطب الفنّي والقطب الجمالي ،الأوّل متعلّق ببنية العمل الفنيّة ، والثّاني متعلّق بمنجزات القراءة<!-- ،ولكن هذا لا يعني أنّ هذه المنجزات محكومة إلى الشّرح و التّعليل والفهم ،بل إنّ العمل الفنّي خاضع لعالمه الفنّي الخاصّ وليس له قيود ،وكما يقول قائل ضع كلماتك في قبّعة واختر منها بالصّدفة ،ولكن ّ التّجربة الجماليّة تعمل على خلق حالة خاصّة من التّأمّل وهي التّي تولّد النّشوة،وعادة ما تنتج حالة التّأمّل عن ذلك الغموض الذّي يلّف القول الأدبي فكما يقول فاليري :"يجب دائما أن نعتذر عن عدم الكلام في فنّ التّصوير<!-- وفي ظلّ هذا الاعتذار ،والصّمت فإنّ القراءة تجعل المنجز الإبداعي بدايات لاتنتهي ،إنّها تكوّر المكتوب على نفسه ،فهو لايزال بها يدور ،حتّى كأنّ كلّ بداية فيه تظلّ بداية وبداية النّص غير الثّابت، النّص المستحيل يبدأ مع الكاتب –أي- مع القارئ ،وهكذا فإنّ لذّة النّص هي القيمة المتعلّقة إلى قيمة الدّال الفاخر<!-- ،والدّالّ بصفة عامّة قد يتعدّى اللّغة ذاتها إلى ملمّحات اللّغة ،أي أنّ حضور المتخيّل العلمي هو بدوره دالا فاخرا إذا ما وظّف توظيف أنيق في العمل الرّوائي.
"إنّ قلادة فن اللامعقول تحتوي على عدّة مفاتيح من العلاقات المنهجيّة على مختلف أنماط وطرائق الإفصاح (التّحليليّة ،الموضوعيّة،الذّاتيّة ،التّأمليّة ،الشّموليّة ،النّقديّة ،القاعديّة ،المعياريّة ،النّمطيّة ،القيميّة ،الجماليّة ،الاستراتيجيّة ،...وغيرها )،وهي التّي تنظّم تجربة العمل الإبداعي المتشاكلة في موضوعاته الدّالة التّي تكسبه معنى رفيعا ،يتجلّى من خلال وجوه الارتباط المعقّدة في المحتوى النّصي<!--.،وبذلك فإنّ البحث عن الجماليّة في مثل هذا الفن الرّوائي يقتضي الانطلاق من كون اللامعقول عبارة عن نتاج حقائق معرفيّة تمارس عبر مجمل العلاقات الرّوحيّة والنّفسيّة ،والفكريّة ،والفنيّة ،والثّقافيّة ،والسّياسيّة والاجتماعيّة و الاقتصاديّة ...إلخ،وهكذا يتحوّل الإبداع إلى وعي التّوازن ما بين الذّات المبدعة والموضوع المبدع ،وتصبح معارفنا الكونيّة نوعا من المعرفة الإبداعيّة المستندة إلى جملة رموز،ومفاهيم مجرّدة تشرح المستقبل بمنظور الحاضر ،وهنا يتحرّر المرء من غربته عن الواقع ويصبح سيّد الكون <!--.،ولقد حاولت رواية الخيال العلمي أن تستعين بالمكوّن المعرفي ،والطّابع الغرائبي لخلق حالة التأمّل للوصول إلى التّميّز الأدائي الذّي يجود بقيمة جماليّة خاصّة .وبناء على هذا سأحاول تقديم دراسة يمكن وصفها بالمتكاملة في جمالية التشكيل في رواية "معادلات الحلم"وستقسّم هذه الدّراسة عبر خمسة محطّات هي على التّرتيب :العتبات ،الشّخصيّة ،الزّمن السّردي ، الفضاء المكاني ،وأخيرا الموتيف المعرفي .
