جامعة الإبداع الأدبي والنقد المعاصر

 

 

معركة قرقر        

       " ألف حيلة وحيلة "

التقديم :

هذا النص المسرحي  الذي  يحمل عنوان : "معركة قرقر "( ألف حيلة وحيلة )  هو عبارة عن نص خيالي يستهدف معالجة  بعض قضايا الواقع العربي عن طريق استلهام التاريخ ،وأخص بالذكر معركة قرقر 853ق م ،علما أن هذه المعركة لم يفصل لنا فيها التاريخ  ،ولم يدون أحداثها ،ولا كيف جرت المعركة ، كل ماوصلنا حوليات ملكية كتبها الملك سلمان أصر الثالث يتحدث فيها عن انتصاره في هذه المعركة ،رغم تحالف القوات ضده ،ولكنه انسحب بعد ذلك ولم يحتل عواصم  تلك المناطق ،الأمر الذي يفسر بالخسائر التي لحقت به من قبيل الإتحاد ،إذ لايعقل أن ينتصر في حرب كبيرة ،ويكتفي بالنصر ويخرج من تلك المنطقة خال الوفاض ،وهوالذي كان يسعى إلى ضم تلك المناطق إليه ،هذا ماوصلنا أما أحداث المسرحية فهي من قبيل إسقاط الحاضر على الماضي ،من أجل معالجته وفهمه في أسلوب أدبي ومن أجل ذلك فإن هناك أسماء لشخصيات تاريخية حفظها التاريخ وهناك أسماء مختلقة لا وجود لها إلا بما تدل عليه من دلالات في الإسم أو الفعل ،ولهذا يرجى من من يسعى إلى عرضها للجمهور أن يخبر في نهاية المسرحية بهذا لأن العامة تجهل قوانين الإبداع ،فيحدثون بها عن جهل ،

 تسخدم المسرحية أسلوب السرد عن طريق الراوي لما في ذلك   من أبعاد دلالية وهي تشير من العنوان الفرعي إلى حكايات ألف ليلة وليلة ،لما لها من خاصية  التناص ما يمنح المسرحية بعدا تجديديا وخصوصية عربية ،خاصة أنها ليست بالملهاة ولا بالمأساة إنما هي حوادث يعرضها الراوي الذي يراه الجمهور وييمثلها الممثلون في قمة التأثر والجهد ، ما توحي بأن المسرحية مجرد حكاية خيالية ،ولهذا يشترط في الممثلون الإبتعاد عن الهزل ،خاصة أن المسرحية تتناول حيلة العربي وفطنته منذ القديم وأنه قادر على صنع المعجزات بإذن الله ،والحيلة تتطلب نوعا من الجد لا الهزل في هذا المقام ،أي أن النشاط التمثيلي للمثلين يكون مصحوبا بأجواء جدية ،فيحس المتفرجون أنهم أمام مشهد حقيقي خاصة أنها بلغة عربية فصيحة تحاكي لغة العرب ،وهذا أيضا نوع من التجديد ،فالمسرحية ليست جنسا أدبيا هزليا بالضرورة ولا مأساويا إنما هو جنس له خصوصيات من الناحية النصية خاصة الحوار حتى يكون سهل عرضها أمام الجمهور الذي يستوعبها ويستمتع بها والأهم يستفيد منها

 تقديم الشخصيات:

الملوك  :

الملك:سلمان أصر الثالث شخصية  تاريخية

الملك الأب:آشور ناصر بال شخصية تاريخية

الملك:حداد إدري ملك دمشق الأرامي شخصية تاريخية

الملك ارحوليني : ملك حماه شخصية تاريخية

الملك أشعب ملك إسرائيل  شخصية تاريخية

الملك جندب : ملك العرب شخصية تاريخية

قادة القوات  الفينيقية :

القائد:أوسن شخصية تاريخية

القائد:جبيل شخصية تاريخية

القائد غرقا شخصية تاريخية

القائد : شيان شخصية تاريخية

رئيس الكتيبة المصرية : ماصر بن صامر  شخصية غير حقيقية

الوزراء :

الوزير :أور شبيل  شخصية غير حقيقية

الوزير عرقب  : شخصية غير حقيقية

الوزير :هانسن

الوزير باروش

الجنود:

 شبليس  جندي من قوات الفينيقيين  شخصية غير حقيقية

عربيش: جندي من الآشوريين  شخصية غير حقيقية

عاشور:من جنود الآشوريين  شخصية غير حقيقية

العامة:

سيد القافلة : رحل بن رحلون  شخصية غير حقيقية

الراوي والفرقة الغنائية ،والحراس  والجيوش التي تمثل الحرب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       الفصل الأوّل

                                             "  إن الطبيعة توجد النوع  بينما التاريخ يوجد المجتمع" مالك بن نبي

 

 

 

 

 

 

 

 

المنظر الأوّل :

الدّيكور والمناظر

 (خيمة كبيرة :فيها مفروشات فخمة ، أوان لا معة ، عرش جميل يجلس عليه الملك جندب  وهو يرتدي رداء ملكيا من صوف ناعم  وجبة  إلى ماتحت الركبتين بقليل و جزمة طويلة لامعة ومزينة إلى الركبتين  ،ويضع فوق رأسه رداء خشنا  مزين وحوله خدم كثر،)

الراوي: ما نعرفه دائما أن العرب قوم أشعار و فرسان غزو ،وعشاق النبيد والنساء ،وبدو رحل ورعاة إبل وتجار قوافل ،ولكن ما نجهله أننا أمة مواقف ، وصناع تاريخ ،وقوم أولي حمية ومبادئ وشهامة وقرى ،وهذا ما تؤكده معركة قرقر،  853 ق.م،هذه المعركة تشهد على أعظم بداية للعرب كأمة متحدة حفظها التاريخ،وتبرز أثر التعاون  بين القبائل العربية التي استطاعت أن تقف في وجه أكبر حملة آشورية ،في ذلك الزمن  الغابر

