وا إسْلاماه بين الصليب والتتار( المغول ){ الفصل التاسع عشر } النَّصْرُ والأسْرُ والحُبُّ
حفِظت شجرة الدُّرِّ وصِيَّة زوجِها الحبيب رغْم حزْنِها.فرسمت خطة لاستقدام الأُمراءِ لِمُبايَعَةِ الأمير توران شاه ملكا بعد أبيه الملك الصالح، والأمير فخر الدين قائدا عامَّاً للجيش.وذلك حسب رغبةِ الملكِ المريض!وأخذت تُدَبِّرُ الأُمورَ وتُصْدِرُ الأوامِرَ!لكن الخبرَ تسرَّبَ إلى الفرنج!!!فتقدموا من دمياط إلى فارسكور ثم إلى شرمساح والبَرَمون!واقتربوا من معسكر المسلمين!فنزلوا تجاه المنصورة.لايفصلهم عنها سوى بحر أشمون(البحر الصغير)فتحصَّنوا ونصبوا المجانيق يرمون بها معسكر المسلمين!وعسْكَرَ معظمُ جيش مصر فى البر الشرقى،ورابط جماعة من الأُمراء والمماليك فى البر الغربى(طلخة)ومنهم الأيوبيون من أولادِ الناصر داود وإخوتِهُِ.ودار القتال برًا وبحْرًا.فقتلوا وأسروا من الفرنج بشتى الحِيَل.فيُدْخِلُ أحد المُتطوعين من رجال الشيخ رأسه فى نصف بطيخه ويغوص قرب الشاطئ فإذا مدَّ أحد الفرنج يده سحبه المصرى وسبح به إلى الشاطئ الآخر أسيرا.واستمر الحال كذلك قرابة شهرين،وإذا ببعض الخونةِ والمنافقين من المسلمين يدلُّ الفرنج على مخائض فى البحر الأصْفر(أماكن قليلة العمق) فعبر الفرنجُ إلى برِّ المسلمين يقودهم بطلهم[الكند دار توا] أحد إخوة ملك فرنسا الثلاثة الذين قدموا معه.فاندفع نحو المعسكر الإسلامى وفاجأ الأميرَ فخر الدين القائد العام.الذى ثبت مع المماليك فى القتال.لكن المفاجأة كانت كبيرة فقُتِل ألأمير فخر الدين قائد الجيش!فتحمَّس الفرنج وانتشروا فى أزقَّة المنصورة.يقودهم(الكند دار توا) لكن السكان أمطروهم بالحجارة والسهام! واندفع الكند دار توا بفرقته يقتحم معسكرَ المسلمين!حتى وصل إلى الباب الخارجى للقصر السلطانى لا يفصله عن القصر سوى فناءٍ واسع!وأدرك الحرس السلطانى أنهم لا قبل لهم بهذا العددالهائل من الفرنج.فاستغاثوا بالمماليكِ الصالحيةِ لشدةِ المفاجأةِ،وسمعَ المماليكُ الصالحية نساءَ القصر قد رفعن أصواتهن بالصراخ والعويل!وكان الفرنج قد انتشروا فى الفِناءِ! وإذا عز الدين أيبك ومماليكه يقودهم البطل قطز قد سبقوا الفرنج من الباب الخلفى للقصر فجعلوا يقاتلون دون الباب الداخلى للقصر وانضم إليهم البطل بيبرس الذى صرخ فى الفرنج فافزعهم وحمل هو وجماعته على الفرنج حملة صادقة فرَّقت جمعهم.!.أما البطل قطز فقد جعل هَمَّهُ أن يُشاغِلَ ـ الكند دار توا ـ بطلَ الفرنج فيُضاربُهُ بالسيْفِ واشتدت المبارزةُ. فيكاد الكند دار توا أن يسقط عن جواده، فيعود قطز لِمُناوَشَتِهِ فيبتعد به عن باب القصر شيئاً فشيئاً واستطاع بذلك أن يشغل الكند دار توا عن الاتصال بجُنْدِهِ ولم يكن أحد من جنده ليجْسُرَ(يجْرُؤ)على مساعدته ضد مبارزة الشاب قطز!!!!! وظلا يتواثبان وهما يبتعدان عن باب القصر.وحاول الكند دار توا الهرب من قطز فلقيه بيبرس فأهْوى الكند عليه بضرْبة قويةٍ كادت تفلق رأسَه فاتقاها بيبرس بسيفه فانْكَسَرَ سيْف بيبرس، ورفع الكند يمينَهُ بالسيفِ ليضربَ بيبرس الضرْبة القاضية! فعاجَلَهُ بطلُنا قطـُــــــــــــــزُ بِضَرْبَةٍ أطَنَتْ( قطعت ) يَمِيْنَهُ من ساعدها فهَوَتْ على الأرْض وسَيْفُها فى قبْضَتِها!!!!!!! ثم طعنه قطـــز بالحرْبة فى عُنُقِهِ فخرج لِسانُ الحرْبة من حَلْقِهِ!!!!!!!!وهَوَى الكند صريعاً فكبَّر قطز وكبَّرَ بيبَـــــْرس وكبَّرَ المســـــلمون فى أثرهما..