1 - العتباتيّة :من شعريّة اللّغة إلى موسيقى الصّورة :
لست أظن أنه يمكن الاستغناء في هذه الدّراسة عن الوقوف عند عتبة المفاهيم الاصطلاحيّة للمصطلحات ذات العلاقة بالطّروحات المتناولة ،لما لذلك من أهمية .لذلك سأحاول الوقوف عند مصطلحين أساسيين وهما العتبات والشعرية :
أ-العتبات:
" لم تكن العتبات تثير الاهتمام قبل توسع مفهوم النّص ،و لم يتوسع مفهوم النّص إلا بعد أن تمّ الوعـــــــــــــــــــي و التّقدم في التّعرّف على مختلف جزئيّاته و تفاصيله، ولقد أدّى هذا إلى تبلور مفهوم التّفاعل النّصي ،و تحقق الإمساك بمجمل العلاقات التّي تصل النّصوص بعضها ببعض، و التّي صارت تحتل حيّزا هامّا في الفكر النّقدي المعاصر"<!--.
فأصبحت العنونة ومصاحباتها بهذا مدخلا هامّا للمتن الحكائي ،و شعارا يعرّف المضمون من خلاله ،و لأهميّ فقد نشأ علم خاصّ يعني بها ويدرسها و ينظر في صلتها بما تحتها ،و في علاقاتها بمصاحباتها :إنّه علم العنونة أو [latirologie] الذّي يمثل علما، أو بالأحرى فرعا معرفيّا يعود الفضل في إرسائه إلى كلود دوشيه aud-epucheet" cl".
ومن بين هذه المصطلحات التي تروّج الآن في سوق التّداول النّقدي نجد مصطلح عتبات (seuils) الذّي أفرد له "ج ج. جينيت "كتابا كاملا أسماه بهذا الاسم جاعلا منه خطابا موازيا للخطاب الأصلي و هو (النّص)، يحركه في ذلك فعل التّأويل ،و ينشطه فعل القراءة شارحا و مفسرا شكل معناه<!--
و تتعدد العتبات و المصاحبات النصية و تتنوع استنادا إلى الطبيعة التشكيلية، و الفنيّة ،و الجماليّة ،و الموضوعيّة التّي يشتغل عليها كلّ روائي<!--، و يعتبر العنوان ثريا المناص النّصي، و يستطيع هذا الأخير أن يقوم بتفكيك النّص من أجل تركيبه ،و استكناه بنياته الدّلالية الرّمزية ،و أن يضيئ لنا في بداياته الأمر ما أشكل من النّص و غمض، وهو مفتاح نصي يجسّ به السّيميولوجي نبض النّص، و تجاعيده، و ترسّباته البنيوية، و تضاريسه التّركيبيّة"<!--.
ب-مصطلح الشعرية:
"إنّ مصطلح الشّعريّة يقابل في اللّغة الفرنسيّة مصطلح :poetics ،وهومصطلح قديم حديث في الوقت نفسه ،ويعود أصل المصطلح في أوّل انبثاقه إلى أرسطو ،أمّا المفهوم فقد تنوّع بالمصطلح ذاته على الّرغم من أنّه ينحصر في إطار فكرة عامّة تتلخّص في البحث عن القوانين العلميّة التّي تحكم الإبداع<!-- ،فوظيفتها إذن هي:استنباط هذه القوانين وتسجيلها لصالح العمل الإبداعي ،و"لقد جاءت الشّعريّة فوضعت حدّا للتّوازي القائم على النّحو بين التّأويل والعلم في حقل الدّراسات الأدبيّة ،وهي بخلاف تأويل الأعمال النّوعيّة لا تسعى إلى تسميّة المعنى ،بل إلى معرفة القوانين العامّة التّي تنظّم ولادة كلّ عمل ،ولكنّها بخلاف هذه العلوم التّي هي علم النّفس وعلم الإجتماع ...الخ ،تبحث عن هذه القوانين داخل الأدب ذاته ،فالشّعريّة مقاربة للأدب مجرّدة وباطنيّة في الآن نفسه<!-- ،وبعد هذا التّعريف الموجز لمصطلح الشّعريّة ووظيفتها سننطلق الآن في رحلة الكشف عن وجوه الجماليّة في عتباتيّة الرّواية.