يتابع الراوي: (في ذلك الوقت كانت العرب  إمّـا أعـرابـاً بـدوا يـتـنـقّـلـون مـع قـطـعـانـهـم ، أو تـجّـاراً يـتـنـقـلـون لـبـيـع وشـراء الـبـضـائـع في  قـوافـل أو مـسـلـحـيـن يـحـمـون الـقـوافـل أو مـزارعـيـن أو رعـاة في واحـات واسـعـة مـثـل تـدمـر وتـيـمـاء و دومـة الـجـنـدل (دومـاتـو بـالـلـغـة الأكّـديـة) وديـدان (وادي الـعـلا). وكـانـت هـذه الـواحـات مـراكـز ديـنـيـة أيـضـاً يـلـتـقي فـيـهـا الـبـدو والـحـضـر في الأعـيـاد. ويـبـدو أنّ تـيـمـاء كـانـت مـركـز عـبـادة سـيـن، إلـه الـشّـمـس، بـيـنـمـا كـانـت أتّـر سـمـيـن (أتّـر الـسّـمـاوات) أهـمّ آلـهـة دومـة الـجـنـدل. وكـان الآشـوريـيـون يـشـبـهـون أتّـر سـمـيـن بـعـشـتار،وكانت بلاد العرب تلامس الحدود الجنوبية الغربية لدولة الآشوريين تبدأ في البادية غرب الفرات ،وكان الآشوريين يحمون دولتهم بحدر ،وكانت تلك القبائل تتقاتل فيما بينها لأسباب مختلفة ) 1<!-- عندما يتم الراوي حديثه

يدخل الخادم  ينحني في احترام : مولاي الملك ، رجل ينتظر  في الخارج يطلب الإذن بالدخول  يقول أنه رحل بن رحلون

الملك: يتكئ على العرش و يبسط رجليه ،ثم يملس لحيته ،وينظر للجمهور في استملاح ويقول :جائنا المغنم ، زاحفا بغير مغرم  ،ثم ينظر  في الخادم  نظرة  عميقة لم يفهم مغزاها

 الخادم :  مولاي  اعذرني ولا تلمني في ماليس لي به علم من شأنكم العظيم ، وشخصكم الكريم ،قصر ظني وقل فهمي ،هل أصرفه شر صرفة ؟

الملك :  بل دعه يدخل أيها الخادم ،وأعجل  ، فإن خير البر عاجله

الخادم:أمرك يا مولاي الملك

ييقف  الملك في حركة خفيفة  ويمدّ يده للخادم الآخر مشيرا إلى قنينة  على مقربة منه ،فيسرع ويناوله  كأسا  منها فيها  شراب عذب بارد ، يمسكه  الملك بيده  ويرشف رشفة واحدة  ثم يقول  وهو ينظر إلى الجمهور:

سأشرب من كأسي حتى ينفد عذبها و أحلب من شاتي حتى ينشف ضرعها ،

 ثم يروح هنا و هناك ويديه مبسوطتان والخادم يلحق به  ليمسك الكأس إذا ما أمر على عادة الملوك  ،ثم ينطر إلى الجمهور ويقول :

إذا جائتك الفرصة تطرق بابك طائعة خانعة فلا تضيعها فإن تضييع الفرصة غصة  ، وهذا الرحل بن رحلون  فرصتي السانحة وطريقي  إلى المجد  ،وسبيلي إلى الملك

ثم يبدأ في الغناء ومعه الفرقة والخادم   يقول الملك : سيزيد ثرائي وأهزم أعدائي، سأهلكهم  سأهلكهم

 الفرقة :سيهلكهم ،سيهلكهم

الملك :وأقطعهم ،

الفرقة :يقطعهم ،يقطعهم

الملك: أقطعهم    إربا إربا ، وأكون أنا الملك ،وأكون ماذا؟

 أنت الملك يقول الخادم ،ثم يروح إلى الناحية الأخرى في حركة خفيفة تشبه حركة الفرسان الملوك و هو يحمل سيفا لامعا استله من مكانه  (يستعرض حركات فروسيته ليتجلى ما للعرب من اهتمام بالفروسية في ذلك الوقت ) وتلحقه الفرقة وهي تدور حوله ومعهم الخادم ،

يكمل الملك غنائه :سيخافني الجميع :حداد إدري ،وارحلوني ،وأشعب وكل القبائل وكل العشائر ، ثم يسأل  خادمه وكل ماذا ؟،

الخادم: كل العشائر وتكرر الفرقة كل العشائر

يدور  الملك بحركات رشيقة  حول الخادم وهو باسط يديه تارة  وقابضهما تارة أخرى والخادم يدور معه لالتقاط الكأس  ثم يتجه إلى قرب عرشه  ويتوقف عن الحركة  ويسقط الخادم  مغمى عليه ،يتقدم الملك  وقد توقف عن الغناء ببطئ  نحوه ثم يسكب ما تبقى من الشراب على وجهه فيصحو (0هذا المنظر في حالة التمثيل لا يمثل بطريقة هزلية  بل بطريقة جدية تعكس تجبر الملوك ومعاناة الخدم ،وتلك المعاناة يجب أن تظهر عن طريق الحركات المعبرة لا الهزلية ،أما الغناء فهو وسيلة لغوية للتأثير ولايكون مصحوبا بالمعازف والمزامير حتى يعكس الجو التاريخي ،ماعدا دقات الطبول،فإن في هذا  إيهام بالواقع  و إعطاء المشهد الكثير من المصداقية وهذا يجعل المتفرج إن ضحك يضحك من حقيقة الموقف  لا من هزله فإن من شر البلية مايضحك ) عندما يسكب عليه الشراب يصحو ويقول :

مولا ي مولاي اعذرني أنا  خادمك المطيع ، و حاجبك الوديع 

الملك: لا تريني وجهك؛ إلا حين أطلبك ،وإلا فصلت  رأسك  عن عنقك

الخادم : ،أمرك مولاي يخرج وهو ينحني

يدخل رحل ومعه خادمه الذي يحمل صندوقا ثقيلا ،و يبقى ممسكا به حتى ينتهي الإثنان من الحديث !

الملك متغافلا  :ما شأنك يا هذا ؟

رحل بن رحلون  :خادمك رحل بن رحلون يامولاي ،يرجو كرمك وسماحة فضلك

الملك  جندب:أفصح ولا تطل ،فإني كثير الملل ،

ثم ينظر إلى الصندوق،ويملس لحيته في استعلاء 

رحل بن رحلون : هذه  هذية بسيطة من خادمك رحل ،فهلا أذنت لي بفتحها في  مجلسك الموقر ؟

يشير الملك بفتحها وهو يقول :قد أدنا فافعل

يتقدم الخادم وهو يحمل الصندوق في صعوبة شديدة ،ويفتحها عندما يقترب من العرش

يتقدم رحل : ويبعده براحة يده  عن الصندوق إلى بعيد ،(في غطرسة تبدي فجر التجار إذا بطروا في الأرض)

الملك: وقد أعجبته الهدية : ماذا تريد يا رحل ؟

رحل :سأخرج هذا العام في قافلتي إلى  بلاد ما بين النهرين ، في تجارة عظيمة ، ثلاثممائة جمل ،وما يقارب هذا العدد من المشاة ، ومتاع من منتوجات اليمن من عطور وبخور ولبان ،الصوف المصبوغ بالأرجوان،  الحديد و البلق ...

