وا إسْلاماه بين الصليب والتتار( المغول ){ الفصل العشرون } قتْلُ أمِير وفِداءُ أسِير وَوَعْدٌ بِزواج }
احْتفلت القاهرة بنصر الله.وكفر توران شاه نعْمَة الله.وأنْكَرَ فضْلَ الأبطال الذين حَموا بَيْضَةَ الدين(مصر)وَشَفُوا صُدُورَ المؤمنين!!فأبْعَدَ الأمراءَ والمماليك،والأكابر من أهْل الحَلِّ والعقْدِ مِمَّنْ كانوا عَوْناً لأبيه.وقرَّبَ جماعَتَهُ الذين قَدِموا معه من حِصْنِ كِيفا.وخصَّهُم بالمَناصِبِ والرُّتَبِ،واحْتجَبَ عن الناس وانْهمك فى الشرابِ واللهْوِ.ولم يحفظ جميلَ زوْجَةِ أبيه(شجرة الدُّرِّ).فطالبَها بما عنْدَها وما ليس عندها من الأمْوال والجواهر وتوَعَّدَها بالقتل!فغضِبَ لها أُمَراءُ ومماليك أبيه(الملك الصالح) فعزموا على قتْلِهِ!وما هى إلاَّ أيَّام حتى قُتِلَ بِيَدِ مَوَالِى أبيه فى سماطة الممدود بِفارسكور بين سَمْعِ الناس وبَصَرِهِم فما أجاره مُجِير لِتنكُّر الناس له وبُغْضِهِم لِحُكْمِهِ!!وجلست شجرة الدر ملِكَةً على مصر بإجْماع أُمراءِ المماليكِ الصالِحِيَّةِ،واتِّفاق أعْيانِ الدولةِ وأهلِ المَشورَةِ.ونُقِشَ اسمها على سَكَّةِ النُّقود.وردَّدَتْ المَنابِرُ الدُّعاءَ لأُم خليل المُسْتعْصِمِيَّةِ صاحبةِ الملك الصالح.ـ.وكان لويس التاسع فى المنصورة مُقَيَّداً بقيْدٍ من حديد!فاعْتُقِلَ فى دار القاضى فخر الدين إبراهيم ابن لقمان.وقام عليه الطواشِى صبيح المعظمى.كما اعتقل أخواهُ شارلِس و ألفونْس مع غيْرهما من كِبار الأسْرى!وتم الاتفاق على تسليم دمياط للمصريين فخفق عليها عَلَمُ مصر. وعادت كلمة التوْحيد ترنُّ على مآذنها...وفَدَى لويس التاسع نفسه بأربعمائة ألف دينار،فانطلق إلى زوجته(مرغريت)الوالِهَةِ(العاشقة)بدمياط،يندُبُ لها سوء الحظِّ ونَكَدّ الطالع،فتلومه مِرْجريْت على إلقائه بيده إلى التَّهْلُكَةِ!فيقول لها: اسْكُتِى لا تجْمَعِى علىَّ عذابَ القوْم ومرارة اللوْم..ودعينا نَنْجُ بأنْفُسِنا وبمن بَقِىَ معنا إلى بلادنا..وشهدت دمياط بين الدَّمْع والابتسام إقلاعَ آخر سفينة من سُفُنِ لويس التاسع وقوْمه، تحملهم عن البلاد التى أرقدوا فى ثراها الأُلوفَ من أبطالهم وجنودهم،بأيْدى أبنائها المسلمين!وصاح شاعر مصـــر فى أُذُن الملك الخائب لويس:
اتيْتَ مصــــرَ تبْتَغِى مُلْكَهــا..#..تحْسـَــبُ أنَّ الزَّمْرَ يا طبْلُ ريح
فَسَـــاقكَ الْحِــينُ إلى أدْهَـمٍ..#..ضــاقَ بهِ عن ناظريْكَ الفَسِـيح
وكُلَّ أصْحــــابكَ أوْدَّعْتــهُم..#..بِحُسْــنِ تَدْبيرك بَطْنَ الضَّــريح
ألْهَمَــكَ اللـهُ إلى مِثْـــلِهَا..#..لعَلَّ عيسـَــى مِنْكُمو يسْــتريح
دارُ ابن لُقْمـــان على حالِهَا..#..والقيْـدُ باقٍ والطَّوَاشِــى صبـيح!!