-إنّ أوّل ما نفتتح به هذا الحديث في معرض الشّعري والموسيقي أنّ الرّواية صدرت على ثلاثة أجزاء منفصلة وثلاثيتها هذه تتكشّف على آفاق تأويليَة متعدّدة ،وهذه الآفاق انبجست بدء من العتباتيّة التّي جمعت بين الفنّ التّشكيلي والفنّ اللّغوي ،فالعتباتيّة بوصفها علامة جماليّة فهي "لا تمثّل نفسها وإنّما تحيل على علامات جماليّة مفتوحة تضيف عليها ديناميّة و سيرورة دلاليّة<!-- ،وهذه الّسيرورة الدّلاليّة تتشكّل تدريجيّا عبر لغة رياضيّة تقمّصتها العنونة وتوحّدت بها كي تمنحنا قالبا تشكيليا شاعريا ،حيث تصادفنا العنونة مركبا إضافيا ؛ف"معادلات الحلم" لا توجّه مطلقا إلى البؤرة الدّلاليّة للفضاء الدّلالي النّصي وإنّما تحيل إلى مملكة ضبابيّة تتقاطع بها الدّلالات الزّئبقيّة وتتلازج حتّى لا تلتحم إلاّ في الحلم ،حلم القراءة الذّي لا بدّله من التّمازج بقوّة غيبيّة مع حلم الكاتب الذّي انقضى بعد أن بعثر علاماته اللّغويّة وأيقوناته الصّوريّة ، فالكيميائيّة العقليّة التّي تفصح عن أسطوريّة المخيلة تفصح أيضا عن معادلاتيّة الحلم ،وطرفا هذه المعادلة يختزلان حكاية التّحوّل التّي تشكّل بؤرة رواية المركز،لا شيئ حقيقيّ و ثابت إلاّ التّحوّل ،و التّحوّل ليس ثباتا ولا حقيقة ،فالمعادلاتيّة تنبئ بالتّوالد ،بالتّكوّر ،وبالمجهولاتيّة ،وهكذا فإنّ الكتابة ذات التّمظهر الغائي تجعلنا أمام تنوّع دلالي متخم،وهذا التنوّع ليس نتاج تناسخ ؛فالتّناسخيّة تنصهر تحت تأثيرات التّحوّل أمّا التّوالد فهو ينبئ عن كل تلك الرّغبات والأفكار ،لأنّ حدود المعادلات المتوالدة لا تنفكّ تروي قصّة الحركيّة الحياتيّة ،بأبعادها المكانيّة والزّمانيّة ،ولمّا كانت هذه الأخيرة مرتبطة للحلم ،وتابعة له ،فإنّ التّشكّل العتباتي سيسفر فعلا عن ملحمة دلاليّة تحتضن الحلم الإنساني الأكبر ،الذّي يتجاوز الذّات الكاتبة ليحتوي حلم البشريّة في بحثها عن اليقينيّة ،وهكذا فإنّ هذه العنونة في تمظهرها اللّغوي تتحوّل إلى تصعيد ارتغابي يواجهنا في رحلة الشّخصيات البطلة إلى الماضي أو إلى الزّمن الصّفر.