الملك في ضجر :حسبك يا هذا ، إلي ببيت القصيد،و هات مايفيد

رحل  مسترسلا : اشتريتها من مصر يا سيدي وسأوصلها إلى بلاد ما بين النهرين ،ولكننا نمر على الصحراء  ما يوافق شهر آذار وسيزيد الحر ،ويكثر السلب والنهب من قطاع الطرق  ما يعجز عن رده حماة القوافل  خاصتي ،فهلا زودتني بحماية ولك ما يسر الخاطر  ويزيد

الملك :نصف مغنمك  إذا

الخادم :يا مولاي فداك نفسي ومالي ، ولكني كما تعلم  أدفع  للآشوريين مقابل المرور على مناطقهم التي يحكمونها ،

الملك : رحل ..، ليس علينا يا رحل : هذا كان سابقا لقد بلغني أن القوافل صارت تمر على طريق دمشق إلى الفرات مرورا بتدمر ،وهذا يعني أن مسافة الرحلة قد قصرت نصف ما كانت عليه ،ما يعني قلة الوقت والجهد والزاد ،و من ثمة  تضاعف الأرباح  

رحل بن رحلون  مسرا وهو ينظر إلى الجمهور  : يال شجع الملوك ،لا يكتفون من المال ،فعلا لا يملئ عيني ابن آدم إلا التراب !

الملك : ما قلت  يا رحل ؟

رحل : النصف يا سيدي ، ولكن أرجو أن  تتكرم يا مولاي وتلغي  ما يترتب  علينا من الضريبة ،

الملك :حدث يا رحل ،على أن تزودني بأخبار الملك سلمان أصر الثالث عند عودتك ،أريد أن أعرف أحوال البلاد والعباد،فإن في معرفة شؤون الخصم ما يقيك شره ، ويكفيك غدره ،

رحل : سأسلك إلى ذلك ما استطعت سبيلا يامولاي

يخرج رحل وينتهي المنظر الأول 

 

المنظر الثاني :

تغير الأفرشة ،

الملك  أرحلوني يجلس على العرش ، رجلان بجانبي العرش وآخر خلفه وفي يده مروحة كبيرة من ريش النعام العربي  وهو يمروح له بها

الخادم : يدخل مسرعا لا هثا  مصيبة مصيبة يا سيدي ،حلت علينا اللعنات  ،وأصابتنا الويلات

الملك:على مهلك يا هذا !

الخادم: اعذرني يا سيدي ولكن الأمر عظيم والمصاب جلل

الملك : ما بالك أيها الخادم ،لماذا لا تحدث بأحسن القول وفصيح اللسان فترح وتستريح ،

الخادم : بلغني أن الملك جندب قد استحود على قوافل رحل بن رحلون ،وأنه عرض عليه نصف مغنمه ،

الملك :ييقف في عجلة بربك مالذي تقوله  ؟

"أيها الأبله رحل"!  كيف يفضله علينا ويكل إليه بحماية القوافل ،ونحن أعز منه جندا وعددا

الوزير عرقب : إن وقع ما بلغنا للتو من أمر رحل فإن  هذا معناه المزيد من السلاح والعتاد ،ما يمكنه من التفوق علينا في الحرب ، وإن حدث فإن كل ما عملنا لأجله سيذهب أدراج الرياح يا مولاي

الملك أرحلوني:  صدق من قال أنّ التجار هم الفجار ، وإن صح خبره تالله إنه لمن الهالكين

  الوزير عرقب: يتدخل بنوع من الهدوء :سيدي لو تأدن لي عندي حيلة تجعله يتراجع عن ذلك ،لذلك لا داعي لقتله ، فالحكمة تقول ما دام في الضرع حليب لم ينشف بعد،فنحن أولى بحلبها ،وحلبها خير لنا من إهلاكها ،فإذا نشف الضرع ، أهلكنا الزرع

الملك :ماذا لذيك  أيها الوزير؟

الوزير عرقب :سنجبر رحل  على المجيئ  إلينا  زاحفا  يطلب حمايتنا ، وسنضرب الملك جندب ضربة موجعة في الوقت نفسه ،يعني عصفورين بحجر واحد

الملك: وكيف ذلك ؟

الوزير عرقب: نهاجم القافلة بكل جنودنا  عند وصولها الصحراء ،ونأخذ كل  ما فيها ،عندها سيطالب الملك جندب برأس عرقب لفرط الخسائر التي ستلحق به ،ويكون خسر الكثير من الجنود في غير معركة ، أما نحن فنكون في منئ عن الاتهام  ،فالمعروف أن  قطاع الطرق في مثل  هذا الوقت  تنتشر في الفلات وتعيث  فيها فسادا ، رحل سيحس بالفزع ،وسيأتي إلينا لأننا أقرب القبائل  إليه  ،ونحن سنحميه مقابل  خروجه بقوافلنا فقد اشتهر ببراعته في التجارة يا مولاي فلا يخرج في تجارة أو قافلة إلا تضاعفت أرباحها إلى النصف ،وبذلك سنغنم من ورائه مغانم كثيرة

الملك :وماذا لو رفض أن يكون معنا ؟

 الوزير عرقب :لن يفعل يا سيدي ثق بي، كيف يفعل وقد كفيناه  قبل شر المغرم ،و عرضنا عليه  بعد خير المغنم ،وليس له من سبيل يسلكه و الموت يلحقه

الملك: عظيم ،هكذا  سنوقع بالملك جندب  شر وقعة ، وسيهلك في الشرك الذي نصبه ،فمن حفر حفرة لأخيه وقع فيها

الوزير عرقب :ليس هذا فقط يا سيدي سنهاجمه في نفس الوقت ،وهو في أضعف أوقاته فلا تقوم له قائمة بعدها أبدا

الملك: أنت تليق بمنصب الوزير يا عرقب سنقضي عليه ،وسنتخلص من أكثر أعدائنا لؤما ،ثم نتفرغ لغيره بعدها  فلا ننفك نكيد لهم و نهاجمهم حتى نستأثر بالمنطقة كلها ،

