الأربعاء 22 فبراير 2012 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة ------ بقلم : فهمي هويدي ------مجازر مصر قذرة، واللحوم المعروضة مليئة بالجراثيم والملوثات. هذه خلاصة شهادة رئيس جهاز الغذاء فى مصر، السيد حسن منصور، التى نشرتها جريدة «الشروق» على صفحتها الأولى يوم الإثنين الماضى (20/2). ذكرتنى الشهادة بما سمعته ذات يوم من أحد الأصدقاء الأجانب، الذى أبدى دهشته من عرض اللحوم على واجهات محال الجزارة فى الشوارع العمومية. وقال إن مصر هى البلد الوحيد فى العالم الذى يعلق اللحوم مكشوفة فى الشوارع، فى حين يحفظ الأحذية فى علبة مغلقة!
ليس اكتشافا ولا خبرا جديدا أن تكون المجازر قذرة واللحوم المعروضة مسكونة بمختلف أنواع الجراثيم. فكلنا نعلم ذلك، وربما كان الجديد أن أحد المسئولين جهر بالملاحظة. لن نعدم صوتا يقول إن هناك أناسا لا يعنيهم شأن اللحوم أو مصيرها لأنهم لا يتناولونها ولا علاقة لهم بها. وربما أعادت الملاحظة إلى الأذهان قصة ثلاثة من جماعتنا سمعوا رجلا يقول: رأيى أن نأكل لحما، فسأل الأول: ماذا تعنى كلمة رأيى؟ وقال الثانى: ما معنى كلمة لحم؟ وبعد تفكير قال الثالث بصوت حائر: ما الذى تعنيه كلمة أكل؟!
المشكلة ليست فقط فى أن المجازر قذرة واللحوم ملوثة، وهو أمر خطر لا ينبغى التقليل من شأنه، لكنها أيضا فى كونها كاشفة عن مدى التدهور الذى أصاب مختلف المرافق التى تقدم الخدمات للناس، ذلك أن ما قاله رئيس جهاز الغذاء عن المجازر فى مصر ينطبق على المدارس والمستشفيات مثلا. أعنى أن حال المجازر هو جزء من كل، والقذارة فى تلك المجازر امتداد للقمامة المنتشرة فى الشوارع والانهيار الحاصل فى خدمات التعليم والعلاج والصرف الصحى. وهى من الآثار المباشرة لتدهور قيمة العمل وشيوع الفساد الإدارى وانعدام الرقابة والمتابعة، واحتقار المواطن وازدرائه.
لديت ملاحظتان على الظاهرة التى يتجاهلها مثقفو العاصمة وزبائن الفضائيات، ذلك أننى أستغرب كيف أن الناس ألفت هذا التدهور وتعايشوا معه بحيث لم يعد يدهشهم أو يثير احتجاجهم أو غضبهم. وليس لدى تفسير مقنع لذلك. إذ لست متأكدا من أن ذلك تعبير عن السلبية فى المجتمع. ولا أستبعد أن يكون راجعا إلى أن الناس يئسوا من إصلاح أحوالهم، وفقدوا الثقة فيمن يديرون الأمر. وربما كان راجعا أيضا إلى ضعف أو غياب دور المؤسسات المدنية التى تعبر عن المجتمع، بحيث باتت مقطوعة الصلة بالناس حيث هى إلى السلطة أقرب. فلا هى مشغولة بهمومهم ولا هى مكترثة بمراقبة أداء المؤسسات التى يفترض أن تخدم الناس، ولأن أغلب تلك المؤسسات تعتمد على التمويل الأجنبى، فإن الممولين لهم «أجندتهم»، التى ليس من بنودها غذاء الناس أو تعليمهم أو صحتهم.
الملاحظة الثانية أنه فى حين يشيع بين الناس عدم المبالاة بأمثال تلك الكوارث الحاصلة فى مجالات الخدمات والإنتاج، فإننا نجدهم مستنفرين وشديدى الحماس لأندية كرة القدم والمهرجانات الفنية. أثار انتباهى فى هذا الصدد أن نائبا عن مدينة بورسعيد، الدكتور أكرم الشاعر، ذكر فى أحد البرامج التليفزيونية أنه أثناء حملته الانتخابية كان يسأل الناس عما يريدون، فسمع من بعضهم أن ما يتمنونه حقا أن يفوز فريق المدينة لكرة القدم (المصرى) بكأس مصر هذا العام!
إننا لم نعرف غضبا جماهيريا احتجاجا على انحطاط التعليم أو تدهور خدمات العلاج، لكن الحزن يعم وذلك الغضب يمكن أن ينفجر إذا خيَّب الفريق القومى أملهم فى أى مسابقة كروية.
أغلب الظن أن ذلك التشوه فى الإدراك وتلك الاستقالة من الشأن العام من رواسب المرحلة التى استمر فيها إقصاء المجتمع لعدة عقود. حين كان الشعار غير المعلن هو: دعوا السياسة والإدارة وقضايا المصير لأهل الحكم والسلطان، وليستمر إلهاء الناس بالرياضة ومسلسلات التليفزيون وبمختلف أشكال التسلية واللهو الأخرى. إلى جانب ذلك، فإننا لا نستطيع أن نغفل دور الإعلام الذى يشحن الناس ويعبئهم لصالح الانشغال بما يثير العواطف ويدغدغ المشاعر، ولا يكترث كثيرا بإذكاء اهتمامهم بما هو مفيد ويؤسس للمستقبل. لست ضد أن يتسلى الناس وأن يروحوا عن أنفسهم، فذلك أمر مهم لتوازن الإنسان، لكنك لكى تتوازن لابد أن تكون أولا إنسانا موفور الكرامة ومتمتعا بالحد الأدنى من العافية. وذلك أحد الأحلام التى من أجلها قامت الثورة.
ساحة النقاش