جمال سلطان
05
يونيو
2012
08:01 PM


من المفيد والضرورى التوصل إلى قواسم مشتركة بين قوى الثورة من أجل إنقاذها، ومن أجل الوصول بها إلى بر الأمان وتحقيق أمانى الشعب المصرى منها، وقد طرح مؤخرًا فكرة تشكيل مجلس رئاسى مدنى لإدارة شؤون الدولة فى الفترة المقبلة، ويكون من مهامه إنجاز الدستور الجديد والدعوة والإشراف على انتخابات رئاسية جادة وأكثر شفافية، وأظن أنه من مسؤولياته تشكيل حكومة إنقاذ وطنى تمثل فيها قوى الثورة سواء بالتوازن البرلمانى أو بتجاوزه، المهم أن تتشكل حكومة وطنية لا تمثل امتدادًا للنظام القديم، كما هو حادث حتى الآن، والحقيقة أن فكرة المجلس الرئاسى المدنى كان مطلبًا ثوريًا منذ البداية فى أعقاب انتصار الثورة، ولكن التشنج ومحاولات فرض الوصاية من بعض الأطراف أفقد الدعوة زخمها والقبول العام لها، والمطلوب الآن أن يتم النظر بشكل موضوعى وعاقل لهذه الفكرة فى إطار تطورات ومكتسبات حدثت بالفعل على أرض الواقع، فنحن الآن أمام برلمان وطنى منتخب ديمقراطيا، كما أننا أمام انتخابات رئاسية فى أمتارها الأخيرة وسبق أن ارتضى خوضها بكل قوة وحرص معظم الأطراف التى تطالب بمجلس رئاسى مدنى الآن، وكان بوسعها أن تطلب ذلك قبل الجولة الأولى بحيث تنزه نفسها عن الاتهام بأنها لما فشلت فى السباق شرعيًا تطالب بالعودة إليه بقصة المجلس الرئاسى، فأين كان ذلك المطلب قبل الانتخابات برمتها وقبل أن تفرز لنا هذا الاستقطاب الجديد؟!

فكرة المجلس الرئاسى بصيغتها المطلقة فيها ظلم لمن خاضوا السباق وانتزعوا الفرصة الأكبر للنجاح، وهو حزب الحرية والعدالة، الذى يخوض مرشحه محمد مرسى جولة الإعادة، وفرصه بكل تأكيد أكبر كثيرًا من فرص مرشح الفلول، وعمليات الاصطفاف والاحتشاد فى التيار الإسلامى الآن تنذر بنتائج ساحقة فى الإعادة لصالحه حتى مع كل دعوات المقاطعة الأخرى، وبالتالى فحرمان الجماعة وحزبها ومرشحها من فرصته الشرعية ـ التى خاضها كما خاضها غيره ـ فيها ظلم وتطرف فى الموقف السياسى، أيضًا فإن الانسحاب الآن من جولة الإعادة فيها تجميل لوجه الفلول عندما يصورون أن مرشح التغيير والثورة انسحب إدراكًا منه بأن الشعب سيختار مرشح النظام القديم، ورغم أنه سيكون ادعاء سخيفًا، لكنه من الناحية العملية والواقعية لن تستطيع أن تمنع الاقتناع الواسع به داخليًا ودوليًا أيضًا بعد الضجة التى حدثت بدخول شفيق الإعادة.

على الجانب الآخر، فالمؤكد أن المرحلة المقبلة فيها أعباء ضخمة على الرئيس المنتخب الجديد، والبلاد فى حالة معاناة اقتصادية وأمنية واجتماعية وتشظى سياسى غير مسبوق، وهذه تركة لا يستطيع حزب سياسى وحده أن يحملها، ولو حملها فسيضع نفسه فى مظلمة تاريخية ربما تكون نهايته فيها، فليس من مصلحة الإخوان أو حزبها أن يحملوا هذه التركة المفخخة وحدهم أبدا، والأفضل على الإطلاق أن تكون هناك شراكة سياسية بين أكثر من قوة سياسية لقيادة تلك المرحلة، وبعد أن تتم هيكلة مؤسسات الدولة وتطهيرها وإنقاذ سفينة الوطن خلال سنة أو سنتين، يمكن الدعوة إلى انتخابات جديدة والجميع مطمئن إلى نزاهتها وجديتها وأنها انتخابات لوطن محرر ودولة ديمقراطية وفى ظل دستور واضح ومجمع عليه، ومن ثم فإننا فى حاجة إلى "الجمع" بين المطلبين أو الوجهتين، حق مرشح الحرية والعدالة فى خوض الإعادة وانتزاع الرئاسةـ بإذن الله ـ لقوى الثورة والتغيير، وفى الوقت نفسه تحويل مؤسسة الرئاسة إلى شراكة سياسية بين أكثر من قوة سياسية، فكرة المجلس الرئاسى فى صورته المباشرة والمطروحة غير عملية وستحدث تشظيا ثوريا وليس إجماعًا وطنيًا، ولذلك فالأفضل أن تكون هناك صيغة أخرى للشراكة الوطنية فى مؤسسة الرئاسة، بأن يكون محمد مرسى رئيسًا للجمهورية فى حال انتخابه مع وجود عدة نواب له بصلاحيات محددة وغير قابلين للعزل بقرار رئاسى، كما يمتنع عليهم اتخاذ أى قرار ضد المؤسسة الشرعية المنتخبة ديمقراطيًا: البرلمان، سواء بحله أو نزع بعض اختصاصاته، وأن يتعهد الرئيس والمجلس الرئاسى الجديد بتحقيق أجندة مطالب ثورية محددة خلال مدة محددة، قد تكون سنتين، فى مقدمتها إنجاز الدستور الجديد، وتشكيل حكومة وطنية يكون من أولى مهامها فرض الأمن وإنهاء فوضى الشارع وتنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية عاجلة، وتطهير مؤسسات الدولة من "سوس" النظام القديم" وبشكل أخص فى الأركان الثلاثة: الإعلام والأمن والقضاء، والتعاون مع البرلمان لإنجاز حزمة تشريعات تحقق مطالب جوهرية للثورة، كقانون السلطة القضائية الجديد، وإنجاز محاكمات عادلة وحازمة ضد كل من أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية فى العهد السابق.

لقد ثبت ـ خلال متاهة وألاعيب المرحلة الانتقاليةـ أن مصر بحاجة إلى إحياء واستمرار الفعل الثورى لحماية الثورة، ولكن الإرادة الثورية لا تنجح وتتحول إلى فعل إيجابى إلا بالتوافق والتوحد والاجتماع على قواسم رئيسية، بهذا ينجح الجميع ويربح الوطن، وبدونه يفشل الجميع ويخسر الوطن، مهما كانت "النوايا" طيبة.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 29 مشاهدة
نشرت فى 5 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,783