الوزير :نعم يا مولاي ،وحق لك أن تكون ملكا عليهم جميعا

الملك :وقد بدأ بالغناء ومعه الخادم والفرقة

نهايته أصبحت وشيكة ،ستموت حزينا يا جندب اللئيم ، وستقبل يدي لأصفح عنك ، ولكني لن أفعل وسأقضي على كل الأعداء ،وستكون

القبائل تحت إمرتي وأنا الملك، الفرقة أنت الملك ،

الملك: أنا الملك،  

الفرقة :هو الملك هو الملك هو المـلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك

المنظر الثالث :

عرش جميل عليه يجلس القائد أوسن ،وعلى مقربة منه يجلس القائد شيان وقد حل عليه ضيفا ،ويقف غير بعيد الوزير باروش ،أوان  لامعة بها طعام وفواكه و لحوم مختلفة محمرة ومشوية ،وزرابي مفروشة  وبخور ،وخدم بالقرب منهم

القائد أوسن  وهويضع قطعة فواكه في فمه : ،بلغني  من  جواسيسي أن ملك دمشق الأرامي  حداد إدري سيخرج  على رأس جيش كبير لمقاتلة جيوش الملك :ارحلوني الذي ذهب بدوره لغزو  الملك جندب بعد أن كاد له شر مكيدة  

القائد :  شيان إذا صدق الخبر فهذا يعني أن هذه القبائل الثلاثة ستتقاتل  فيما بينها في الوقت نفسه و ستحدث حرب طاحنة  لا يخرجون منها إلا وهم منهكين الغالب منهم والمغلوب على السواء ، وسنتمكن منها إن خرجنا إليها كل على حدى بجيوشنا بعد المعركة مباشرة

الوزير باروش:  نعم الرأي يا مولاي  ،لن يكون لهم أي فرصة لمواجهة قواتنا ، خاصة إذا اتحدنا مع القائد غرقا والقائد جبيل

القائد أوسن: ولكن ماذا عن أشعب ملك إسرائيل  لم يأتنا عنه أي خبر ولم يبلغنا أنه يقوم بتحركات ذات أهمية ،هل تراه فضل الحياد ،

القائد شيان ، لا أظنه سيفوت فرصة كهذه خاصة أنه يحلم بأرض جندب  منذ زمن ،وكيف لا وهي ذات أرض خصيبة وأنهار قريبة لا تنضب ولا تنفد

الوزير باروش: إذا هو بين أمرين :الأول أنه يفكر كما نفكر وفي هذه الحالة  يكون علينا مواجهته ،ومن ثمة يتوجب  أن نحسب حسابه  حتى لا نقع في شر المفاجأة ،والثاني أنه يتفرغ لجندب  أي أنه يننتظر  أن تحط الحرب أوزارها ويداهمه في غير موعد ،وفي هذه الحالة علينا أن نتجنب قتاله

القائد شيان :وندعه يظفر بتلك المنطقة الخصيبة  ، فنكون بذلك كمن أخذ العظم  لنفسه وترك اللحم لغريمه ،أليس من الأفضل أن نضربهم ضربة واحدة فنستأصلهم عن بكرة أبيهم  ،ثم يخلو لنا الجو فلا يقاسمنا فيه أحد

الوزير باروش : لا يمكننا فعل ذلك لأن جنودنا غير مستعدين لمقاتلة كل هذه القوات دفعة واحدة  ،وإنما ننواجهه بسلاحه ،فنداريه وندخره إلى حين حتى إذا ظن أنه استوى على أمره وأن الدنيا قد ازينت له أتيناه على حين غرة ،فنهلكه هلكة لا تقوم له قائمة بعدها  أبدا

القائد:أوسن :إذا خير البر عاجله ،أيها الوزير ابعث برسول إلى القائدين :حبيل و غرقا و شدد على الرسول فليأتياننا في أقرب وقت ممكن

 لنتشاور في الأمر ونتباحث فإن الحكمة في مثل هذه المواقف تدعو للإحتكام إلى الصائب  من الرأي ،وتقليب الأمور على أوجهها المحتملة  فإن في ذلك قوة وحنكة  ،وضمان للغلبة

القائد شيان :صدقت يا صاح ،لعمرك قد أتيت من الحكمة ،ومن أوتي الحكمة فقد أوتي من الخير كثيره ، و جنب من الشر خطيره ،وإنما الحروب بالعقول تقودها ،والسيوف تدودها ،

القائد أوسن لست أراك على غير ما رأيتني ولست أصفك بأقل ما وصفتني به ، إلا أن الحديث أخذنا فشغلناك عن كرم الضيافة ،فتفضل وكل مما لذ وطاب

القائد شيان: لم نعهدك إلا كما أنت كريم جواد ،ولم آت كي أجربك إنما لأكلمك في أمر البلاد وشؤون السياسة ،فإن الأمور بأوائلها ،وتتقدم بحسب الحاجة إليها فإن كان غير ذلك فسدت الأحوال ،ونتن الطبع ،

القائد أوسن :نعم والله ولكن لي عليك حق الضيافة فلا تردها

 

المنظر الرابع :

الراوي :عندما كان الملك أرحلوني يستعد للخروج بجيشه ليحارب الملك جندب الذي خسر الكثير من الجند  في الفلات ،كان ملك إسرائيل يخطط للتحالف مع قوات  الملك جندب ليقاتل معه ضده ،ذلك أنه كان يهدف إلى أن يستأثر بها ذات يوم ،ولهذا خرج على رأس سرية إلى قبيلة الملك جندب ليبيتو لأمر ما

يجلس جندب على عرشه بنفس المنظر السابق ،ويدخل الخادم مسرعا وعلى وجهه ملامح الحماس

الخادم :مولاي  ملك إسرائيل  أشعب قد وصل على رأس جيشه إلى مدخل القبيلة ،فبما تأمر ؟

الملك جندب : أشعلوا الأقباس ،وزينوا المداخل أريد أن يكون استقبالهم يليق بالملك أشعب

الوزير أور شبيل: أراك متحممسا للقائه يا مولاي ، ولكن عليك أ ن تكون حذرا فهو يضل العدو الأخطر ،فلا يغرنك الأسد إذا دخل في جبة الحمل فإن الأسد يضل أسدا يا مولاي

