وا إسْلاماه بين الصليب والتتار( المغول ){الفصل السابع والعشرون} عيْن جالوت.الجمعة(25 رمضان 658هـ 3 سبتمبر1260م)( صَدَقَ وعْدَه.ونصَرَ عبْدَه ـ وأعَزَّ جُنْدَه)
شاع فى عسْكَر المسلمين خبرُ مصْرع السلطانة جــلنار، وخالطهم من ذلك أسَفٌ وَوُجومٌ.وشاع فيهم أنَّ السلطانَ احْتملها إلى المُخَيَّم وترك مكانه للأمير بيبرس.فلما رأوهُ عاد إلى مَحَلِّهِ صاحوا حميعا:اللـــهُ أكبرـ وتمثَّلت لهم بُطولة السلطانة الصريعة.فشعروا بِهوان أنفسهم عليهم وحملوا على التتار مُسْتَبْسِلين.ولما رأى التتارُ ذلك.وكانوا قد فرحوا بغيابِ السلطان.وظنَّ كثيرٌ منهم أنه قُتِلَ.اشتدَّتْ حَمِيَّتُهم أيْضاً واسْتماتوا فى الهُجوم!فاضطربت مَيْمَنَةُ المسلمين التى عليها الأمير بهادر! حتى صار صفُّ المسلمين خطاً مائلاً!!! مُقدِّمُهُ الميْسَرة وعليْها بيبرس. ومُؤخَّرُهُ الميْمَنة التى انْكشفتْ حتى تعرَّضَ القلبُ لِهجَماتِ التتار الحاميةِ!وقد أدْرَكوا أنَّ فيهِ السلطان..فانْدَفعوا لاخْتِراقِهِ وضغطوا عليهِ حتى تقهقر قليلاً. فكاد يُوازى المَيْمَنَة المُنْكشِفة..وصارالصَّفُّ بذلك أشْبهَ بضِلْعَيْن لِزاوية مُنْفرجة. وهُنا تقدَّمَ السلطان قليلا إلى الأمام فكشفَ عن خوْذتِهِ وألْقىَ بها إلى الأرْض!!!وصرخَ بأعْلىَ صَوْتِهِ ثلاثاً::: وا إســــــــلاماه وحمل بِنفْسِهِ وبمن معه حملة صادِقة. وتردَّدَ صَوْتُهُ فى أرْجاءِ الغُور(المُنخفض) فردَّدَ العسكرُ معه:وا إسْـــــــــلاماه وحملوا على التتار حملة عنيفة.جعلت ميمنة المسلمين تتقدم وتمنع التتار من تطويق المسلمين. ولمح السلطانُ قطزُ كتبغـــا قائد التتار وكان مُسْتبْسِلا وهو يضرب بسيْفيْن!!!وكُلَّما عُقِرَ جوادُهُ اسْتبْدل به جواداً آخر! وكان بيبرس يحُضُّ رجاله على القتال ولا يدعُ لهم مجالا للتقهقر(التراجُع) مهما اشتدَّ بهم الضَّغْطُ. فكأنما كانوا مُقيَّدِين بسِلْسِلَةٍ طرَفاها فى يده!!! فثبتوا ثباتَ الرواسى(الجبال) وكثُرَ القتل فى الجانبين حتى أنهم ليطئون بحوافر خيولهم على جثث قتلاهم!!! وكان بيبرس شديدَ الحذر كأنما ينظرُ بألفِ عين وكان يتخيَّرُ أبْطال العدو الأشِدَّاءَ فيفْجَؤهم بضرباتٍ قاضية، ورُبَّما أطار رُءُوسَهُم فكانت جِيادهم تثِبُ بأجسادٍ لا رءوس لها!!!!! فلما سَمِعَ بيبرس صَرْخَة الملك المُظفر: وا إسْـــــــــلاماه ورأى القلب يتقدَّمُ. أدْرَكَ بِفِطْنَتِهِ أن السلطان يُريد أن يُطوِّقَ مَيْسَرَة التتار ويفصلَها عن قلبِهم إذ رآه يندفع بشطر من القلب فاخترق به صفوفهم رأى الفرْصة سانحة حينئذٍ ليقوم بحركة تطويق لميْمنة التتار وقلبهم حتى يَحْصُرَهُم بين مَيْسَرَتِهِ وبين الشطر الآخر من قلبِ المسلمين فأمر رجاله بالتقهقر قليلا ليندفعَ العدو إلى الأمام، والانتشار غربا ثم التقدم إلى الأمام بشكل هِلالىٍّ ينتهى طرَفُهُ الشمالىُّ بخطٍ مائل إلى الغربِ!!! وكان الملك المُظفر قطزُ يقاتلُ قتالَ المُسْتميتِ حاسِرَ(كاشِفَ) الرأس وقد احمرَّ وجْهُهُ وانْتفشَ شعْرُهُ فصار كأنه جَمْرَة من اللهبِ يعلوها إعصارٌ من الدُخان الأسْوَدِ!!!!! يضربُ بسيْفِهِ ذات اليمين وذات الشمال!!!!!.وكلما اعْوَجَّ سيْفُهُ التمَسَ غيْرَهُ وهو يُرَدِّدُ اللـــــــــــهُ أكْبَر...فكان بيبرس يُشْفِقُ عليه.!. ولا يشُكُّ أنه يتعرضُ للشهادة. وأنه عمَّا قليل سيُصابُ.!.وهنا عزم أبطال المسلمين على وقاية سلطانهم بأنفُسِهِم ما استطاعوا.!. فكانوا يتقدمون معه مُحيطين به فى نِصْفِ دائرةٍ .. وبصُر السلطانُ المُظفر بِسَهْم يُصَوَّبُ نحْوَهُ، فشدَّ عِنانَ جَوَادِهِ، فوَثبَ الجَوادُ قائما على رجْليْهِ فنشبَ السهْمُ فى صدْر الجوادِ!!!!!. ونزل عنه السلطان ومسح عَرَقهُ وهو يقول:::فى سبيل الله أيها الرفيقُ العزيز !!! واستمرَّ يُقاتلُ راجلا( على رجْليْهِ)!
