التغيرات المناخية وأثرها علي التراث الثقافيبجمهورية مصـــر العربية
|
|
|
أ.د/ عبد العاطي سالمان |
مقدمـــة
تشكل التغيرات المناخية والتي باتت حقيقة واضحة علي المستوي العالمي تهديدا مباشرا للمواقع الطبيعية والتراث الثقافي، كما أنها سوف يكون لها تأثيرا مباشرا علي النسيج الاجتماعي والجغرافي والاقتصادي وغيرها.
وقد بات المجتمع الدولي يعترف على نطاق واسع بأن التغيرات المناخية ستشكل أحد أبرز التحديات في القرن الحادي والعشرين، وتجدر أن تتضافر الجهود لتطبيق نهج متكامل بشأن القضايا المرتبطة بصون البيئة والتنمية المستدامة، وعلي الأخص في موضوعات الأنهار الجليدية، والتنوع البيولوجي البحري، والتنوع البيولوجي البري، والمواقع الأثرية، والمدن وحركات الاستيطان على مر التاريخ.
ينطوي ذوبان الأنهار الجليدية في العالم على انعكاسات مباشرة على معالم المواقع المدرجة على قائمة التراث لجمالها الاستثنائي، ويؤدي إلى تدمير مواطن الأصناف النادرة، كفهد الثلوج في حديقة ساغارماتا العامة الوطنية في نيبال. وقد تلقي هذه التغييرات بتأثيرها الحاد على حياة الإنسان، إذ أن الفيضانات التي يتسبب بها الذوبان المفاجئ للبحيرات الجليدية تهدد المساكن البشرية. ولذلك لا بد من إنشاء أنظمة للمراقبة والإنذار المبكر، فضلاً عن التصريف الاصطناعي للبحيرات الجليدية تجنباً لوقوع مثل هذه الكوارث.
كذلك لا بد من الاهتمام بالتغيرات المناخية علي المواقع البحرية للتراث العالمي مثل تجمعات الشعب المرجانية في قاع البحار عبر العالم والتي سوف تتأثر بالتحولات البيئية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة والتحمّض المتزايد للمحيطات بحلول عام ، حيث سيتم زوال بعضها بحلول عام 2100. كذلك سوف تزول ألوان بعض الشعب المرجانية و موت بعضها بفعل ارتفاع درجة حرارة البحر.
كذلك سوف يخضع التنوع البيولوجي البري للتهديد أيضاً جراء التغيرات المناخية حيث أنه مهدد بسبب انحسار المستوطنات البيولوجية المتأثرة بالمناخ - نظراً إلى ظاهرة سخونة المناخ وتطور أنماط هطول الأمطار. وعلى النطاق العالمي، قد تحدِث التغيرات المناخية تعديلاً على انتشار الأصناف، بما فيها الأصناف "المكتسِحة" (سواء من الجراثيم أو الطفيليات)، ودورة الحياة، كالإزهار، والعلاقات بين الحيوانات المفترِسة والطرائد، وحامل الطفيليات والطفيليات نفسها، والنباتات والملقِّحات، إلخ. ويوصي التقرير باعتماد سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى التصدي لهذه المشكلة، لاسيما عبر إنشاء مناطق محميَّة، وتغيير الاستيطان الجغرافي للأصناف الأكثر عرضة للخطر.