الملك جندب :أعرف ذلك جيدا لكني لا أريد أن يشعر بأني على علم بحيله الخبيثة حتى لا يتحسب للأمر ،فإن خير الأخذ أخذ الغفلة وشر الحروب حرب قارعة طبولها قبل أوانها ،فإن الطبل لا يقرع إلا حين يهرق الدم الأول

الوزير أور شبيل :نعم يا مولاي  وأفحش الفحش أخذ الغدر ،وطعن الظهر ،وللحرب قانونها الخاص فيحل فيها الكذب والمواراة والمداهنة  

يأمر الملك فتولم الولائم وتفرش الأرض ريحانا ،وتشعل البخور ،ويدخل الملك أشعب مع موكبه الخيمة الملكية ،ويقف الملك جندب وحشمه ووزرائه وقفة تحية وحفاوة

الملك جندب :حللتم أهلا وخرجتم سهلا ،وطبتم وطاب محياكم

الملك أشعب :في تكلف ظاهر :ولك المثل وعليك الزيادة

الملك جندب : ما أسعدنا بحلولكم علينا ،تفضلوا وأحسنوا إلى مضيفكم ،فكلوا واشربوا رغدا ،هنيئا مريئا ،ثم سيرافقكم الخدم إلى خيامكم لترتاحوا فإن ورائنا حديث طويل ،وشأن ثقيل

الملك أشعب: ما أتيت لأرتاح ،الوقت من ذهب إن تركته ذهب ،والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ،وكيف أرتاح والملك أرحلوني يخرج بجبشه إليكم ليستأصل شأفتكم ،وإني أراه  مفسد في أرضكم فمهلك  فرسانكم ومذلا شيوخكم و مفزع صغيركم ومستحي نسائكم  ،إلا أن نخرج وتخرجوا  إلى حمى القبيلة فنتربص له ونقعد له كل مرصد،فإذا ظهر باغتناه بسيوفنا ورماحنا فشتتنا شملهم ،ثم يأتينا المدد الذين تخلفوا من بعدنا من ورائنا عن أيمانهم وشمائلهم فيسقطوا في أيديهم

الملك جندب :نعم الرأي والله ،أيها الوزير نادوا في الجند فليستعدوا من فورهم وليعدوا لهم مااستطاعوا من قوة ومن رباط الخيل نرهب به عدو الله وعدوكم

وأمر فاجعل منهم رهطا يحمي  المخلفين منا من الشيوخ والنساء وصغار القوم ،

الوزيرأورشبيل :السمع والطاعة لمولاي الملك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                 

 

 

 

 

                                                                 

الفصل الثاني

                            " نحن ندرك جيدا النشاط الاستعماري عندما يكون مرئيا واضحا كأنه لعبة أطفال،لكننا لا ندرك مجال هذا النشاط                                                                                                                                                                                                                     ولاوسائله  منذ اللحظة التي يصبح فيها دقيقا كلعبة الشيطان" مالك بن نبي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المنظر الأول: (الزخرفة والديكور)

(عرش كبير وخدام كثر ومفروشات وجلود جميلة ،والملك متكئ على عرشه ، يكون سمينا جدا وبطنه منتفخة ومتدلية علامة على جشعه ،في الجدار منقوشات جميلة ،لألبسة و صور مختلفة وكتابات مزركشة، وجلود غريبة معلقة على الجدار وسيوف ،من الجهة اليمنى يجلس خادم يبدو فطنا بقرب طاولة حجرية عليها ألواح طينية ،ومسامير للنقش وأدوات غريبة تبرز طريقة الحياة في الألف قبل الميلاد)

الرّاوي :في الوقت الذي كانت القبائل تتقاتل فيما بينها ،وتكيد لبعضها البعض  كان الملك الأشوري  سلمان أصر الثالث يخطط للاستيلاء على شمال سوريا ومنطقة سيليسيا ،ويحقق ما عجز والده عن تحقيقه ، فقد كان أبوه  الملك آشور ناصر بال يحلم بأن يضم إليه هذه المناطق الخصيبة ولكنه لم يوفق إلى ذلك حتى وافته المنية ، فأصر أن يواصل مشوار والده ، وكان الملك متحمسا ومندفعا ،شيئ واحد كان يعكر مزاجه شبح والده  الميت الذي لا يفتك يراه كل يوم أمام عينيه ،إنه الصراع بين الموت والحياة!

تخرج الفرقة للغناء :( هم يتقاتلون  فيما بينهم وغيرهم في الخفاء يكيد يكيد يكيد

سيأتي إليهم ملك أصر الثالث  في جيش كبير وسيبيدهم ، إن لم يتحدوا، سيبيدهم يبيدهم سيبيدهم يبيدهم يبيد يبيد

سيحقق حلم والده سيحقق ما عجز عن تحقيقه بالأمس القريب القريب القريب

نهايتهم وشيكة ،نهايتكم وشيكة أيها الأوغاد  حين تتقاتلون  فيما بينكم وتتركون الغريب ،أمركم عجيب

 أمرهم عجيب عجيب عجيب

الملك يتحدث لوحده ويقول وهو ينظر إلى جبة والده الملك :سأححق ماعجزت عنه أيها الملك الأب وسأحكم كل المناطق وسأكون إمبراطورا عظيما ،متأكد أنك الآن تنحرق في رفاتك ،وأنك تحس بالخزي والعار  

الملك آشور ناصر بال :وهو يرتدي ثوبا أبيضا و ضباب كثير يلفه على أنه خرج من البرزخ أو أنه شبح(لا يراه إلا الجمهور والملك) : كفاك غرورا  ،أيها البدين السمين،هلا فعلت ثم قلت قد فعلت ،بدل أن تردد هذه السين المقيتة ،فإنها تثبط العزيمة ،وتقرب الهزيمة وتثقل الوعد وتخفف الوعيد ، أمثلك يسوس البلاد والعباد ،ما تجده في نفسك ليس إلا  طيش الشباب يدفعك إلى الهاوية ، ثم إنك لم تختبر هؤلاء القوم كما خبرتهم  ،إنم اللغز الذي لاحل له والأسطورة العظيمة،إسمهم العرب ،وأينما رأيتهم عليك بالهرب

الملك:سلمان أصر الثالث : لا تنفك تردد هذه التراهات لتغطي عجزك ، وخنوعك ، ابتعد عني أيها الميت ،ألم تسلم بعد بأني قد انتصرت ،أنت ميت وأنا حي وبين الحياة والموت برزخ  إلى يوم البعث ،ابتعد يقول وهو يقطع جسده بسكين اذهب من هنا أيها الأب الطالح ،أيها البوم الكبير