وذُهِلَ الصليبيون الفِرنْجُ لمصْرع قائدهم الكند دار توا ،فاسْتوْلَى عليهم الرُّعْبُ وتفرقوا هاربين، فحاصَرهم الأمَراءُ والمَماليكُ وحالوا بينهم وبين النَّجاة! ووضَعَ المسلمون فيهم السيْفَ فأبادوهم! وامتلأ الفِناءُ الرحبُ بِجُثَثِ مَنْ حَصَدَهُم الفَناءُ!!!!! وكانت نِساءُ القصر قد كَفَفْنَ عن الصِّيَاح فحَبَسْن أنفاسهُنَّ ينْظُرنَ من شُرُفاتِ القصْر إلى المعْرَكَةِ الدَّائرةِ فى الفِناءِ..وقد وَضَعْنَ أيْدِيَهُنَّ على ترائبهنَّ(صُدورهِنَّ) مشفقين(خائفين) أن تقعَ الدائرةُ على حُماتِهِنَّ..وكانت الملكة شجرة الدُّرِّ واقفةً بينهنَّ رابِضَة الجَأش(ثابتة القلب) تنظر إلى قِراع الأبطال( ضرْب السُّيوفِ) وتصاوُلِ الفِرْسان،كأنها تنظُرُ إلى خَيْلِ السِّباق فى الميْدان!!!حتى سَرَتْ الطُّمأنينة منها إلى مَنْ حوْلها مِنْ وصائفها وَجَوَاريها! فنسين أنهن فى خطر وأن مصيرهن بين كفَّتى القَدَر ـ وفيهنَّ وَصِيْفَـــــة حَسْنـــــاءُ قد وقفت كالتمثال بِجِوار الملكةِ وقد علقت( تعلَّقتْ ) عيْنــــاها بذلك المملوك الشـَّــاب يُوَاثِبُ ذلك الأســــدَ الهائجَ ويُراوِغُهُ وينْتحِى به ( يبْتعِدُ ) بعيدا عن القصر!!! فكُلَّما أهْوَى الكنْدُ بِسَيْفِهِ عليْهِ كظمتْ نفسها، ووضعتْ يَمِيْنَهَا على رأسِــــها، فإذا حاصَ(ابتعد) الشابُّ عنها أرْسَلَتْ يدَهـَـــا وتنفَّسَتْ الصعداءَ!!!ولما تكرر هذا الفِعْلُ من جُـــــلْنار لحظتْ الملكة ذلك منها!!! فساءلت الملكة نفْسَها: أيَكونُ هذا الشابُّ المُواثِبُ(المُحارب) الجرىْء هو ذلك المملوك الذى كان عز الدين أيبك يبْعَثهُ إلى القصر فما عفت(تركت)عيْنُهُ عن مُغازلة جُـــلنار؟ وتغامزت الوصيفات بينهن لغيْرتهن، من هذه التى تبْرعُهن جَمَالاً! وتفوقهنَّ حُظْوَةً لدَى سيِّدتِهِنَّ.ـ. لكنها غيْرَةُ النساءِ!!!
وكان ملك فرنسا فى ميدان القتال بشمال المنصورة، بعد أن نام أخوه نوْمَتَهُ الأبَدِيَّة بيدِ قطز..فحاول الاستيلاءَ على تلِّ جديلة الذى نَصَبَ عليْهِ المصريون مجانيقهم( جَمْع منجنيق وهو آلة رمى فى الحرب ) وابْراجَهُم وجمعوا قَوَّاتِهم وعُدَدِهِم ـ وأراد لويس التاسع أن يستكمل بناءَ القنطرة( جِسْرعلى النيل )جنوب البحر الصغير.فحمل المسلمون حمْلة صادقة على الفرنج فانْهزموا ولاذوا(احتموا)بتلِّ جديلة. وما كان التلُّ ليعصمهم لو لم يحجز الليلُ بين الفريقين!!! وقدِم السلطان توران شاه من حِصْن كيفا ليخلُفَ أباه.الملك الصالح نجم الدين أيوب.ففرح المسلمون وقوِيَتْ شوْكتهم وكانت الميْرة(الطعام) تصِلُ إلى الفرنج من معسكرهم بدمياط فى بحر النيل. فقطع المصريون الطريق عليها، وأخذوا الفرنج أخْذاً وبيلا! وغنِموا اثنتين وخمسين سفينة مشحونة بالأرْزاق والأقْوات، وقتلوا ألْفا أو يزيد من الفرنج!! وما أن انقطع المَدَدُ من دمياط عن الفرنج حتى أذاقهم الله لِباسَ الجُوْع والخوْفِ!! فضاقت عليهم الأرض، وضاقت بهم أنفُسُهُم وبلغت قُلوبُهُم الحناجرَ. فأحْرقوا مراكِبَهُم بأنفسهم، ثم خربوا بيوتهم بأيْدِيهم وأيدِى المؤمنين!!! ورحلوا يُريدون دمياط. فتبِعَهم الأبطال الذين أنجبتهم أرْضُ مصـــــر!! حتى إذا بلغ الفرنج فارسكور لقِيهم الموْتُ من كل مكان.. وأحاط بهم المسلمون، فأعْملوا فيهم سيوفهم وَأوْسَعوهم قتلا وأسْرا !!! والتجأ مَلِكُهُم لويس التاسع إلى تل المِنْيَة( مِنْيَة عبد الله ) وقال: سآوى إلى جبل يعْصِمُنى من الموْتِ. قال المسلمون: لا عاصم اليوْم من أمر الله إلاَّ من رحم!!! ـ وتمَّ بين لويس وبين المصريين الأمان( شروط لوقف القتال) فكان من المُعْتقلين!!!!!! وَقِيْلَ يا أرْضُ ابْلعِى أشلاءك. وياسماءَ الموْتِ أقلِعِى وغِيْضَ الدم. وقضِىَ الأمْرُ.. واسْتوَتْ سفينة الإسلام على جودىِّ النصــــــــر وقيل بُعْدا للقوْم الظالمين..... فماذا بعد؟ نكمل إن شاء الله ..
عبد القدوس عبد السلام العبد موبايل 01092255676
ساحة النقاش