العصـــر النــووي ( 12 )
أهمية البرامج النووية في توفير الطاقة
تمثل الطاقة أخطر تحديات القرن الحادي والعشرين حيث أنها تعتبر عصب الحياة ولاغني عنها في الحياة اليومية أو المشروعات الصناعية والتنموية والتي تترجم في النهاية إلي رفع المستوي المعيشي للفرد و رفاهيته، وهناك ثلاثة مصادر رئيسية للطاقة:
الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري (الغير متجددة) مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم. الطاقة الجديدة والمتجددة والتي تشمل المائية، الشمسية، والرياح والجيوحرارية ، وتمثل المصادر النووية النوع الثالث والهام للحصول علي الطاقة.
فإذا استعرضنا الطاقة الناتجة من الوقود الأحفوري (المصادر غير المتجددة) نجد أن الفحم يشكل مايقرب من 95% من مصادر الطاقة المستعملة مع بداية القرن العشرين. ثم بدأ يتغير هذا الوضع مع ظهور دور النفط والغاز الطبيعي في النصف الثاني من القرن العشريـن.
أما عن الطاقة الجديدة والمتجددة فإن مصادرها تشمل الطاقة المائية وطاقة الشمس والرياح والجيوحرارية والطاقة الحيوية. و لكن هذه المصادر تسهم بنصيب متواضع كمصادر للطاقة حيث أن دولا كثيرة فعلا قد استغلت المصادر المائية التي لديها لتوليد الطاقة ولم يتبقي منها إلا القدر اليسير، وهي تعتبر رخيصة ونظيفة بيئيا في نفس الوقت. أما عن المصادر الأخرى الجديدة والمتجددة فلازالت في نشأتها الأول وتحتاج لدراسات كثيرة للخفض من تكاليف الحصول عليها ويمكنها أن تضيف جزءا" محدودا" إلي إجمالي الطاقة المطلوبة.
أما المصدر الثالث للطاقة – والذي يعتبر من المصادر الهامة – فيمثل الطاقة النووية. وهذا المصدر يمكنه تعويض ما يعادل مئات الملايين من الأطنان المكافئة للنفط. وتجدر الإشارة إلي أن ارتفاع تكاليف إنشاء المحطات النووية يمثل العقبة الرئيسية في استخدام الطاقة النووية، إلا أن ميزتها تتمثل في كمية الطاقة الكامنة في الوقود النووي والتي تجعل كلفة إنتاج الكيلوات ساعة منخفض جدا بالنسبة للوقود الأحفوري. فمثلا: الطاقة النووية الناتجة عن بعض جرامات من اليورانيوم تكفي لإضاءة 20 ألف مصباح لمدة 12 يوما متتاليا. لذا فإن الاعتماد علي الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية له مردود اقتصادي معقول. والجدير بالذكر أن أسعار البترول متغيرة وفي ارتفاع مستمر حيث جاوز سعر البرميل 170 دولار خلال عام 2008، والذي يتوقف في كثير من الأحيان علي الأحوال السياسية السائدة في العالم، كما أنه يعتبر من المصادر غير المتجددة، ولا يجب أن تبقي الدول العربية معتمدة علي البترول كمصدر أساسي للطاقة إلي أن ينضب، فإذا لم يكن هناك بديلا جاهزا فسوف تكون الطامة الكبرى.
أما عن إمكانية الاستثمار في الطاقة النووية، فمن المعروف أن إنشاء المحطات النووية وتوفير الوقود النووي ومعالجته وصناعته والتخلص من النفايات المشعة يحتاج إلي تكاليف باهظة حيث لابد من توفير أموال طائلة لاستثمارها في هذه الصناعة النووية. وفي رأيي أن التكاليف اللازمة لإنشاء تلك المحطات يمكن تدبيرها بالتعاون بين الدول العربية علي أساس المصلحة المشتركة والاستثمارية والمصير الحتمي الواحد. وهناك العديد من الدول العربية التي تمتلك التمويل اللازم، ويمكنها استثمار ما تدفعه علي أساس اقتصادي، هذا بالإضافة إلي رفع المستوي التقني الذي سوف ينعكس علي الدول الممولة والدول المضيفة.