يضحك الملك الأب بقوة ولا يسمعه أحد إلا ابنه ،ثم يقول :إنما الموت موت الحي العاجز القاعد ،الموت موت القلوب والعقول لا الأجساد

 الخدم يتهامسون :إنه يتحدث لوحده ، لقد فقد عقله إنه مجنون ،أكيد أنه مجنون

الملك :يصرخ :حراس أخرجوا أبي من هنا ،

الحراس :حاضر يامولاي ،ويتظاهرون أنهم يخرجوه ، وهم يعلمون أنه ميت فيتغامزون ويتهامزون  في أمره ،فيدرك الملك ذلك فيجن جنونه ويرمي قنينة الشراب والفواكه وهويقول: ويل لكل همزة لمزة  أخرجوا من هنا أيها الأوباش أرادل الناس

 ثم ينادي ،أيها الحاجب  : إلي بالوزير هانسن

الوزير هانسن يدخل مسرعا : قد طلبتني يا مولاي الملك

الملك : ما أخبار  القبائل  في شمال سوريا وسيليسيا

الوزير: لست أراهم إلا جسدا واحدا يقطع بعضه بعضا ،

الملك : وماذا تقترح أيها الوزير ،هل ترى  الوقت  مناسبا للزحف إليهم بجيوشنا

الوزير هانسن: لا أرى مانعا من ذلك يا مولاي،غير أني أفضل أن نتريث قليلا حتى تخر قواها ،فالحكمة تقول لماذا نقاتلها وقد كفتنا شر القتال يا مولاي،ولكن هذا لا يعني أن  نكون من المتفرجين

الملك :وماذا تقصد

الوزير هانسن  :نسهم في اشتعال الفتنة فيما بينهم ، ونهرق الدماء ،فإن للعرب حمية الجاهلية وفطرة الثأر ،فإن فعلنا ما يثير هذه الجبلة فيهم ،استوت لنا الأمور وتهيأت ،فلست تسمع منهم إلا أنهم يعثون في بعضهم فسادا ،إنها نار كامنة يا مولاي ولا تنتظر إلا شررا صغيرا لتحرق اليابس والأخضر

الملك :هل لذيك خطة محددة

الوزير هانسن :نعم يا مولاي ،نرسل من يتواصل مع عيوننا ،فنثير الفساد بين أهل القبيلة الواحدة ،وبين القبائل فيما بينها فيتهم كل واحد عدوه وينتشر الفساد ،وتفوح الدماء ، ويقتل الإخوة بعضهم بعضا وتنعدم الثقة وبذلك تتهلهل حصونهم ،وتهن صفوفهم ،فليس أسهل للريح من اللعب بالخرق البالية تطيرها في الجو وترمي بها على الأسطح

الملك : إذا باشر ما ينبغي عليك فعله ،ولكن لا تنصرف عن إشرافك على الجيش ، أريد جيشا جرارا وعربات وأحصنة و أكثر من الرماة والمشاة ،لا أريد تقصيرا

الوزير هانسن :أمرك يا مولاي ،سأكون عند حسن ظنك بي ،وسأجهز سيلا مندفعا يجرف كل ما يجد أمامه ،ثم ينصرف بعد أن ينحني

يقف الملك  ثم يتجه إلى حيث تعلق جبة والده ثم يحدث شبح أبوه الذي لايظهر إلا له  وللجمهور :ألم أقل لك يا أبي ،أهؤلاء هم أسطورتك القديمة ،ولغزك المحير ،مت بغيضك وانحرق في جهنم غيرتك ،دع نيرانها  تحرقك وتأكل العظم منك قبل اللحم

الوزير هانسن  وهو يكاد يختفي من خشبة المسرح :هل قلت شيئا يا سيدي

الملك :وهو يلقي بقارورة الشراب عليه اذهب من هنا أيها الأخرق

يجري الوزير خارجا وهو يلهث

الراوي يبتسم للجمهور:هكذا كان الملك الآشوري سلمان أصر الثالث يعيش في قصره ،فهو يكره والده كرها شديدا بسبب قصة طريفة حدثت ،فحين كان الملك ناصر بال يحكم ،كان يحلم بأن يحكم هذه المناطق وكان يسعى للأمر سعيه ،وذات يوم أحضر كاهنا إلى قصره وطلب منه أن يرى إن كان سيتمكن من تحقيق هذا الحلم ،وأن شعب آشور سيحبه ويفتخر به ،فقال له الكاهن أنه لن يتمكن من ذلك وأن أميرا سيولد من نسله و يكون شجاعا ومغوارا وقوي البنية ،ويكون مغرورا  ومندفعا ومتحمسا ،وسيغرق جيشه في الدماء وهو سيسعى إلى ذلك ويوشك أن يحقق الحلم ،وسيحبه شعب آشور ،ومن ذلك اليوم وهو يكره ابنه هذا لما رأى فيه من عزيمة وقوة ،وكان يهم بقتله لولا أن المرض أقعده ،وأن المنية وافته ،ويوم تولى هذا الملك العرش وشبح والده يطارده ،أينما ذهب ،في نومه ،في خلوته ،وكثيرا ما كان يقتل أحدا إذا ما تمثل له أبوه به ،لأنه كان يراه ظالما مستبدا ،وأنه حكم فأطال ،ومنع روح الشباب من التحليق في سماء الحلم الآشوري التي توارثته الأجيال ،ظنا منه أن ربة الملك والحرب لم تباركه ،في حين كان الملك الثالث ،يرى أنه لاوجود إلا لإلاه واحد هو خالق الأكوان ،وأن كل ميسر لما خلق له ،

وفي حوار للأب مع ابنه  عندما كان على قيد الحياة  قال له :

الملك آشور ناصر بال : يا إبني أنا ملكت هذه الأرض أكثر من قرن ،وأنا حميت شعب آشور من الهلاك،وطردت الأعداء ،وقد باركتني  ربة الحرب والملك،فعليك أن تطيعني ولا تخرج عن ولايتي ،اذهب وتبرك بها علها تشفع لك ،ولا تلقي بلعناتها عليك

سلمان أصر الثالث: أيها الملك أنت تعرف أني لا أؤمن بربتك أبدا ،وأنما هوإله واحد ،وإني قد رأيت أني سأخرج إليها يوما فأقاتلها فإما قاتل ،أو مقتول ،وأنت قد بلغت من العمر آخره ،وأنا مقبل على أوله ،فدعني أسير بشعب آشور إلى المجد ووحدة اليد وعظمة الملك والقوة ،فإن  لي من طاقة الشباب ما يبلغني الغاية ،ويدركني الهدف ،

