إحدى قصص مجموعتي القصصية المنشورة ( قرار أخير لأسوار العناد )
======================================
عندما افتقد طيفها
*************
كل صباح و في نفس الموعد كانت تشاهده قابعاً على الشاطئ في حالة مناجاة لكل ما يحيط به ، و كأن ذهنه في تناغم مع هذا الكون الشاسع . ترددت كثيراً قبل أن تقتحم عليه خلوته بعينيها الصغيرتين ، و لكن واتتها الشجاعة أخيراً فبدأت في مراقبته عن كثب . هذا الخاشع عند البحر شفتاه تناديها بورع ، كلما تردد اسمها على شفتيه ارتجف خافقه بنبضات متلاحقة ، تعلو منه شهقة حتى تجتاز ممرات الهواء إلى تلك السحابة التي ترقبه بلهفة .
كان موعدهما الأول في تلك البقعة الصغيرة من الشاطئ ، كان حياؤها يُضنيها فأخذت تُداعب حبات الرمال و كأنها تحاول أن تحصيها ، ها هي قد أتت كي تلقاه برغم وجل يُلاحق أهدابها . كانت الأمواج تتلاحق هادئة في تناغم لحنها ، ترسم على الشاطئ تموجات ، و كأنها تستجدي الرمال كي تضمها بين جنباتها . ظل يُلاحق بعينيه المتشدقة بالصبابة موسيقى الأمواج و كأنها تُردد صدى صوته هاتفة باسمها . حامت النوارس فوق رأسه ناشرة أجنحتها البيضاء التي تشبه نقاء قلب حبيبته ، رفرفت هائمة و كأنها تبحث معه عنها . نبض قلبه بنغمات لحنها التي كانت تشدو به في أول لقاء بينهما ، فشعر بأن طيفها اندمج بذاته فأحياها من جديد .
داعب الرمال الناعمة بأنامله ، رسم صورتها الحانية فطافت بذرات جسده قشعريرة السؤال الكامن في نفسه .. هل فراقهما كان مُحّتما ؟ ألن تحضر إلى عالمه و لو لمرة أخيرة كي تُنعش ذِكراها في قلب زرعها في شرايينه و أوردته ، و لا يستطيع أن يمحوها إلى الأبد . خارت قواه مجددا حين تذكر كيف جازفت بحاضرها و ماضيها من أجل لحظة عشق غلبتهما ، كان يتحسس جسدها الغض بأعينه ، و يداعب خصلات شعرها بأنامله . فرت من بين أجفانه خجلة ، و قد نضحت وجنتاها بخضاب البراءة ، فإختبأت بين أهدابها ، ارتجفت شفتاها هامسة .. لا .. برغم أن الوصل مُشتهاه و مُشتهاها .
ضمها إلى صدره ضمة حانية قائلا .. يا صغيرتي لا تخافي .. قلبك مُنتهايا و قلبي مُنتهاكِ ، لامسي يداكِ بيديّ ، و ارشفي رحيق خمر اللقاء ، حتى تثملي و تتراقص جدائلك على كتفيَّ ، و أملأ من جمالك عينيً . بعد أن ذابا عشقا بين الثنايا ، و أججت أنفاسهما نار الغوايا ، همس .. لا تخافي يا صغيرتي ، و اقتربي من شاطئ مُنايا ، فالعشق منكِ و بكِ يروي دنياي .
فتح مقلتيه مجددا ناظرا إلى الأفق البعيد باحثا عنها ، و عندما افتقد طيفها في الوجود حَثى الرمال فوق جسده المنكوب ، و امتثل للرحيل .
سعاد الزامك