ـ قَوِىَ نُفوذُ عز الدين أيبك فى الدولة،وعَظُمَ شأنُهُ عنْدَ شجرة الدُّرِّ لِحُسْن بَلائِهِ فى الدفاع عن القصر السلطانى بالمنصورة مع تلميذه قطز،حتى جاء بيبرس وغيرُهُ مِنَ المماليك لنجدته فملئوا ساحة القصر بجثث الفرنج!فقرَّبَتْهُ منها،وانتخبه الأمراءُ والمماليك مُقدَّما عليهم.يدينون له بالطاعة.ويعترفون له بالسَّبْق.رغْمَ مُنافسة الأمير فارس الدين أقطاى الجمدار وتلميذه رُكْن الدين بيبرس البندقدارى! وأحسنت شجرة الدر تدبير الملك بمعاونة أتابكها(وزيرها)عز الدين أيبك وغيره من مماليك زوجها وقادَتِهِ.لكن قتل توران شاه أطمع أمراء الشام وبخاصة أمير حلب الملك الناصر فاستوْلى على دمشق،وأعلن أنه سينتقم من شجرة الدر لقتل نسيبه توران شاه واعتبر نفسه وارثا للبيت الأيوبى.فاضطربت أحوال شجرة الدر فى مصر،وانقسم المماليك عليها.ومما زاد فى حَرَجَها إنكار الخليفة العباسى فى بغداد أن تتولى امرأة ملك مصر.وكتب يقول:إن كانت الرجال قد عُدِمَتْ فى مصر فأعْلمونا حتى نبعث إليْكم رَجُلا! فخلعت الملكة نفسها.ونزلت عن العرش لأتابكها ومُقدم عسكرها عز الدين أيبك.فوافقها معظم الأمراء والمماليك. وحلفوا له بالولاء والطاعة.ولقَّبوه بالملك المُعِز.وأركبوه إلى قلعة الجبل حتى أجلسوه على العرش.واستتبَّ له الأمر سريعا!!لقوة تأثير شجرة الدر على الأمراء والمماليك!!غير أن فارس الدين أقطاى وتلميذه ركن الدين بيبرس عادا إلى سيرتهما الأولى فى الشقاق والمنافسة.وطلبا توْلية أمير من البيت الأيوبى، لأبطال حُجَّةِ الملك الناصر الذى يعتبر نفسه وارثا للبيت الأيوبى! فاتفق المماليك على تولية صبى من بنى أيوب!عمره ست سنين فأقاموه شريكا لعز الدين أيبك.على أن يقوم أيبك فعليا بتدبير شئون الدوْلة!!لكن أقطاى رأى أن الأمر مازال بيد أيبك فازداد بغْضا وكيْدا!ولم يخفَ ذلك عن أيبك. فشغله بأن جعل له قيادة الممالك البَحرية وسيَّرَهُ لقتال الملك الناصر صاحب دمشق.فسار إليه أقطاى فى ألف فارس وقابله فى غزة وهزمه ثم عاد أقوى مما كان!!لكن أيبك كان مطمئنا إلى قوَّة رُكْنِهِ مُتمثلا فى شجرة الدر فقد كانت القوة الحقيقية فى مصر بيد شجرة الدر من وراءِ ستار!! فالمماليك يأتمرون بأمرها! ويعلمون ميْلها لأيبك الذى يطيعها ولا يعصى لها أمرا..فرأت أن تجعل على المُلكِ رجُلا من صنائعها تختبئُ وراءه لكوْنِها أنْثى!وكانت تبين لهم أنه مأمون عليهم ويصون مقامهم.لأنه لا يميل إلى الشراسة والاستبداد ـ وليس له ما يخيفهم من القوة كأقطاى المتغطرس!! وكان أيبك يعلم هذا منها!! فيتقى إغضابها،ويبالغُ فى استرضائها ولا يقطع أمْرا دونها لما يعرفه من حبها للسلطة...فوق أنه كان يميلُ إليها ويحبها.فلم يجد حَرَجا فى احتمال سيادتها عليه! وتحكمها فيه! وخضوعه لها!وذُلِّه بين يديها!! بل كان الرَّجلُ يجِدُ لذة فى كل ذلك!!! رغم حيائه واحتشامه!!!! ولم يصعُب على شجرة الدر الخبيرة بالرجال أن تتبين حُبَّهُ الخَفِىّ لها!! فقد شعرت به وأضْمرتْ مثله!!!! لكنها لم تستسلمْ لحُبِّها وقلْبِهَا، حتى لا يحملها قلبُها على التضحية بما جُبِلتْ عليه من شهوة الحُكْم وحُبِّ السيطرةِ والسلطان!!!!!!!!!!