الملك:آشور ناصر بال :أما والله قد أغواك شبابك ،فاعلم أني ما نعك من تولي الحكم من بعدي ،وسيحكم شعب آشور أخي آ شور  ناصر الثاني ،فهو قد شاركني في الحرب والملك وله من الحكمة ما يقدمه عليك ،فإن لم تدعن للأمر فلتكبلن في سلاسل  في الجبال  العالية تحمى عليك كل عام مرة حتى يسمع صراخك من في البحار العميقة

سلمان أصر الثالث : ورب الشمس والقمر إنك لست بقاتلي ، ولقد علمت أنك تخاف تحقق النبوؤة ،وأنني إن مت فهي ليست بنبوؤة ،وإن كانت كذلك فلا سبيل لك إليها،وإنما هو القدر ولا راد للقدر وكذب المنجمون ولو صدقوا ،أما أخوك آشور فإنه شيخ كبير ،وليس يقدر على دفع البلاء ،ولارد الأعداء،وإن مكانه لمحفوظ عندنا و هو لدينا  عزيز مكين

وحكم على شباب الملك سلمان بتكبيله في سلاسل ضخمة تحمى عليه في كل عام مرة ،فيصيح حتى تسمع صراخه حيتان البحر ، وبعد سنين من العذاب توفي أبوه الملك واستلم أخاه العرش ولكنه سرعان ما نتق ،فذهب شعب أشور يستنجد بسلمان وفكت أغلاله ،وعاد إلى القصر واعتلى العرش ،وأول ما أمر به أن تعلق جبة والده الراحل على الجدار ،ولا أحد كان يعلم لماذا فعل ذلك !!!!!

المنظر الثاني:

يعود رحل من الرحلة ويستأذن للدخول على الملك أرحلوني

الخادم  :سيدي  رحل  يستأذن للمثول بين يديك

الملك أرحلوني :دعه يدخل

رحل بن رحلون:تحية مباركة على مولاي الملك،يقول وهوينحني

الملك:ارحلوني: سعيد بعودتك سالما غانما يا سعد،فقد بلغني أنك قد غنمت ربحا كبيرا ،فنمت تجارنا وربيت أموالنا

رحل بن رحلون :هذا بفضلكم يا سيدي حفظكم الإلاه مالك الأملاك، ومخضع الأعناق ،وهازم الملوك والجبابرة

الملك أرحلوني:أراك تفصح فتغمز ،وتمدح فتذم ،وتجل فتهين ، بربك أليست ترضيك  قسمتنا،وقد ظننا أننا أنصفناك وما بخسنا؟

رحل بن رحلون :بلى يا سيدي ،ترضيني وتزيد ،ولكن ليس هذا مقصدي

الملك أرحلوني:قلي إذا كيف وجدت بلاد ما بين النهرين ، وما أخبار ملكها سلمان أصر الثالث؟

رحل بن رحلون:ذاك كان مقصدي ،وهو ما كنت  أهم بقوله ،أما أحوال البلاد وشؤون الرعية فهي في خير ونعمة ،ونشاط وهمة ،فلست ترى الرعايا إلا منصرفين كل في شغله ،كأنهم قد اتخدوا من الوقت ربة تأمرهم وتنهاهم،وأما ملكهم ،فقد سمعت عنه أمرين أوله طريف خفيف ،والثاني ثقيل مخيف ،فأيهما يأمر مولاي أستفتح به فعلت

الملك أرحلوني : هات الثقيل المخيف ،فإن صدقت واهتمت نفسبي واغتمت روحي ،خففت عني بالطريف الخفيف

رحل بن رحلون :مولاي لقد سمعت من العامة حين كنت أحتك بتجار الدولة أن الملك عازم على حملة كبيرة ضدكم يامولاي ،وأنه يستهدف شمال سورية ومنطقة سيليسيا ،وهو يهم أن يعمد إلى شمال الفرات فيقيم به حصونا يعززبها حملته ،ثم يفاجئكم بجيش جرار فيبيدكم على بكرة أبيكم إلا أن تخضعوا له  وتسلموه زمام الحكم

الملك أرحلوني :قد وصفت فصدقت ،إنه والله ثقيل مخيف ،فأرحني بما هو نقيضه وضده ،فإني قد اغتممت

رحل بن رحلون :مولاي لا بأس عليكم ، فقد سمعت أنه قد مسه شيئ من الجنون ،فلا ينفك يحدث نفسه على مرأى من خدمه المقربين ووزرائه ، فإذا اشتد عليه الأمر قتل منهم من كان أقرب إليه

الملك أرحلوني:  ها ها ها ها ها ها ،ماهذا يارحل والله إنك تبرع في محادثة الملوك كما تبرع في التجارة

رحل بن رحلون :هذا من علمك بأصول الحديث يامولاي ،والآن إن سمحت لي فأنا أستأدن الخروج لبعض أمري

الملك:قد أذنت ،وأمرت لك بهبة أنت لها أهل ،و بها أحق

ثم أشار إلى الحاجب  بيده ليعطيه

رحل وهو ينصرف بخطى إلى الوراء ، أشكرك يا مولاي

ينتهي المنظر الثاني على الملك :أرحلوني وهو يفكر بعمق ويده على خده حينا وعلى ذقنه حينا آخر ،وأحيانا يقف فيجيئ ويروح في قلق باد على ملامح وجهه

 

المنظر الثالث :

الملك أرحلوني : إلي بالوزير  عرقب حالا

الوزير عرقب  يدخل مسرعا :قد طلبتني يا مولاي

الملك أرحلوني :هل بلغك ما بلغني من أمر ملك الآشوريين  سلمان أصر الثالث

الوزير عرقب :إذا كنت تقصد  حملته المزعومة ،فقد بلغني ما بلغكم يامولاي

الملك: هل ترى رحلا صادق فيما يقول ،أم أنه محض افتراء؟

الوزير:لست أرى سببا يدفعه للكذب يا مولاي ،وهويعلم عاقبة هذا الفعل ،وقد أحطته بكرمك وفضلك

الملك: فماذا تقترح أيها الوزير ؟

الوزير عرقب :يا مولاي ،إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أدلة ،ونحن لا طاقة لنا بمجابهتهم ،فأين جنودنا من جنود آشور إلا أن ...