وقد تلحق التغيرات المناخية ضرراً بالمواقع الأثرية للتراث العالمي، فلا شك أن التعديلات الطارئة على دورة هطول الأمطار وموجات الجفاف، والرطوبة، ومستويات المياه الجوفية، وبالتالي على كيمياء التربة، سوف تخلِّف آثاراً على محاولات صون المواقع الأثرية. كما أن ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة ذوبان الأرض الدائمة التجمّد التي تصحبه في المنطقة القطبية الشمالية، مقابل ارتفاع مستوى سطح البحار، كلها عوامل ذات تبعات خطيرة على هذا التراث، وقد يكون لارتفاع مستوى البحار والفيضانات الناتجة عن التغيرات المناخية آثار مدمرة على الأبنية والنسيج الاجتماعي للمدن وحركات الاستيطان التاريخية. وقد ينتج عن ارتفاع مستوى رطوبة الأرض جراء الفيضانات تنامي البلورة الملحية على سطح المباني، مما يلحق ضرراً كبيراً بالأبنية المزخرفة بشكل خاص. ومن شأن تزايد الرطوبة أن يسبب أيضاً ارتفاعاً أو خسوفاً في مستوى التربة. تجنبا لهذه التهديدات، ولتهديدات أخرى مشابهة، يتعين مراعاة التفاعلات المعقدة القائمة بين الجوانب الطبيعية والثقافية والاجتماعية لعملية الصون( عن تقرير اليونسكو بيان صحفي رقم 2007-35 التغيرات المناخية تهدد مواقع التراث العالمي لليونسكو).
التغيرات المناخية والحفاظ علي التراث الثقافي المصري
من المقدمة التي أوردناها فيما سبق، يتضح أن المنطقة المصرية سوف تتأثر كغيرها من مناطق العالم لتغيرات مناخية ومن أهمها التأثر بذوبان الثلوج في المناطق القطبية وزيادة مستوي المياه في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتلك الزيادة في منسوب مياه البحار سوف يهدد المناطق المنخفضة، وخاصة في الدلتا وسواحل البحر الأحمر والأبيض. وسوف يؤثر ذلك بالتالي علي التراث الثقافي والحضاري في تلك المناطق. هذا بالإضافة إلي الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة وديناميكية الرياح. لذلك يجب أن نعد أنفسنا من الآن لمجابهة تلك التهديدات والمحافظة علي تراثنا الثقافي والحضاري. ومن أهم المقترحات التي يمكن أن تساعد في ذلك ما يلي:
أولا: يجب تحديد المناطق التي سوف تتأثر بطريقة مباشرة بالتغيرات المناخية ومن أهم تلك المناطق: شمال الدلتا ، سواحل البحر الأبيض وسواحل البحر الأحمر والجزر الموجودة يهما. كذلك المواقع الأثرية بوادي النيل ومصر العليا والصحراء الشرقية والصحراء الغربية وسيناء.
ثانيا: تحديد المواقع التي تضم تراثا ثقافيا أو حضاريا في تلك المناطق مع ترتيبها حسب أهميتها الثقافية والحضارية.
ثالثا: عمل أطالس للمواقع الأثرية والثقافية الموجودة في تلك المناطق مع تحديد وتدوين جميع البيانات الخاصة بها وصفاتها بطرق رقمية (Digital Information and photographing) وتحديد نوعية المخاطر التي يمكن أن تهددها بسب التغيرات المناخية، كذلك تحديد نوع التغير المناخي الأكثر تهديدا لتلك الآثار الحضارية والثقافية.
رابعا: إنشاء بنك معلومات يحتوي علي جميع البيانات المتعلقة بالمواقع الأثرية والتراث الثقافي والحضاري، علي أن يكون مزودا بالصور والخرائط الرقمية والإحداثيات والمناسيب الخاصة بكل موقع.
خامسا: عمل سيناريو قريب الأجل وآخر بعيد الأجل لنوعية الأخطار المحدقة بالتراث الثقافي والحضاري في تلك المناطق بجمهورية مصر العربية، وسبل التعامل مع تلك الأخطار الناتجة من التغيرات المناخية وطرق التغلب أو تخفيف تلك الأخطار.
سادسا: تدبير اللإعتمادات المالية اللازمة للبدء فورا في تلك الدراسات المرتبطة بتأثير التغيرات المناخية علي التراث الثقافي والحضاري بجمهورية مصر العربية.
أ.د/ عبد العاطي بدر سالمان
جيولوجي استشاري
ساحة النقاش