ويتعالى اسم الكاتب على يمين الغلاف ،وتقبع هويّة الجنس الإبداعي –رواية –في أسفله ،في حين تتمركز الثّريا بكتابة مفخّمة في الوسط لتصبح معادلاتيّة الحلم أكبر من عالم الكتابة بطرفاه المتلفّظ والملفوظ،السارد والمسرود له ،ويمتد المحيط الحلمي عندما ينفتح الخطاب الإهدائي على على قيمة انتمائيّة :"أهدي كتابي إلى الجزائر العميقة التّي صنعت كلّ خليّة منّي وإلى أمّي<!--.،وهذه العتبة تتكرّر في الأجزاء الثّلاثة ،وفضلا عن أنّها تتحوّل إلى لازمة سريريّة بين الأجزاء ،فهي تنفتح على مضمر استفهامي يراود فعل القراءة ، فهل معادلاتيّة الحلم هي الجزائر ، وهل الأمّ هي الوطن بأبعاده وتاريخه الملاحمي ؟أم أنّ هذه القطعة الجغرافيّة قد تبعثرت أجزاءها في أرجاء الحضارة العربيّة –العميقة!-،فصارالكلّ واحدا ؟.
في الجزء الأوّل تأتي العتبة الختاميّة كي تؤكّدة القيمة الانتمائيّة من خلال حواريتها مع الزّمن الماضي ،لأنّ الماضي هو جزء منّا أمّا المستقبل فنحن جزء منه ،وهذا ما يتّضـــــح في قوله :"كثير من النّاس يرهقون أنفسهم بالتّفكير في المستقبل ،الذّهاب باتّجاه الغد شيئ لا مفرّمنه للذّين كتب لهم اللّه حياة تتعدّى الغد،ولكن من منّا يمكنه استعادة أجمل لحظات ماضيه ،لو كان الأمر بيدي لبادلت كلّ لحظات مستقبلي الورديّة بلحظات الصّغر المنسيّة<!-- تغادرنا دون أن نتعرّفها ،وكأنّ الكاتب من خلال الختاميّة الغيريّة التّي رافقت الجزء الثّاني قد أكّدت هذا التّصوّر ،فالختاميّة تعرّف بالكاتب ،الذّي جهل نفسه في الجزء الأوّل ؛فعجز عن التّعريف بها .
أمّا في الجزء الثّالث فإنّ الختاميّة تستعرض لب فكرالسّارد والذّي يتوقّف عند حقيقة واحدة ؛وهي حقيقة التّوحيد يقول في عتبة الختام :"فأيّتها المخلوقات التّي عشت يوما ما تحت سيطرة أفكاري تعالي لنشهد سويّا أن لا إلاه إلاّ اللّه وحده لاشريك له<!-- ،وهو مايثري هذه العتبة بقيمة عقائديّة يبدو أنّها قد حفّزت العقل الباطني لشخصيات الرّواية، فضلا عن أنّ هذه القيمة تتحوّل بالفضاء الدّلالي من انتمائيّة الوطن إلى انتمائيّة الدّيانة الإسلاميّة ،وبعد كلّ هذا المد والزّجر على شاطئ الجماليّة العتباتيّة يمكن استخلاص قيمة جماليّة مهيمنة لشعريّة اللّغة هي التّحوّليّة .
و إضافة إلى شعريّة اللّغة التّي أغرقتنا في متاهاتها اللامتناهيّة عبرتفعيل المتخيّل الأمر الذّي جعلني أستمسك بالمهيمنة التّحوليّة قصد الخروج من هذه المتاهات ،نجد التّشكيل العتباتي يخاتل بظهور جديد يعادي المألوف التّعبيري ،على الأقلّ بالنّسبة للرّواية الجزائريّة ،حيث تفاجئنا بحضور المرئي والمتمثّل في الصّورة ،وكلّ صورة في الأصل نفي للزّمن من حيث تأبيد اللّحظة خاصّة في ظلّ اعتقاد سّائد بأنّ الصّورة هي في النّهاية تجسيد للواقع ولكنّ "الحال على أنّ الأمر على النّقيض من ذلك ؛فالصّورة شيئ آخر غير استنساخ حرفي لواقع مرئي لا مراء فيه فما يأتي إلى العين هو"نظرة تنظر " إلى الأشياء لا الأشياء ذاتها ،إنّها لحظة فنيّة تقوم باستعادة ظلال خفيّة هي ما يشكّل الفواصل التّي لا تراها إلاّ نظرة تبحث في الأشياء عن جوهرها لاعن تجلّياتها المباشرة<!