كان قطز مُخْلِصا لأُستاذِهِ أيبك. وكان يعلمُ قوة مُنافِسيهِ، لكثرةِ ما يجمعون من خشداشيَّةٍ ومماليك.وبخاصة الأمير فارس الدين أقطاى الجَمَدار وتلميذه رُكن الدين بيبرس البُنْدُقدارى.. ورأى أنَّ الضمان الوحيد لبقاءِ أُستاذِهِ فى الحُكْم هُوَ أن يتزوَّجَ من شجرة الدر!!! وقد عَرَفَ ميْلَهُ إليْها وغرامه بها! فدَخلَ عليه يوْما وقال:إن سَيِّدِى كثيرُ الاختلافِ إلى السلطانة(الذِّهاب)وإن الناسَ يقولون إنه سيتزوجها..ومملوكه الوفى يعْتِبُ عليه أن يجْهَلَ ما يعرفه الناس عن سيِّدِهِ!!فنظر إليه أيبك باهتمام كأنما لذَّ له أنْ يسمعَ. وقال:لا تُصَدِّق ما يقولون. وطال الحديث بينهما.ـ.حتى قالها قطز صريحةً:إن سيدى يرغبُ فيها فلماذا لا يطلبُ يدها؟؟ورأى أيبك ألاَّ فائدة من إخفاءِ الحقيقة.فقال: ومن يضمن لى أنها ترضانى؟إنى مملوك زوْجها. فقال قطز: وهل كانت إلاَّ جارية مملوكة!!ثم أرْدف إنه لا يتزوجها إلاَّ أنت أو أقطاى.وقد سمعت من بيبرس أنه قد خاطبها فى ذلك.فغضب أيبك.وقال: يمنعنى الحياءُ أن أخاطبها فى ذلك!.ـ.فقال قطز: إن شاء سيدى أعارنى قلبَه واعرْته لِسانى!فقال أيبك: تريد أن أبعثك إليها لتبوحَ لها بما فى صدرى؟ فماذا أنت قائل لها؟؟ فردَّ قطز: دعْ هذا للموقف يُمْلِ عَلَىَّ ما يقتضيه. وأيْقِنْ أن لِسانِى لن يعثُرَ فى شىءٍ لا يرْضيك..فداعبَهُ أيبك بِقَوْلِه: قد عرفتك يا قطز. إنما تريد أن ترى وصيفتها جُــــــلْنار.!. فابتسم قطز: ليس هذا بسِرٍّ عليك.ـ.ولقد دعتنى السلطانة حين ارتقت أريكة الملك. فأثنت على صنيعى توْمَ قتلتُ الكند دار توا... ثم قالت: أتحبُّ هذه الوصيفة؟؟؟ فنظرتُ فإذا جُـــــــلْنار واقفة دونى!!! فأذْهَلنِى ذلك عن جوابها!!! فما راعنى(أدهشنى) إلاَّ صوتُ الملكةِ:وتريد أن أزوِّجَكَهَا؟؟؟؟؟ فقلتُ: لا أرْفُضُ نعمة السلطانةِ.. قالت:: متى تريد ذلك؟؟؟ فقلتُ خيْرُ البِرِّ عاجله..ـ.. فابتسمت السلطانة وقالت::: لا حتى ينقضى الحُزْنُ على السلطان .ـ. فمتى ينقضى هذا الحزن؟؟؟؟؟ ثم ماذا بعد ؟؟؟ نكمل إن شاء الله...
عبد القدوس عبد السلام العبد موبايل 0192255676
ساحة النقاش