وأراد بعضُ أصْحابه أن ينزل عن فرسه،فأبى السلطان عليه ذلك وقال له: اثبُتْ مكانك ما كُنْتُ لأمْنع المسلمين الانتفاعَ بك فى هذا الوقتِ! وبقِىَ يُقاتلُ راجلا(على رجْليْهِ)! حتى جِىء له بِفرَس من الجنائب(الاحتياطى)..وتوَغلَ بشَطْر(نصف. أو بعض) من جيْشهِ بين قلب العدو وميْسَرَتِهِ وبعث إلى الأمير بهادرُ قائدِ المَيْمَنةِ بِعَزْمِهِ على تطويق ميْسَرَةِ العدو. فأمرَ الأميرُ بهادر رجاله بالانتشار شرْقاً فى اتجاه الشمال. وأخذَ السلطان المُظفَّر يُوَسِّعُ مجال اخْتِراقِهِ فى صُفوفِ التتار لِيُقيمَ بَرْزخا(حاجزًا) قويَّاً بين ميْسَرَةِ العدوِّ وسائر جيْشِهِ!!!!! فلم يزلْ البرْزَخُ يتَّسِعُ بما يندفِعُ فيه من صُفوفِ المسلمين...وكان القتال أحْمَى ما يكونُ فى جانبَىْ البرْزَخِ فيما يلِى القلبَ حيْثُ كان كبيرُ التتار قائدُهُم كتبغــــــا قد اسْتكْلَبَ(اسْتمات)فى القتال.!.فلما رأى الملكَ المُظفرَ انْدَفعَ إليْهِ بأشدِّ رجالِهِ يُريْدُ اختراقَ البرْزخ إليهِ.!.فحاول أبْطالُ المسلمين أن يَحُولوا بيْنهُ وبين الملك المظفر.. فيقول لهم السلطانُ::: دَعُونِى له ليس له قاتل غيرى،أريدُ أن أقتُله بيدى!! فأسْرَعَ الأميرُ البطلُ جمال الدين أقوش الشمْسِى. وكان يُقاتلُ إلى جانبِ السلطان فأبْصَرَ فُرْجَةً( ثغْرَةً )فاقتحمها إلى قائد التتار كتبغـــا.وصاح: يُخاطبُ السلطانَ المظفرَ:أنا يَدُكَ!!لقد قتلتُ عدُوَّ اللــــــــــهِ بِيَدِكَ!!! وأهْوَى بسيفهِ على عاتق الطاغيةِ فأبانها( قطعها ) وضربه كتبغـــا بيدهِ الأخْرَى فصَرَعَهُ من على فرسه! ولكن الأميرَ البطلَ جمالَ الدين أقوش الشمسى كان قدْ زَجَّ ( دفع ) بِرُمْحِهِ فى عُنُق الطاغيةِ كتبغا فلما هَوَى(سقط) أقوشُ مِنْ فرَِسِهِ هوَى الطاغية معه ورُمْحُ أقوش ناشِبٌ فى حَلْقِهِ وأقوش قابضٌ على الرُّمْح بيده!!! وكبَّرَ أقـــــوش وسيوف العدوِّ تتعاوَرُهُ( تُمَزِّقهُ ) من كل جانب.!.فَكَبَّرَ السلطانُ وكبَّرَ المسلمون وقد عرفوا أنَّ كتبغا قد هـَــــــلكَ ... فكبَّرَ المســــــلمون بِصَوْتٍ واحـــــــدٍ ألْقىَ الرُّعْبَ فى قُلوبِ التتار فازْدَادَ هَلعُهُم واختلَّتْ صُفوفُهُم.!.وأخذوا يتقهقرون.!. وأمر السلطانُ المُظفرُ قطزُ جنودَ البَرْزخ وصفوفَ الميمنةِ أنْ يُكْمِلوا التطويقَ، فانْحَصَرَ جيشُ التتار وحِيْلَ بينهم وبين الفِرار.!.!.!. فأوْقعَ بهم المسلمون مقتلة وأفْنوهم ضرْبا بالسيوفِ وطعناً بالرِّماح حتى امْتلأ الغـُــــــــورُ( المُنْخفض) بِجُثثِهم بعْد أن سحقهم المســــــلمون !!! وغنِموا منهم مغانم عظيمة لم يُرَ مثلُها فى حُروبِ ذلك العهدِ.!.
وخَرَّ السلطانُ المظفر محمــــــودُ ابن ممدود(قطز) ســــاجدا لربه شاكراً أنْعُمَهُ . وأطال السُّجُــــــــودَ ، ثم رفع رأسه والدُّموع تتحدَّرُ على لِحْيَتِهِ حتى ســـــــلَّمَ من صَــــــلاتِهِ فامْتطى(ركِبَ) جوادَهُ وخطب المسلمين قائلاً::: إن لِسانى يعجز عن شُكْركُم . وإنَّ اللـــــــــــــــهَ وحده قادرٌ على أن يجْزيكم الجزاءَ الأوْفىَ ... لقد صدقتم اللــــــــــــــهَ الجهادَ فى سبيلهِ فنصَرَ قليلَكُم على كثير عَدوِّكُم .!.!.!.!.! فماذا بعد..نكمل إن شاء الله....
عبد القدوس عبد السلام العبد موبايل 01092255676
ساحة النقاش