-- ،وتأتي الصّورة بوقع غرائبي تتراقص شطحات الإبداع على إثره ،وتنفتح إيقاعيّة موسيقاه على جو ضبابي يتكشّف تدريجيّا تحت معزوفة المجهول ،ليتحوّل هذا الإيقاع إلى تشكيل درامي ،ومع أنّ هذه الأيقونة هي نصّ مرئي و"النّص المرئي تمثيل للواقع إلاّ أنّه في حقيقة الأمر خلق لواقع جديد من الزّمان والمكان ،ومن ثمّة فإنّه يتميّز بالحركيّة والتّوتّر وامتلاك إيقاعه الخاصّ<!-- ،كما أنّ هذه الموسيقى المتوالدة عن هذه المعزوفة ترتقي إلى العلامة الجماليّة ،حيث سعى السّارد من خلالها لأن" يستقطر في عمل فنّي واحد خلاصة تجربته الجماليّة في فنون الكلام والرّسم والتّشكيل والموسيقى والتّعبير الجسدي الرّاقص كي يبرز شعر الحياة دفعة واحدة مكتملة <!-- ،وهكذا فإن هذه العلامة تبدأ بدورها في عزف سنفونيّة التّحوّل التّي تتشكّل عناصرها من سفسطة الألوان والأشكال ،الجزء الأوّل يتغلّف بغلاف أسمري ؛فاللّون البنّي الفاتح يغلّف الوجه البشري المجهول ، وبعينين مغمضتين تبدأبداية التّعرّف منغمسا في عالم الحلم،أمّا في الجزء الثّاني فتبدأ حدّة الإيقاع بالتلاين في ظلّ اللّون الأخضر الباهت تخالطه زرقة باهتة شاحبة تحيل على مدلولات تغطس في العمق السيكلوجي للشّخصيّة ،التّي يراودها شعور بالأمل الذّي يسحب عمليّات التّحوّل ،وتندر ساعة اليد التّي تزيّن يد الشّخص بالنّبض الميقاتي المتسارع وفي الجزء الثّالث يتحول اللون الأخضر إلى اللّون الأزرق ليدل على الهدوء والشّفافيّة لبلوغ غاية التعرف ونهاية التّحوّل إلى حين !،فينفتح بذلك على قيمة الطّمأنينة وتبدو معالم الحياة أكثر اتّساعا وتختم السّنفونيّة .
<!--- إستيطيقيّة الشّخصيّة :
تعدّ الشّخصيّة عنصرا أساسا في العمل الرّوائي ،إذ تسهم بدرجة كبيرة في تفعيل المادّة الخام التّي تشّكل جماليّة البناء السّردي من حيث أنّها "تعمل كمحرّك أساسي للعمل الفنّي فهي القطب الذّي يتمحور حوله الخطاب السّردي ،وأهم أداة يستخدمها الرّوائي لتصوير هذه الحوادث هي اختياره للشّخصيّات ،حيث تلعب دورا رئيسيّا ومهمّا في تجسيد فكرته<!--.،وبناءا على هذه الأهميّة فقد قامت جهود كثيرة وتخصّصات لتقديم تعريف محدّد وشامل لها ،كما قامت أخرى للبحث عن القانون الأساسي الذّي يحكم هذه المادّة ،فتناولت تصنيفاتها ،أنواعها ،وتطابقها ،وتقاطعها ،ومنها تصنيف الشّخصيّة في: سكونيّة ثابتة لا تتغيّر طول السّرد ،وديناميّة تمتاز بالتّغيّر الدّائم داخل السّرد ،ثم شخصيّة محوريّة أورئيسيّة أو ثانويّة ،وشخصيّة معقّدة ذات عمق سيكلوجي ،كما قدّم فيليب هامون pr.homon ثلاثة أنواع من الشّخصيّات :
1-الشَخصيّة المرجعيّة : وضمّتها الشّخصيات التّاريخيّة ،الشّخصيّات الأسطوريّة والمجازيّة، الإجتماعيّة ،وكلّ هذه الأنواع تميل إلى معنى ثابت تفرضه ثقافة يشارك القارئ في تشكيلها .
