authentication required

 

 

                                                                                                       ما إن أعلن عن فوز حزب العدالة والتنمية المغربى بالمركز الأول بين الأحزاب المتنافسة فى الانتخابات التى جرت فى بداية هذا الأسبوع، حتى انهالت الأسئلة على الأمين العام للحزب عبدالإله بن كيران حول موقف جماعته من السلوكيات والحريات العامة فى المجتمع المغربى، فكان رد الرجل أن الحزب يضع قضية التنمية ضمن أولوياته، وأنه حريص على حماية الحريات العامة، أما مسألة التدخل فى السلوكيات فليست مطروحة على جدول أعمال الحزب. 

شىء قريب من هذا، ووجه به الشيخ راشد الغنوشى رئيس حزب النهضة فى تونس، الذى ما إن فاز بالمركز الأول ورشح لتشكيل الحكومة حتى أمطره الصحفيون والناشطون بأسئلة مماثلة، تطرقت إلى الموقف من الحانات وارتداء النساء للمايوهات على البحر والملاهى الليلية التى يقصدها السياح طوال العام. حينذاك كان رده أن حزبه له أولويات مختلفة تنصب على مواجهة مشكلاته الرئيسية المتمثلة فى النهوض بالاقتصاد وحل مشكلة البطالة ومكافحة الفساد وغير ذلك.
 
القاسم المشترك بين قياديى الحركتين المغاربيتين يتمثل فى أمرين، أولهما أنهما يتبنيان خطابا يطمئن الناس ويبدد مخاوفهم. أما ثانيهما فإنهما لا يتحركان وحدهما، لكنهما يعملان فى إطار ائتلاف وتوافق مع أحزاب أخرى التقت معهما فى الأهداف والمقاصد الرئيسية.
 
حين يتابع المرء هذه التصريحات المنشورة فى الصحف العربية والعالمية، لا يستطيع أن يقاوم الرغبة فى مقارنتها بالتصريحات التى تصدر عن قادة الجماعات الإسلامية فى مصر على الأقل. وإذا ما فعلها، فإن أول ما يلفت نظره فى المقارنة أنه فى حين أن الأولين يسعون إلى طمأنة المجتمع فإن الأخيرين كثيرا ما يعمدون إلى تخويفه، حتى وإن تم ذلك بغير قصد. فإذا كان الإسلاميون المغاربة يركزون على تنمية المجتمع ومحاربة صور التخلف والفقر، ويشددون على احترام الحريات العامة. فإن الإسلاميين عندنا ــ السلفيون بوجه أخص كثيرا ما يركزون على سلوكيات الناس وأخلاقهم، ولا تمثل لديهم قضية الحريات العامة الأولوية الكافية. ثم إنهم دائمو التلويح بقضية الشريعة، التى ترتبط فى أذهان كثيرين بتطبيق الحدود، بل وصورها بعض المتصيدين بحسبانها مدخلا إلى التمييز الدينى والمساس باستحقاقات المواطنة.
 
أدرى أن ثمة فرقا مهما فى المشكلة بين الطرفين. فصدارة الساحة الإسلامية فى تونس والمغرب معقودة لحركة النهضة فى الأولى، ولحزب التنمية والعدالة فى الثانية. (فى المغرب أيضا جماعة العدل والإحسان المحظورة، وحزب الأصالة والمعاصرة الذى تشكل مؤخرا من بعض أهل السلطة، وقيل إنه شكل لسحب البساط من تحت حزب العدالة والتنمية)، أما فى مصر فالموقف مختلف، لأن الساحة الإسلامية أصبحت تعج بنحو سبعة أحزاب غير تجمعات أخرى تتحرك فى الساحة، وأغلب هؤلاء وهؤلاء حديثو عهد بالسياسة، وأقرب إلى الهواة منهم إلى المحترفين. صحيح أن حركة الإخوان المسلمين أكبر الجماعات حجما، لكنها ليست أعلاها صوتا ولا أكثرها ضجيجا وصخبا. وبسبب ذلك التعدد فإن تضارب التصريحات وتخلف المواقف يصبح أمرا مفهوما.
 
إذا قال قائل إن وسائل الإعلام تتصيد هفوات الإسلاميين فى مصر وتبالغ فيها وقد تحرفها، فلن أختلف معه. وعندى من القرائن والحجج ما يؤيد كلامه. لكن ذلك حاصل أيضا فى كل من تونس والمغرب. وفى الحالتين فإن المتصيدين فى الغالب لا يخترعون ما يخوفون به الناس من الإسلاميين، ولكنهم يلتقطون هفواتهم وسقطاتهم ويهولون منها. وأمثال تلك الهفوات والسقطات أكثر فى خطاب الرموز الإسلامية فى مصر، إذا ما قارناها بأقرانهم فى البلدين المغاربيين. وإذا صح ذلك فإنه يستدعى السؤال التالى: لماذا كان خطاب الإسلاميين عندهم أكثر نضجا ومتقدما منه فى مصر، علما بأنهم هناك تأثروا بالتجربة المصرية فى بدايات انطلاقهم؟
 
تخطر لى عوامل ثلاثة أسهمت فى أحداث ذلك التفاوت. منها مثلا أنهم خاضوا هناك غمار العمل السياسى خلال العقود الخالية، فى الوقت الذى كان فيه رموز الحركة الإسلامية فى مصر إما فى السجون أو فى المنافى، بالتالى فإنهم هناك اكتسبوا خبرة فى مخاطبة المجتمع لم تتوافر لأقرانهم فى مصر.. الذين ظلوا طوال تلك الفترة يخاطبون بعضهم البعض.
 
العامل الثانى أنهم هناك أخذوا ما أخذوه من الحركة الإسلامية فى مصر وطوروه. فى الوقت الذى ظل فيه البنيان الفكرى للحركة الإسلامية فى مصر ثابتا لم يتغير، بسبب انشغال الحركة بالدفاع عن نفسها وتجميع عناصرها، الأمر الذى أدى إلى الحفاظ على الجسم وضمور الفكر والعقل.
 
العامل الثالث أن الحركة الإسلامية فى مصر تأثرت بدرجة أو أخرى بالدعوة السلفية، سواء بسبب انتقال بعض قياداتها وعناصرها إلى السعودية والخليج أو بسبب كثافة النشاط السلفى فى مصر الذى استفاد من فراغ ساحتها، نظرا لظروف حظر الإسلاميين واعتقالهم، وهذا التأثير بدا واضحا فى اهتمام خطاب الإسلاميين فى مصر بالسلوك والمظاهر وعدم اكتراثهم بالهموم الحياتية للناس. وهى السمات الأساسية للخطاب السلفى الذى يختزل التدين فى تلك المظاهر.
 
لقد استفادت الحركة الإسلامية فى المغرب العربى من العطاء الفكرى للتيار الإسلامى فى مصر، فلماذا لا نستفيد بدورنا من نضجهم السياسى الذى سبقونا إليه؟.

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 276 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

755,879

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته