وا إسْلاماه بين الصليب والتتار( المغول ){ الفصل الثامن والعشرون } انْفِجارُ الحُزْن!! ـ لا يتم شىءٌ إلا لحِقه النقْصانُ!!
وصل السلطانُ المظفرُ قطزفى خُطْبَةِ النصرإلى قوْلِه:ألا ترَحَّمُوا على إخْوانكم، الذين عَلِمَ اللهُ ما فى قلوبهم من الإيمان والخير.فاختارَ لهم الشهادة والجنة،واختار لكم النصر والحياة الكريمة.لتعودوا للجهادِ فى سبيله،وما عند اللهِ خيرٌ وأبْقىَ..وترحَّموا على أمَةِ الله سلطانتكم،فقد صدقت اللهَ ما عاهدتهُ عليهِ،وآثرَتْ ما عند الله على ما عند عبْدِهِ قطز.!.وهنا أدْركته الرِّقَّةُ فبكىَ وعلا نحيبُهُ.فبكى المسلمون جميعاً،وتعالت أصواتهم:بالنَّحِيبِ وهم يقولون:(يرْحَمُها الله يرحمها الله)ثم تلا السلطان قوْله تعالى:[[ ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا.بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون..]]..وفرَغَ السلطانُ لمحاكمة الأسْرَى من المسلمين، الذين انضموا إلى التتار. فمن وجد له عذراً من جهل أو إكْراه استتابه(جعله يتوب) وضمه إلى جيشه، بعد أن أعْلمَهُ أن حُكْمه القتل. لكنه آثر العفوَ عنه لِما يتوسَّمُ فيه من الخير.ومن لم يجد له عذراً أمر بضرب عُنُقِهِ!! ثم قتل بيده الملكَ الأيوبى الذى انضم إلى التتار وقاتل إخْوانه المسلمين!! ثم تحرَّك إلى طبَريَّة فأرسل إلى أهل دمشق، كما أرسل إلى الشيخ المجاهد ابن الزعيم(مَوْلاهُ القديم) الذى كان مُخْتبئاً فى بعض ضواحى دمشق. وكان يُراسِلُ الملكَ المُظفر بكلِّ أخْبار التتار وأمراء الشام. فيسْترشِدُ بها فى حملته على بلاد الشام...ووصل قطز إلى ظاهر دمشق(مدخلها) فوافاه الشيخُ ابن الزعيم فتعانقا وبكيا طويلا!!! وعَيَّد(قضى يوم العيد)فى هذا المكان وذبح الذبائح وصلى العيد وابن الزعيم يؤم المسلمين وأطعم الناس. وتذكَّرا الإمام المجاهد عز الدين ابن عبد السلام. ثم دخل دمشق. وأرسل بيبرس لِمُطاردة التتار فمزق حاميتهم فى حِمْص .وكانت وقعة حمص آخر أمر التتار ببلاد الشام!
ولما بلغ هولاكو وهو ببلاد فارس انهزام عسكره، وقتْل نائبه كتبغا، قتلَ كلَّ من لحق به من ملوك وأمراء الشام وأولادهم فلقوا جزاء خيانتهم بيدِ مَنْ مالئوه(تعاونوا معه) على إخوانهم المسلمين!!! الا واحداً عشقته زوجة هولاكو فشفعت له عند زوجها فعاش طليق امْرأة كافرة! ورحل هولاكو إلى بلاده تُشيِّعُهُ لعنة اللـــهِ ولعناتُ المسلمين!