2- الشّخصيّات المتكرّرة :ذات الوظيفة التّنظيميّة وهي التّي تبشّر بخير أو تنذر في الحلم.....
3-الشّخصيّات الواصلة النّاطقة باسم المؤلّف :وأكثر ما تعبّر عن الرّواة والأدباء والفنّانين<!-- وفي ضوء هذا الموجز التأطيري سيتم إبراز النّمط النّوعي الذّي يحكم التّشكيل الشّخصيّاتي في الرّواية ،ويحقّفق فردانيتها الإبداعيّة صاقلا طابعها الجمالي في ظلّ المتخيّل العلمي .
إنّ أوّل ما نستهلّ به محضر الجماليّة المقدّس هو الإقرار بملحميّة الصّناعة السّرديّة التّي تكشف عن تجانسيّة بين المرئي واللاّمرئي ، السّاكن والمتحرّك ،الخيالي والحقيقي ،وأخيرا بين التّاريخي والواقعي ،ومن ثمّة فإنّ هذه الصّناعة تضجّ بالتّنوّع الشّخصيّاتي المتناقض ،والمتضاد ،والذّي يصرّ على الحضور المتميّز والفانتازي ،وبالرّغم من هذا التّنوّع فإنّه يمكن وضعها تحت قسمين رئيسيّين هما :الشّخصيّات الحقيقيّة والشّخصيّات الخياليّة .
1-الشّخصيّات الحقيقيّة :
وأقصد بالحقيقيّة تلك التّي تستند على مرجعيات ثقافيّة معيّنة باعتبارها جزء من الواقع البشري في سيرورته الزّمنيّة المختلفة ،وتضم هذه الشّخصيّات شخصيّات:تاريخيّة ،تاريخيّة إسلاميّة ،وواقعيّة ؛تحاور حاضر الواقع السّردي ،وتجسّد هذه الأخيرة عينيّة المعيش، والمستضاف في الرّواية ،بحيث تتّخد الشّخصيّة جماليتها في حضورها البؤري الذّي يعكس موقفا حياتيّا يغدّي الهيكل التّيماتي للرّواية ،والمستند على قيمة السّفر عبر الزّمن ،كما يعكس الموقف الرّؤيوي للذّات الساردة ،فالشّخصيّة في الرّواية تخاتل بمكوّن معرفي يشكّل فيضا دلاليّا يتعانق مع الفضاء الدّلالي للنّص فبالنّسبة للشّخصيّات الحقيقيّة الواقعيّة نجد الأبطال الأساسيّين ،ستيف ،مايك ،فرانك ،إيميلي ،صاندرو. فضلا عن البابا والكاردينال وهؤلاء يمثّلون الحاضر الذّي يبحث عن أسرارالماضي ويهدف إلى فكّ أسطورة القدماء عبر العودة إلى الزّمن الماضي .
وتعاضد هذه الشّخصيّات شخصيّات تاريخيّة واقعيّة بطوليّة وإسلاميّة ،حيث نجد :الظّاهر بيبرس ،علاء الدّين ، العربي بن المهيدي ، جودا ، مكسموس ،وليام ولاس ،ونجد موسى ،المسيح ،آدم وغيرها من الأسماء ذات الواقع المرجعي الذّي يستأثر بذهنيّة القارئ ،بحيث تتحوّل هذه الشّخصيّات بمرجعيّاتها المختلفة رموزا ودلالات توجّه المؤشّر الدّلالي الرّوائي .ضف إلى ذلك أنّ بناء هذه الشّخصياّت ذاتها لا يأتينا مكتملا بأبعاده الجسميّة والنّفسيّة و،إنّما تمارس تأثيراتها عبر الأسماء ؛فالاسم هو الواجهة الإشهاريّة في المتن الرّوائي ،وهو الذّي يراود القارئ عن تأويلاته ويسحبها إلى معين دلالي ما .فالظّاهر بيبرس مثلا يخاتل بدلالة الشّهامة والشّجاعة ويستحضر الفتوحات الإسلاميّة التّي تمثّل في التّاريخ الإسلامي فترة مجد عروبي محنّك أو بالأحرى محنّط!.0،والعربي بن لمهيدي يحيل على الشّخصيّة الثّوريّة والجزائريّة وتستحضر بدورها شرعيّة الثّورة التّحريريّة ،المسيح عليه السّلام بدلالاته الدّينيّة والعقائديّة ،ورموزه التّاريخيّة التّي تنبعث في الحاضر العربي والمستقبل ،جودا بالخيانة ،وليام ولاس بالحرّيّة ،فرعون بالقوّة ،الطغيان والجبروتيّة ،فضلا عن رمزيته الحضاريّة؛التّي تحيل على الموهبة العملاقة التّي شيّدت الحضارة المصريّة في أوجّها ،وهكذا فإنّ الشّخصية بقيمها التّعبيريّة والشّعوريّة تفصح في الرّواية عن مراحل مهمّة من عمرالبشريّة وعن محطّات فاعلة في تحرير الإنسانيّة المستقبليّة ، كما تعلن إعلانا رسَميا عن الصَفقة الرَابحة التَي يعقدها السَارد مع الشَخصيَات الواقعية التَي تقتضي تفويض هذه الشَخصيَات الخمسة ،لإنجاز مهمة إسَتكشاف الحقيقة عبرإسترداد الأحداث التاريخية وغربلتها ،ومن هذه الأحداث الثَورة التَاريخيَة .
2-الشخصية الخيالية
أمَا بالنَسبة للشَخصيَات الخيَالية الأسطورية والمتَخيلَة فنجد:السَندباد، ناروتو،بيزا الخلية، أنسطازيا ،ملكة الإنَس،ملكة الجنَ، إنسيانيوس، جنانسيوس، القرش ،عين التَجسس الأولى وغيرها،وإستيطيقية الشَخصيَة في هذه الرَواية تقتضي شخصنة الأماكن والأشياء،وهذه الإستيطيقيَة تتشكَل عبر عدَة مستويات فبالإضافة إلى فنثازية الشَخصيَة والمتمثَلة في هذه الشَخصنة فهناك المستوى اللَغوي الذَي يفرز غرائبية الشَخصيَة ،والتَي تحيل على أجواء إبليسيوسية،مثلا :أجواء لامرئيَة وطقوس رهيبة ومن ذلك قول محمَسا الجيوش (طروكوماكطو):
جاء:
يفرض قوَته
لجنَ من الشيَطان يقترب
فبدالي والحناجرتلتهب
أنَ الفوز :لجنس
الإنسان منتخب<!-- وقول محمّس الجيوش (طروكو مطاو):
غاب الشّيطان
وجاء الإنسان
والجان لا تمزّقه الأحزان
وهاهو ذا :dna الشّيطان
مدّ يده للإنسان
فمزّقيها يا ريح بقوّة جبروت الجان <!--
وهناك المستوى الفيزيائي الجسمي للشّخصيّة فإنسيانيوس عبارة عن إنسان شيطان، وجنانسيوس عبارة عن جنّ شيطان ،أمّا طوكيوكو فهو إنسان جنّ " هناك شخص واحد فقط يتوفّر على هذين الشّرطين ،إنّه الإنسان الجنّ ،لا بدّ أنّ طوكيوكو قد أخفى سرّه في إحدى هذه النّقوش<!--" ،وفضلا عن هذه الهيئة العجائبيّة فإنّ هناك صنف من الشّخصيّات الخياليّة ينسلخ من بنيته الفيزيائيّة ويدخل عالم السّرد من خلال ظلّه الذّي يتمظهر من خلال الصّوت :" الصّوت الخفيّ :نعم أنتم جميعا هنا ،................<!-- ،وهذا النّوع من التّمظهر يمكن أن نطلق عليه :التّمظهر الطّيفي أو الشّبحي ،فالشّخصيّة تنفصل عن جسدها وتغادر الرّوح إلى عوالم أخرى لتتدخّل في السّرد بصفتها صوتا خفيّا ،لكن سرعان ما تعود إلى هيئتها الطّبيعيّة ، ولمّا كان ظهورها متكرّرا فهي تتّخد وظيفة تنظيميّة في السّرد .
هكذا نكون قد قاربنا إلى حدّ ما نمطيّة الشّخصيّة في الرّواية لننتقل الآن إلى مرحلة تحديد القيمة المهيمنة التّي تتميّز بها الشّخصيّة والتّي تصنع الصّرح الجمالي للتّشكيل الشّخصيّاتي ،وهذه القيمة هي التّحوّليّة ،فهذه الشّخصيّات لا تأتينا ناميّة عبر الأحداث فقط إنّما هي متحوّلة في بنيتها التشكيليّة ذاتها عبر السّرد الخيالي ،فلقد حاول التّشكيل الرّوائي أن يسافر في صناعة صفة التّحوليّة ممّا أعطاها بعدا دراميّا ،إيقاعيّا ،وهذا البعد قد أكشن الشّخصيّة وأخرجها عن البنيَة المألوفة في الأنساق الرَوائيَة الأخرى ،كما أعطاها بعدا ميتافيزيقيَاو لقد إرتبطت هذه الصَفة بالميقات الزَمني ،ممَايوهم بنموَها نموا عاديا ،فمايك مثلا في الحاضر هو طوكيوكو الإنسان الجنَ ،وهو أسمون ،إيميلي هي إيفا في الماضي ثم هيبا ،كما أنَها هي حافظة السرَ،ستيفا يتحوَل إلى الدَرع حامل الحضارت في الماضي ،صاندوإلى السَيف المتكلم وصاحب النداء ،نانووناني هما أشعة إيما وهما من شياطين الجمال قديما وهكذا فإنّ الشّخصيّة المتحوّلة تتغّير هيئتها واسمها وحتّى وظيفتها طبقا لعامل الزّمن .
إنّ التّحوليّة كقيمة مهنيّة ومتميّزة للتّشكيل الشّخصيّاتي في الرّواية هي التّي صنعت شبحيّة الشّخصيّة وخاصّة في الجزء الأوّل والثّاني ،حيث نلحظ هذه التّحوّلات الغريبة والتّي تفاجئ القارئ ،وبالرّغم من هذه الطّبيعة الغرائبيّة إلا ّأنّ الشّخصيّة استطاعت في ظلّ السّرد الخيالي أن تبقي على جوهرها ومن دلالات هذا الواقع كون الزّمن يعيد بناء نفسه من ذوبان جزءه الماضي ،فالزّمن يعيد نفسه-إذن- لا أكثر ولهذا فإنّ السّارد ، لم يعط لهذا التّحوّل وللمعيار الزّمني بإحداثياته أهميّة بالنسبة لطرائق السّرد ، وقد آثر أن يدوّن القصّة بلغتي الماضي والمستقبل ؛لأنّ أصل الشّخصيّة واحدة :"...هيّا يا طوكيوكو أسرع فالشّياطين قادمة ،دوّن فوق هذا النّقش بلغتي الماضـــــــــــــــي و المستقبل معا قصّة بداية الصّراع<!-- ،لأنّ الزّمن هو في النّهاية مجموعة الأحداث الماضيّة والحاضرة والمستقبليّة،وهكذا ومن خلال الطّواف عبر إستيطيقيّة الشّخصيّة نستنتج أنّ التّشكيل الرّوائي راهن على استحضار شخصيّات تاريخيّة شاركت في إيقاظ الوعي العربي مثل :الظّاهر بيبرس ،العربي بن لمهيدي ، وليام ولاس وغيرهم ،وكلّها شخصيات ذات وعي تاريخي في الرّواي