السبت 10 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة --- الشروق / بقلم : سلامة احمد سلامة -------بعد عام كامل من ثورة الشعب السورى، تحولت خلاله انتفاضة بعض المدن إلى ثورة عارمة، لم تتوقف خلالها قوات بشار الأسد عن قصف المدنيين ومعاقل الثوار، لتنزل خسائر فادحة فى الأرواح والبيوت والمنشآت.. أسفرت حتى الآن عن مصرع قرابة عشرة آلاف سورى. وكان آخرها سقوط حمص بين يدى قوات الأسد.
وطوال هذه المدة لم تنقطع المحاولات من جانب المجتمع الدولى، تارة بإيعاز من مجلس التعاون الخليجى وتارة عن طريق الجامعة العربية ثم عن طريق مجلس الأمن.. الذى لم يكف عن إصدار قرارات لا تنفذ، ووساطات لا يأبه لها النظام السورى الحاكم، تستهدف الاتفاق على تنحى الأسد وتغيير النظام. وهى تصطدم فى كل مرة بفيتو من روسيا والصين. وكانت آخر المحاولات التى حملت بعض الأمل حين وافقت الحكومة السورية ــ قبل أسبوع ــ على السماح بدخول أطعمة وأدوية إلى منطقة بابا عمر التى يتكدس فيها ضحايا القصف من المدنيين دون عون. ودون أدنى قدر من المساعدات الإنسانية.. ولكن ما إن وصلت قوافل الإغاثة التى تقودها الأمم المتحدة حتى أغلقت السلطات السورية أمامها الطريق، وشرعت فى عملية اقتحام وتفتيش للمدينة من بيت إلى بيت.
لا توجد حتى هذه اللحظة أية بادرة تدل على استعداد النظام السورى لقبول أى من الحلول المطروحة التى تقدمت بها جامعة الدول العربية، أو التوقف عن دكّ المدن بالدبابات والقنابل. وكان انعقاد «مؤتمر أصدقاء سوريا» فى تونس بعد فشل مجلس الأمن فى إقناع الأسد بالتنحى وتجاهل وساطات الجامعة العربية، ما يؤكد فى المقابل فشل قوى المعارضة فى انتهاج موقف موحد لمواجهة إصرار النظام على تدمير معنويات الشعب!
ولو نظرنا إلى ما حققته الثورات الأخرى فى تونس ومصر وليبيا من نجاح، لعرفنا أن اعتماد المعارضة على القوى الداخلية وما حققته من وحدة الصف والهدف، هو الذى أدى إلى انتصار الثورة.. وليس اعتمادا على قوى خارجية كما تظن بعض فصائل المعارضة السورية.
هذه الحقيقة هى آفة الثورة فى سوريا.. إذ يؤدى انقسام صفوف المعارضة ما بين المجلس الوطنى وتنسيقيات الثورة وجيش سوريا الحر.. كل يعمل بمفرده، إلى غياب معارضة موحدة تخضع لقيادة واحدة يمكن الاعتراف بها والتعامل معها ونقل السلطة إليها حين تنضج الظروف. وقد كانت هذه هى الحجة التى استخدمتها روسيا والصين فى عدم الاعتراف بالمعارضة. وهو ما أضر ضررا بالغا بالشعب السورى، وشل أيدى الجامعة العربية عن إيجاد البديل الذى يمكن التعامل معه.
أما الدعوات التى انطلقت لتسليح المعارضة السورية، فقد وجدت معارضة من بعض أطراف سورية وعربية، مخافة أن يؤدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية. ولكنها أصبحت الآن دعوة مقبولة ولا بديل عنها ولها أنصارها حتى فى الدول العربية شريطة أن تتم فى إطار جهد موحد.
وإذا كانت بعض الدول الكبرى فى الغرب قد غيرت موقفها من قضية تسليح المعارضة، فقد تطورت إلى الدعوة لشن ضربات عسكرية بقيادة أمريكية ضد قوات بشار الأسد، لمنعها من العمل ضد الثوار وتوفير ملاجئ آمنة لتتمكن المعارضة من تنظيم أنشطتها ضد الأسد.
من العبث أن يتوهم العرب أن قوات من السعودية وقطر أو من مجلس التعاون الخليجى تستطيع إرغام النظام السورى على تغيير مواقفه. فما كان ممكنا فى اليمن ليس كذلك فى سوريا. وسوف تظل الأزمة فى سوريا تتفاعل فى إطار ظروف استراتيجية أوسع تلعب فيها إيران وحزب الله وأمريكا وفرنسا وتركيا دورا مؤثرا.
ولذلك لم يكن غريبا أن تصعد إسرائيل ضغوطها بكل قوة لجرجرة أمريكا إلى توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية. وذلك على أساس أنها ضربة لا تنال من إيران فحسب بل تنال أيضا من سوريا وحزب الله والقاعدة!
وفى دراسة «لمعهد الشرق الأوسط لسياسات الشرق الأدنى» الذى أسسته «ايباك» فى واشنطن، يجرى التخطيط لإقناع الإدارة الأمريكية بالتدخل غير المباشر فى سوريا، بالاعتماد على المقاومة السورية المسلحة للاضطلاع بأعمال التخريب والمقاومة المدنية التى تتكفل بالعصيان المدنى لكى تتصاعد تدريجيا إلى حرب للعصابات.
هذه الخطط يؤيدها الجمهوريون. وهو ما دعا السناتور ماكين أخيرا إلى مطالبة الإدارة الأمريكية بالعمل على عزل النظام الحاكم فى سوريا، وانتهاج خطة لحماية المراكز السكانية عن طريق شن هجمات على القوات الحكومية بما يسمح بإقامة مناطق عازلة فى الشمال لقوات المعارضة.
ما الذى بوسع الدول العربية أن تفعله، لو بدأ تنفيذ الخطط الأمريكية على غرار ما حدث فى ليبيا، بالإغارة على مواقع عسكرية فى سوريا؟ هل تقف موقف المتفرج أم تشارك بقواتها كما فعلت قطر بالاشتراك مع حلف الأطلنطى فى ضرب أهداف ليبية؟
فهل نحن على أبواب سقوط جزء آخر من العالم العربى؟!
ساحة النقاش