وأكمل المُظفر قطز تدبير بلاد الشام، وجعلها بيد من اصطفاهم من ملوكها وأمرائها كما وعدهم من قبل، وممن حسُنت توْبته........ فرجع إلى نفسه وتذكَّرَ مُصابه فانفجر ما كان حبيساً فى نفسه من الحزن على حبيبته الشهيدة جهــــــــــاد.(جلنار) وتذكَّرَها تقول له: لا تقلْ وا حبيبتاه. قلْ وا إســــــــــلاماه!!! فكانت هذه الكلمة مفتاح النصر بإذن اللـــــــــــــــــه!!! فسالت دموعه حتى تقرَّحت جُفونه، وأظلمت الدنيا فى عينيه! وضاقت عليه الأرض بما رحُبت! وضاقت عليه نفســـــــه!!! وتذكَّر مَصْرَعَهَا منذ احْتملها إلى المُعَسْكَر إلى أنْ تركها للطبيبِ والجاريتين الحبشيتين لتجهيزها للدفن!!!!! وتذكَّر أنها لن تعود إلى مصــــر.ولن تشاطره أفْراح النصـــر. وأنه سيأوى إلى قلعة الجبل وحيـــداً لا أنيس له. يتقلب بين الحاسدين وطمع الطامعين..وقد ضعفت نفسه وخارت عزيمته على كبح جماح الأمراء والمماليك وغرامهم بالخلاف وتكالبهم على السلطة والجاه!!! وشغفهم بالفساد والنهب لخيرات البلاد، واكتناز الذهب والفضة والجواهر! غافلين عن مصالح البلاد. غير آبهين(مهتمين) لما يتهددها من الأخطار، حتى تحُلَ بها كارثة قد تكون أعظمَ من كارثة التتار.ورأى كيف أنهم لم يخرجوا معه لقتال التتار إلا بالإكْراه والقسر(الشِّدة)!! وقد كان له فى الدنيا أمل يُهَوِّنُ عليه كل ما يلْقى من المتاعب. فأيْن ذلك الأمل اليوْم؟؟؟ لقد انطوى إلى الأبد. أين جـــــلنار التى كانت تشاطره همومَهُ وآلامَه، وتمْســــــح بيدها الرقيقة شكْواه وتطرد عن نفسه البأسَ وتنعش فى قلبه الأمل؟؟؟ أين جـــــــلنار التى كان يشهدُ فيها بقيَّة أهْله الذين نكبهم(قتلهم وأفناهم) التتار؟؟؟؟؟ ما أحْقر هذه الدنيا التى كتب اللــــــــــهُ عليها ألاَّ يتم فيها شىءٌ إلاَّ لحقه النقصان!!!!!
وهكذا أصبح الملك المظفر يائسا من الحياة!ـ!يسْتثقلُ ظِلَّها ويسْتطيلُ أمَدَها. ويَوَدُّ لو اسْتطاع فحاز(جمع وأخذ وقضى) ما بقى له فيها من الأيام مرْحلة واحدة إلى حيْثُ يلْقىَ حبيبته الشهيدة، فى مقعد صِدْق عند مليك مُقْتدر!! ولكن الملكَ الذى هزم التتارَ وحمى الإسلام فى عين جالوت. فأضافها إلى أخواتها الكبرى ـ بدر وأحد والقادسية واليرموك وحطين وفارسكور ـ لم يكن لينسى إذا هو عافَ( كَرِهَ وأبْغَضَ) الحُكْمَ وضاق ذرْعا بالحياةِ أنْ ينظُرَ للإسلام وأهْلِهِ فيختار من بين المسلمين رجُلاً قويا يعْهَدُ إليهِ بِحُكْمِهِم. ويبْرأ إلى اللـــــــــــهِ من تبِعَتِهِم.. فما ملأ عينه منهم إلا صديقه القديمُ وعدُوُّه العنيدُ ونصيرُه فى جهاد التتار الأميرُ رُكْنُ الدين بيبرس البندقدارى!!!!! وقد رآه ـ على ما فيه من الخديعة والمكر ـ أقْوّمَهم جميعا بالأمر وقْدَرَهم أن يسوق الناسَ بعصاه ويحملهم على ما فيه استقامة أمورهم، ودوامُ قوَّتهم وعِزَّتِهم وبقاءُ هيْبَةِ الإسلام فى صُدور أعْدائه!!!!! فعزم على أنْ ينزلَ له عن الحُكْم ويتخلَّىَ له عن عرش مِصْـــــــــرَ عاصمةِ المسلمين وملاذِهِم. ومظهر قوَّتِهم، وسُلْطانِهم غى ذلك الحين.!. لكنه رأى أن يكتم هذا الأمرَ عن الناس حتى يعود إلى مصـــــــــــر.ـ. فهل يعود إلى مصر؟ نكمل إن شاء الله
عبد القدوس عبد السلام العبد موبايل 01092255676
ساحة النقاش