الملك أرحلوني : إلا ماذا تحدث 

الوزير :اللأمان يامولاي أولا فوالله لست أريد بما هممت أن أقول إلا صلاح أول هذه الأمة

الملك أرحلوني : لك الأمان ،فقل

الوزير عرقب :أما وقد أحطتني بعفوك وأمانك يامولاي ،فإني لست أرى سبيلا إلى الخلاص من هذا الأمر الجلل  إلا بالإتحاد مع قوات القبائل الأخرى

الملك: يقف غاضبا ويقول بصوت مرتفع :إتحاد ،إلى ما ترمي يا هذا

الوزير عرقب  :مولاي أناشدك إله الشمس والقمر أن تسكن من روعك ،فما قلت إلا اقتراحا ،وإنما ناصية الأمر أوله وآخره معقودة بيدك  وحدك ،فانظر ماذا ترى

الملك:أظنك تريدني أن أمد يدي إلى أعدائي ،وأعقد معهم صلحا ،فيذهب ما خططنا له أدراج الرياح ،ليس هذا إلا جنون وسبة

الوزير:يامولاي لاشيئ سيذهب أدراج الرياح ،الخطر قادم ،إنها نارا ستحرق الأخضر واليابس ولن تذر من أمرنا وأمر القبائل الأخرى إلا الخراب والندم والحسرة،إنما ندرأ هذا الخطر ،حتى إذا خلا لكم الجو أكملنا مابدأناه ،والجنون يا مولاي أن ندع الغريب يستفرد بالحكم وحده على أراضينا التي هي من حقنا،فقط لأن كبريائنا يمنعنا من ذلك

الملك أرحلوني :حتى وإن تنازلت أنا وأخذت برأيك ،فهل تظنهم سيقبلون الإتحاد ،إن بيننا وبينهم عداوة وبغضاء أظننا توارثناها أبا عن جد ،وخصومات ونزاعات ،المعلقة منها أكثر من المتنازع عليها ، كل واحد منهم يريد أن يأخذ حاجة له عند خصمه ،

الوزير:إنما نجتمع بهم ونعرض عليهم الأمر فإن قبلوا فبها ونعمة ،وإن كان غير مانرجو التمسنا إلى الخلاص طريقا غير هذه الطريق ،فكان لنا النجاة ،وإن كنت لا أتمنى أن يحدث هذا أبدا لأن الثمن سيكون باهضا أكثر من كل شيئ تصورناه ،أدناها أن تضرب علينا الذلة والمسكنة ولم يكن لنا أن نكمل ما عمدنا إلى إنجازه  من قبل يا مولاي،ستتبخر الأحلام ،وتهان الهامات،وإن والله ماخفي أمر وأنكى

الملك أرحلوني : وماهو هذا الدرب أيها  الوزير؟

الوزير:أن نعرض على ملك سلمان قواتنا فنكون تحت إمرته ونشارك في حربه ضد القبائل الأخرى

الملك: لا والله لن أفعل ذلك ،وإن كلفني ذلك حياتي ،فإن الموت خير لي من الخضوع له ،والمشاركة في حربه

الوزير :إذا نبعث برسولنا إلى ملوك  القبائل وإلى قادة القوات الفينيقية ،ونعرض الأمر عليهم ،ثم ننظر ماذا يكون ردهم

الملك ارحلوني : باشر من فورك بإرسال الرسل ،وخبرني بكل جديد ،وكل طارئ ،ولا تنس أن ترسل إلى رحل أريد أن أعرف منه المزيد

الوزير عرقب :حاضر يا مولاي ،وماذا بشأن غزونا للملك جندب ؟

الملك أرحلوني: ليس أوانه يا عرقب ،نقضي في أمر الملك وحربه وبعدها لكل حادث حديث ،ثم لا تنس أنه إن نحن خرجنا إليهم فسننهك قواتنا وقواته ،ونحن الآن في أمس الحاجة إلى كل جهد ،وكل قوة                           

المنظر الرابع :

الراوي : يؤجل الملك أرحلوني غزوه لقبيلة جندب ،ويأمر  بإرسال  الرّسل إلى  قادة القواة الفينيقيين ،وإلى ملوك القبائل الثلاثة ،ولكنهم عندما  جائتهم الرسل رفضوا الإتحاد ،وقلبوا الأمر على غير وجهه ،وظنوا به السوء ، فلما رجع الرّسول بأخبارهم ، احتار الملك أرحلوني ماذا يصنع ،فأشار عليه وزيره  عرقب أن يرسل إلى قائد   القوات المصرية ،وأشاد به وبمناقبه ،وقال أنه يتصف بالحكمة وأن ليس بينهم وبينه عداوة ،فلا يأخذ الأمر على غير مأخذ فوافق الملك وأمر بطلبه ليعرض عليه الأمر،وكان الوزير قد تفطن للأمر وأرسل الرسول إلى القائد ماصر في الوقت  نفسه الذّي أرسل فيه  الرسل إلى القبائل الأخرى

الملك أرحلوني مغتما :لقد حصل والله ما كنت أخشى ،ورفضوا أن يوحدوا صفوفهم ووالله إني لأرى العاقبة سيئة ولن تجني منها قبائل العرب إلا كل شر ،

الوزير :أيها الملك،إن المرأ لا يعدم الحيلة أمام الأمور ولما يستنفد كل أسباب التمكين إليها ،وإني أعلم من ماصر بن ماصر قائد الكتيبة المصرية  إلا خير المناقب ،فأرى يا مولاي أن تستقبله عندك  وتعرض عليه الأمر ،فإن رفض كنت قد استوفيت كل الأسباب ،و لم تعجز ،وإن قبل كان لنا من الأمل بصيصه ومن الخيط بدايته

الملك أرحلوني: حسنا افعل على وجه السرعة ،لا وقت للمماطلة

الملك :لقد فعلت يامولاي ،وأظنه الآن في طريقه إلينا

الملك:أوفعلت حقا ،نعم البطانة أنت يا وزيري ، والله أنت أخي الذي أعضد به أزري وأشركه في أمري ولولاك لكنت حائرا ماذا أصنع في مثل هذا الموقف الصعب

الوزير عرقب :يا مولاي لم أفعل غير واجبي ،إنما ه

المصدر: عقيلة مراجي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 10 سبتمبر 2017 بواسطة akilameradji

أَبو فروة الظريف

akilameradji
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

17,890