أما من الناحية البيئية، فإنه من المعروف أن مفاعلات القوي النووية لا تنبعث منها غازات ضارة بكميات مؤثرة مثل تلك الغازات التي تنبعث من محطات الوقود الأحفوري وأخطرها غاز ثاني أكسيد الكربون، والتي تؤثر بشكل ملحوظ في التغيرات المناخية وتسبب ظاهرة الاحتباس الحراري ورفع درجة حرارة الكرة الأرضية. لذلك يمكن التأكيد علي أن محطات الطاقة النووية تمتلك القدرة لتعويض الخلل الناتج من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة لإعادة التوازن البيئي وفقا للمستويات المطلوبة خلال الفترة من 2008 – 2012 طبقا لبروتوكول كيوتو والخاص بالحد من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة. وتجدر الإشارة إلي أن الحفاظ علي البيئة ليس نوعا من الرفاهية ـ كما يظنه البعض ـ ولكنه هام للإنسان أولا والبيئة المحيطة به ثانيا ، وأن الدول العربية لديها القدرات المادية والبشرية للدخول في مجال إنشاء محطات القوي النووية بخطي ثابتة وفعالة.
أما عن الاعتبارات السياسية والإستراتيجية، فإن إدخال الطاقة النووية لا يعني بالضرورة استخدامها في مجالات غير سلمية. ولكنه من الأهمية بمكان أن تقطع الدول العربية شوطا كبيرا" وهاما" في مجال الطاقة النووية والتعامل معها وتعزيز استخدامها السلمي بهدف توفير الطاقة الكهربائية اللازمة وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع الحيوية والهامة لتنمية المجتمع والبيئة، فهذا أمر تفرضه المصلحة العامة للتنمية مع التركيز علي عامل الوقت كعنصرا" هاما" ومؤثرا".
وتجدر الإشارة إلي أنه كانت هناك بعض المحاولات خلال الفترة من 95/1997 لإجراء دراسة جدوى فنية واقتصادية لتوليد الكهرباء وإزالة ملوحة مياه البحر باستخدام المفاعلات النووية اعتمادا" علي التصنيع المحلي لمكونات كل من محطة إزالة ملوحة مياه البحر والمحطات النووية والتي تتناسب مع الإمكانيات والخبرات والتكنولوجيا المصرية، وذلك ضمن المشاريع البحثية للخطة الخمسية 92/1997 لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر. وقد وضعت عدة معايير فنية و اقتصادية للتقييم المقارن بين خيارات المحطات النووية المختلفة. وبناء علي نتائج هذا التقييم أوصت الدراسة بأن تكون أول محطة نووية في مصر مكونة من المفاعل النووي طراز كاندو – 6 مربوطة به محطة التحلية من نوع التقطير متعدد التأثيرات. ولهذا فإنه من الإمكان البدء في إنشاء محطة نووية مصرية اعتمادا علي الخبرات المصرية من حيث اختيار الموقع والتصميم والتنفيذ والتشغيل، ويمكن أن تكون هذه الفكرة بداية لتوطين التكنولوجيا النووية في مصر والدول العربية، وهذه الفكرة جديرة بأن تؤخذ في الاعتبار حتى يمكن دفع عجلة التطور نحو التقدم العلمي المستنير الذي يساهم في حل مشاكل المجتمع ويرفع مستواه الاقتصادي، فلا تقدم ولا ازدهار ولا أمن للعالم العربي بدون استيعاب عصر العلوم المتقدمة ومنها العصر النووي والسير في تطبيقاته السلمية بخطي وثابة، فالأمن يعتمد علي التقدم والنمو وازدهار العلم، فلا تقدم بغير علم ، ولا علم بلا جهد دءوب من أبناء هذه الأمة، وأخيرا لن يبني تقدم مصر إلا الأيدي المصرية الواثقة والتي تحب هذا الوطن.
ساحة النقاش